تبدو الجزائر في طريقها لتنشيط علاقتها الخاملة مع إيران، لا سيما بعد زيادة توتر علاقات هذه الأخيرة مع جارتها المغرب، بسبب اتهامات وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الموجهة لطهران أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية "أيباك" والتي قال فيها إن "الجمهورية الإسلامية تهدّد أمن المنطقة والمغرب، ويجب التنسيق بين الحلفاء لردعها".
وبعد يوم واحد من تصريحات بوريطة والرد الإيراني السريع، ظهرت بوادر التقارب الإيراني الجزائري إذ تواصل وزير الخارجية الجزائري صبري بوقدوم مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف لمناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين وقضايا المنطقة، حسب ما أورده بيان للخارجية الجزائرية.
ووفق مصادر "عربي بوست" فإن زيارة لمسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى ستعرفها الجزائر قريباً لإعادة تنشيط العلاقات الثنائية، لا سيما بعد انتخاب عبدالمجيد تبون رئيساً للبلاد قبل سنة ونصف وبداية استقرار الأوضاع السياسية في البلاد.
ويعرف المجال الدبلوماسي مؤخراً منافسة شديدة وحرباً بين المغرب والجزائر بسبب قضية الصحراء التي عادت إلى الواجهة بعد أزمة معبر الكركارات.
إيران والمغرب.. الأزمة مستمرة
تعيش العلاقات الإيرانية المغربية أسوأ مراحلها، إذ طرد المغرب سفير طهران لديه وقطع العلاقات الدبلوماسية معها منذ ثلاث سنوات بسبب دعم إيران لجبهة البوليساريو، كما اتهمت الرباط حزب الله بتدريب وتسليح عناصر جبهة البوليساريو بتنسيق مع طهران بمساعدة الجزائر.
ولا يترك المغرب أي فرصة للتنديد بأفعال إيران في الشرق الأوسط، إذ تُساند المملكة دول الخليج على طول الخط في صراعها معها، كما تساند إسرائيل في موقفها الرافض لإمكانية حيازة الجمهورية الإسلامية للسلاح النووي، من خلال برنامجها النووي وفق ما قاله بوريطة قبل أيام في لقائه لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية "أيباك".
من جهتها، تنفي إيران كل التهم الموجهة إليها من طرف المغرب، وتعتبر ما يقوم به هذا الأخير مناورة لكسب ود إسرائيل التي أعادت معها العلاقات الدبلوماسية مقابل اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء.
وترى إيران أن المغرب يتحامل عليها لكسب تأييد دول الخليج وعلى رأسها السعودية، إضافة إلى التقرّب أكثر من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من أجل كسب دعم أكبر بخصوص ملف الصحراء.
ولا تعد المرة الأولى التي تقطع المملكة علاقتها الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية، إذ كانت قد طردت سفيرها من الرباط بدعوى التدخل في شؤونها الداخلية والعمل على نشر المذهب الشيعي.
ويرى الخبير في العلاقات الدولية محمد دخوش في تفسير لـ"عربي بوست" أن العلاقات بين إيران والمغرب تقاس بمدى تقارب الرباط مع دول مجلس التعاون الخليجي، فإذا كانت ممتازة بالضرورة تكون متوترة مع طهران والعكس صحيح.
التقارب الإيراني الجزائري.. عدو عدوي صديقي
"عدو عدوي صديقي" هذا ما أكده التقارب الإيراني الجزائري مباشرة بعد تبادل الاتهامات بين الخارجية الإيرانية والمغربية.
ورغم أن العلاقات الجزائرية الإيرانية قديمة وكانت دائماً ممتازة، إلا أنها عرفت توتراً في بداية التسعينات مع اندلاع الحرب الأهلية، إذ اتهمت الجزائر طهران بدعم الإسلاميين وقتها وقطعت علاقاتها الدبلوماسية معها.
وما زال رئيس الحكومة الجزائري في تلك الفترة سيد أحمد غزالي يهاجم إيران لحد الآن كلما سنحت له الفرصة، إذ يعتبرها دولة تشكل خطراً على المنطقة العربية.
وحافظت الجزائر في السنوات الأخيرة على علاقاتها مع طهران، إلا أنها لم تسع لتطويرها أكثر بسبب خوفها من استجلاب عداء الدول الصديقة في الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
ورغم ذلك استطاعت الجزائر المحافظة على علاقات جيدة مع دول الخليج إلا أنها لم تنجر وراء طلباتها المتعلقة بتصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، كما أنها رفضت المشاركة في الحرب على اليمن، وبقيت متمسكة بعدم طرد سوريا من الجامعة العربية وتصر على عودتها إلى بيتها العربي، وفق ما صرح به وزير الخارجية صبري بوقدوم.
ويقول الخبير في الشأن الإيراني نور الدين المالكي إن "العلاقات الجزائرية الإيرانية منذ الاستقلال كانت ودية، ما مكن وساطة الجزائر بين إيران والعراق سنة 1975 في عهد الشاه، ثم وساطة الجزائر سنة 1980 بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في عهد الخميني، لحل أزمة الدبلوماسيين الأمريكيين المختطفين بطهران، غير أنها ساءت بقطع العلاقات بين سنوات 1993 و2001 بسبب دعم إيران الجماعات المسلحة، ثم تحسنت من جديد مع تولي بوتفليقة الرئاسة في الجزائر".
ويضيف المالكي في حديث مع "عربي بوست" أن "حكومتي البلدين أعلنتا عن نيتهما تطوير العلاقات الثنائية، غير أن عوامل خاصة بكل بلد تحول دون ذلك، فبالنسبة لإيران تعد تدخلاتها في الشأن الجزائري عقبة أمام تطوير العلاقات، رغم أن الجزائر لم تتدخل في الشأن الداخلي الإيراني".
وأشار المتحدث إلى أن "بداية التدخلات كانت بدعم إيران للإسلاميين بعد انقلاب العسكر في الجزائر سنة 1992، وآخرها الخرجات غير الدبلوماسية للمستشار الثقافي السابق لسفارة إيران أمير الموساوي الذي سُحب وتمت إعادته لإيران".
وأشار المتحدث إلى أنه "بالنسبة للجزائر اقتصادياً يعد اللوبي الفرانكفوني الموالي لفرنسا المُعرقل الأول لأي تقارب اقتصادي بين البلدين، وأمنياً يُشكل دعم إيران للجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية في اليمن ولبنان والعراق وسوريا مصدر تخوف بالنسبة للجهات الأمنية الجزائرية، وثقافياً ترفض الجزائر مشروع إيران لنشر التشيع".