مع انقضاء جولة القتال بين الفصائل الفلسطينية في غزة وإسرائيل التي استمرت 11 يوماً، تردد خلال هذه الجولة من القتال، مصطلح "مترو حماس" على لسان قادة الجيش ووزير الدفاع ورئيس الوزراء، الذين تباهوا ضمن الإنجازات العسكرية التي تحققت بأنهم استطاعوا تدمير عشرات الكيلومترات من هذا المشروع الذي تعتبره إسرائيل السلاح الاستراتيجي الأبرز لدى حركة حماس.
تحاول السطور التالية تسليط الضوء على مصطلح "مترو حماس"، وهل هو تضليلي روجته الدعاية الإسرائيلية، أم امتداد لمشروع الأنفاق الذي عملت عليه حركة حماس والفصائل الفلسطينية منذ عقد ونصف.
ماذا يعني مترو حماس؟
"مترو حماس" أول من استخدمه رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي في الأيام الأولى لجولة القتال مع غزة، وتحديداً بعد ارتكاب الطائرات الحربية مجزرة شمالي قطاع غزة -عبر بناء ما يعرف "بحزام ناري" مكثف- تمت عبر قصف الطائرات الحربية بـ200 غارة جوية في أقل من نصف ساعة لمنطقة شرقي مدينة غزة، بالتزامن مع تسريب الجيش أخباراً مضللة لوسائل إعلام محلية إسرائيلية ودولية عن استعداد الجيش لدخول غزة برياً.
كان الهدف من ذلك وفقاً لما كشفته صحيفة معاريف، استدراج أفراد الفصائل الفلسطينية المتمركزين في مواقعهم فوق وتحت الأرض للانقضاض عليهم، ضمن خطة استعداد تدرب عليها الجيش منذ ثلاث سنوات، وهي الفترة التي تولى فيها كوخافي رئاسة الأركان.
الصحيفة ذاتها اعترفت بهذا الفشل وفقاً لمصادرها في الجيش، إذ كان الهدف من هذه الخطة وفق الادعاء الإسرائيلي، قتل وإصابة ما بين 300-400 فرد من فصائل المقاومة.
وكان تل ليف-رام الخبير العسكري في صحيفة معاريف قد كشف النقاب في منتصف سبتمبر 2020، بأن كوخافي وضع هدفاً في جولة القتال القادمة مع غزة، لتصفية 300 ناشط من حركة حماس يومياً عبر استهدافهم كأحد المحددات الرئيسية لخطة "تنوفا" العسكرية التي قدمها كوخافي أثناء تقلده مهامه كقائد أول للجيش الإسرائيلي.
سلوك عسكري لكوخافي
يأتي مشروع "مترو حماس" كامتداد لمشروع الأنفاق الذي بدأت بتشييده حركة حماس كأحد خياراتها العسكرية الاستراتيجية منذ سيطرتها على غزة صيف عام 2007، واستمر العمل به على مدار السنوات الماضية ليوفر عمقاً استراتيجياً لها في أية مواجهة قادمة.
وظهرت نتائج هذا الإعداد والتطوير في أنفاق حماس في الإنجازات العسكرية التي حققتها خلال الحروب على غزة ومن أهمها أسر الجنديين الإسرائيليين في معركة العصف المأكول صيف عام 2014.
عصمت منصور الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" قال لـ"عربي بوست" إن "مصطلح (مترو حماس) يستخدم لأول مرة في الحرب على غزة وتم تداوله بشكل واسع على مستوى الإعلام الإسرائيلي، وهو يأتي كترجمة عملية وسلوك ميداني على الأرض لعقيدة كوخافي العسكرية، التي حدد من خلالها هدفاً واضحاً بأن الانتصار أمام حماس يأتي من خلال تدمير وإصابة بنيتها التحتية بالشلل عبر استهداف مشروع الأنفاق الذي طورته داخل غزة بشكل مباشر بالصواريخ التي تخترق التحصينات".
وأضاف المتحدث أنه "لا يمكن التحقق من الادعاء الذي يروجه نتنياهو وقائد أركانه، بأنه تم تحقيق هذا الهدف والقضاء على هذا المشروع، فإسرائيل روجت لهذا الإنجاز لأنها فشلت في الوصول لأهداف أكثر أهمية حددتها بداية المعركة، وهي اغتيال قادة المقاومة، لذلك تحاول تضخيم هذا الإنجاز الذي لم يتم حصر أضراره بعد".
تطوير مشروع مترو حماس
أبوعطايا الناطق العسكري باسم ألوية الناصر صلاح الدين قال لـ"عربي بوست" إن "مشروع الأنفاق هو امتداد لمشروع تطوير قدرات المقاومة، بدأنا به منذ سنوات، ونستخدمه لتقليل الخسائر في صفوف المقاومة في أي معركة أو مواجهة مع دولة الاحتلال، كما نستخدمه كأداة للتواصل والتنسيق بين القادة في الميدان وعناصر المقاومة، ونستطيع التحكم في سير المعركة من داخل هذه الأنفاق".
