أعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن إنشاء صندوق خاص بغرض استرجاع الأموال المنهوبة في الجزائر في عهد عبد العزيز بوتفليقة بعد صدور أحكام نهائية ضدّ الكثير من رجالاته ومقربيه.
ويتذكّر الجزائريون جيداً يوم أكد تبون في أول ندوة صحفية له بعد فوزه بكرسيّ الرئاسة، أنه قادر على استرجاع الأموال المنهوبة، إذ قال حرفياً: "أنا أعرف أين هي وسآتي بها.. لا تقلقوا اتركوها عليّ".
ورفض تبون في الندوة ذاتها، كشف خطته لاسترجاع الأموال، متحججاً بخوفه من استعداد ما يسمى في الجزائر بـ"العصابة" لذلك.
وبعد مرور سنة ونصف من حكم تبون لم تسترجع الجزائر إلا قليلاً من هذه الأموال، والتي قالت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" إنها بلغت حوالي 900 مليون دولار.
وأضافت المصادر نفسها أن السلطات الجزائرية ما زالت تتفاوض مع بعض رجال الأعمال الموجودين في السجون بغرض التصالح مقابل إعادة الأموال والأصول الخارجية.
وكشف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في حوار تلفزيوني قبل أسابيع أنه تحادث مع وزيرة الداخلية السويسرية التي زارت الجزائر مؤخراً حول الموضوع، ومع بعض المسؤولين الأوروبيين وأبدوا تعاوناً كبيراً، إلا أن الإجراءات القانونية بحاجة إلى وقت حسب الرئيس الجزائري.
الناشط السياسي سمير بن العربي قال في حديث لـ"عربي بوست" إنه "ليست هناك نية حقيقية من طرف النظام الحالي لاسترجاع الأموال المنهوبة والعقارات في الداخل و الخارج حتى لا يكون رجالاته اليوم ضحية نفس المسار مستقبلاً".
وأضاف المتحدث أنه "لم يتضح بعد مسار عملية استرجاع الأموال المنهوبة من طرف عصابات المال ورجالات النظام السابق رغم أن الرئيس عبدالمجيد تبون صرح أنه يمتلك خطة لاسترجاعها".
الأموال المنهوبة.. ما قيمتها؟
تختلف تقديرات الخبراء حول حجم الأموال المنهوبة في العشرين سنة الأخيرة، لكن ما تُؤكده الأرقام الرسمية هو أن الجزائر جنت قرابة مليار دولار خلال العقدين السابقين، بعد أن وصلت أسعار النفط إلى أرقام قياسية غير مسبوقة.
ووفق الخبراء فإن هناك فجوة كبيرة بين الكتلة المالية التي كانت تستحوذ الجزائر عليها وبين الإنجازات المحققة على أرض الواقع من تنمية وبنية تحتية، وهو ما يشير إلى حجم كبير من الفساد، وربما هذا ما يُفسر تواجد الجزائر في مراتب متقدمة على قائمة أكثر الدول فساداً في العالم خلال السنوات الأخيرة من حكم بوتفليقة.
ويرى الناشط السياسي وأحد أبرز المعارضين في الحراك الشعبي سمير بن العربي أن ما يتم الحديث عن حجزه لا يمثل إلا جزءاً قليلاً جداً مما نهب، مستبعداً أن يتم معالجة الملف في الوقت القريب باعتبار أن الأحكام القضائية ضد ما يسمى بـ"العصابة" ما تزال طويلة وغير نهائية.
أما الخبير الاقتصادي عمر هارون فيقول لـ"عربي بوست" إنه "للأسف لا يمكن تحديد حجم الأموال المسروقة التي يستهدفها الصندوق ولا كم سيكون هناك من أموال نظراً لأن عدداً من القضايا المتعلقة بالملف لا تزال أمام القضاء الجزائري وبعضها يحتاج إلى اتفاقيات دولية لمتابعة الأموال المهربة في الخارج ومنه فننتظر النتائج التي ستصدر لنستطيع الحكم على ما سيكون في هذا الصندوق".
وتتداول وسائل إعلام جزائرية أن حجم الأموال المنهوبة خلال العشرين سنة الماضية تفوق 200 مليار دولار.
الأرقام الرسمية
كشفت وزارة العدل الجزائرية مطلع الشهر الجاري أن الجهات القضائية حجزت وصادرت العديد من الأملاك المنقولة والعقارية المتواجدة على التراب الوطني، في إطار استرجاع الأموال.
وقال بيان للوزارة ذاتها، إنه بالنسبة للدينار الجزائري بلغ إجمالي المبلغ الموضوع تحت يد القضاء أكثر من 5.2 مليار دينار (قرابة ربع مليار دولار)، أما بالنسبة لعملة اليورو فبلغ إجمالي ما هو موضوع تحت يد القضاء قرابة مليوني أورو، وبالنسبة للدولار الأمريكي وُضِع تحت يد القضاء أكثر من 213 مليون دولار.
وأكدت الوزارة حجز عملات أخرى بمبالغ مالية أقل، مشيرة إلى أن المبالغ المذكورة تأخذ شكل إما سيولة أو مبالغ موضوعة في الحسابات البنكية.
وبخصوص الأموال المنقولة الأخرى أكدت وزارة العدل الجزائرية أنه تمَّ وضع القضاء على 4766 مركبة و6 سفن.
وفيما يتعلق بالعقارات فقد وُضعت مصالح الوزارة 301 قطعة أرضية عادية وفلاحية تحت يد القضاء، منها 214 تمت مصادرتها.
في حين وُضع تحت يد القضاء 119 مسكناً و27 محلاً تجارياً صُودرت منها على التوالي 87 و23 بالإضافة إلى 21 بناية أخرى محجوزة أو مصادرة.
شجاعة التصالح
يقول رئيس حزب جبهة المستقبل ومنافس تبون في الرئاسيات عبدالعزيز بلعيد، إن سجن رجال الأعمال والمقربين من بوتفليقة غير مفيد للجزائر.
ويعتقد بلعيد الذي يبدو أنه في طريقه للتحالف مع تبون بعد تشريعيات 12 يونيو/آب 2021، أن التصالح واسترجاع الأموال بطريقة ودية سيفيد الجزائر كثيراً في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد.
ومال الناشط السياسي سمير بن العربي إلى نفس التوجه إذ قال إن "الحل الوحيد لاسترجاع كل الأموال المنهوبة هي مصالحة مالية تسمح لأصحاب المال بالتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إخراجهم من السجن ووضعهم تحت رقابة قضائية ومنعهم من مغادرة التراب الوطني".
وفيما يخص فكرة تخصيص صندوق من أجل استرجاع الأموال يقول الخبير الاقتصادي عمر هارون إن "هدفه تقني قبل كل شيء حتى يستطيع الرأي العام متابعة القضية من جانب ويكون للرئيس قدرة على الوفاء بالتزاماته تجاه من انتخبوه من جانب آخر، ويمكن بعد ذلك للسلطة إن أرادت أن تستخدم هذه الأموال في مشاريع تنموية واضحة المعالم على غرار مجمع صحي متخصص أو صرح علمي أو حتى صناعي إنتاجي".