وأضاف المتحدث "هناك تضخيم إسرائيلي في مشروع الأنفاق، صحيح أنه أحد أدواتنا للمواجهة الميدانية أثناء المعركة، ولكنه ليس كمدن كاملة، وهي موجودة لمواجهة العدو، وليس للاختباء كما يدعي جيش الاحتلال، كما نرفض أي ادعاء إسرائيلي بأن هذه الأنفاق موجودة بين الأحياء السكنية، لأن الآلة الإعلامية الإسرائيلية تبرر ما قامت بارتكابه من مجازر في هذه الحرب تحت ذريعة ضرب البنى التحتية للمقاومة ومنها مشروع الأنفاق".
وتابع المتحدث "من حقنا كفصائل أن نستخدم ما نراه مناسباً من أدوات المواجهة، ما تم الكشف عنه في هذه الحرب هو جزء يسير مما تمتلكه الفصائل في غزة، حافظنا على مستوى رد مقبول وكان باستطاعتنا الصمود لستة أشهر كاملة في هذه الحرب بمستوى القصف الذي أظهرته هذه المعركة".
مفاجآت البحر
من بين الأمور اللافتة في هذه الحرب، هو شن الطائرات الإسرائيلية قصفاً موازياً بكثافة نارية عالية لمنطقة غرب غزة والتي تعرف بمنطقة كورنيش غزة، حيث شمل القصف من منطقة السودانية شمالي مدينة غزة وحتى المنطقة الوسطى بطول يصل إلى 10 كيلومترات.
القصف الإسرائيلي كان نسخة مكررة لقصف المنطقة الشرقية للحدود، بذات القدرة التدميرية وباستخدام قنابل جي بي يو-31 ذات القدرة على اختراق التحصينات العسكرية المسلحة.
وقد تم تداول صور لتدمير شبه كامل للشارع الرئيسي بمسافة 10 كيلومترات، ما يشير إلى أن التقدير الإسرائيلي كان يشير إلى وجود شبكة من الأنفاق قد تكون لأغراض عسكرية هجومية لضرب أهداف استراتيجية في بحر غزة كالبوارج أو منصات الغاز، أو قد تكون لأغراض دفاعية ولوجستية تضم شبكة الاتصالات الداخلية التي فشلت إسرائيل في اختراقها أكثر من مرة، أو لتوفير حماية لقادة الفصائل.
إسلام شهوان الخبير المختص في الشؤون العسكرية من غزة قال لـ"عربي بوست" إن "التهويل الإسرائيلي بتمكن الجيش من ضرب مترو أنفاق حماس ما هو إلا أكذوبة حاول الجيش تمريرها للجمهور بسبب فشله في تنفيذ خطة عسكرية تدرب عليها لثلاث سنوات، ولكنها فشلت لأن المقاومة كانت متيقظة لهذا الأمر، كما أن تداول مصطلح المترو بصورة كبيرة في الإعلام ما هو إلا خداع وتضليل، بدليل أن البيئة الطبوغرافية لا تسمح بتشييد مثل هذه المشاريع نظراً لأن المجهودات في هذا الأمر محدودة وبأدوات بدائية".
وأضاف "قصف إسرائيل لكورنيش غزة بهذه الكثافة سعي إسرائيلي لعدم استخدام حماس لسلاح البحر منعاً لأي انتكاسات جديدة في هذه الحرب، لأن إسرائيل استطاعت على الأقل أن تمتص رشقات الصواريخ التي سقطت على غوش دان ومناطق المركز، وهي غير قادرة على تحمل مفاجآت جديدة تهز أمنها القومي".
وكان المتحدث باسم الجيش هداي زيلبرمان قدم ملخصاً يوم الجمعة للإنجازات العسكرية التي تحققت خلال معركة "حارس الأسوار" التي أعلن عنها الجيش كعنوان لحرب غزة، بتمكن الجيش من تدمير 100 كيلومتر مربع من شبكة الأنفاق التابعة لحماس في غزة.
اللافت أن هذا الادعاء لقي موجة من السخرية لدى المراقبين العسكريين، نظراً لأن مساحة قطاع غزة لا تتجاوز 360 كيلومتراً مربعاً، وأن ادعاءه يعني أنه تم تدمير ثلث مساحة قطاع غزة.
يوسف الشرقاوي، اللواء المتقاعد والخبير العسكري قال لـ"عربي بوست" إن "هذا الادعاء ما هو إلا امتصاص لغضب الجبهة الداخلية التي لم تر أن إنجازاً واحداً تحقق في هذه الحرب، فرغم تدمير الأنفاق التي تقول إسرائيل إنها تضم منصات الصواريخ، فإن معدل إطلاق الصواريخ لم يتأثر ما بين اليوم الأول والأخير للمواجهة سواء من حيث الكثافة والمدى".
وأضاف "بيئة غزة ليست بالبيئة المواتية عسكرياً لإنشاء مترو أنفاق، ما يوجد في غزة قد لا يتعدى مربعات صغيرة من أنفاق قصيرة تستخدم لتخزين الصواريخ، وشبكة اتصالات داخلية للتواصل والتنسيق بين المستويات القيادية للفصائل، وممرات قصيرة ومتوسطة الطول لتمرير الدعم اللوجستي أثناء المعركة".