مجدداً سادت القضية الفلسطينية الرأي العام الشعبي العربي بعد أن بات الفلسطيني يصدر الوعي الحقيقي والصحيح تجاه قضيته الفلسطينية العادلة، بعد محاولات الاحتلال الصهيوني "أسرلة" الوعي داخلياَ وخارجياً من خلال إقامة علاقات التطبيع مع الدول العربية على المستوى الرسمي فقط، حيث ظلّت الشعوب العربية حرّة رافضة لسياسات أنظمتها. وذلك عبر قضية حيّ الشيخ جراح في القدس المحتلة، والذي يسعى الاحتلال إلى إفراغ أهله منه وإحلال مستعمرين بدلاً منهم.
بالمعنى الآخر، إن قضية الشيخ جراح تعتبر لجوءاً وراء لجوء يتبعه لجوء معنوي ومادي وجسدي إذا تم تهجير سكانه منه، فما هي قصته باختصار؟
عام 1948 هُجر الشعب الفلسطيني فيما عُرف بالنكبة، حيث سيطر الاحتلال بقوة الاستعمار والسلاح على عشرات القرى وهجّر سكانها ما بين هجرة داخلية "داخل فلسطين" وهجرة خارجية، فيما يُعرف بـ"الشتات الفلسطيني" موزعين على الدول العربية المحيطة بفلسطين ودول أوروبية أيضاً. نجوا من الموت فعاشوا لاجئين. وكان من بين هؤلاء المهجرين نحو 28 عائلة سكنت الخيام في منطقة الشيخ جراح، توصلت عام 1956 إلى اتفاق مع الأردن والأنروا على توفير مساكن لهم في المنطقة؛ حيث كانت الضفة الغربية آنذاك تحت حكم الإدارة الأردنية.
عقب عام 1967 فيما يُعرف بالنكسة، فرض الاحتلال استعماره التام على باقي أجزاء الوطن، الأمر الذي حال دون تفويض الأرض والمساكن بأسماء العائلات كما كان متفقاً مع الحكومة الأردنية. مع مطلع السبعينيات ادعت إحدى طوائف اليهود المحتلين لفلسطين ولجنة اليهود الأشكناز في الكنيست الإسرائيلي أن الأرض المقام عليها حي الشيخ جراح تعود لها.
لجأت للمحاكم من أجل إخلاء العوائل وكان القرار لصالحهم، ولكن المحكمة قررت أن الأرض تعود ملكيتها للجمعيات الإسرائيلية بعد خديعة محامٍ وكله أهالي الحيّ للدفاع عن ممتلكاتهم، حيث وقع المحامي توسيا كوهين على أن ملكية الأرض تعود للجمعيات الإسرائيلية، ما يعني أن أهالي حيّ الشيخ جراح وجودهم غير قانوني! وتم منح أهالي الحيّ وضعية المستأجرين، وتحت طائلة الإخلاء في حالة عدم دفعها الإيجار للجمعيات الاستيطانية.
حاول أهالي الحيّ إثبات ملكية الفلسطينيين للأرض من خلال الطابو العثماني، ولكنّ محاكم الاحتلال "القاضي هو الجلاد" رفضوا هذه الإثباتات مطلع الألفين. واستمراراً لحالة التزوير التي يعتمدها الاحتلال منذ وجوده على أرض فلسطين قاموا ببيع الأرض والممتلكات لشركة استيطانية.
في عامي 2008 و2009 تم طرد ثلاث عوائل من منازلهم في حيّ الشيخ جراح، هي: "الكرد والغاوي وحنون" وتم إحلال مستوطنين مكانهم ورفعوا الأعلام الصهيونية على الممتلكات حينها، اليوم تنتظر نحو 28 عائلة قرار محكمة الاحتلال بشأن بلاغات طردها من منازلها بحجة ملكيتها للمستوطنين.
اليوم يقف أبناء هذه العائلات موقف القوة في وجه العدوّ، الجيل الشاب الذي يرفض أن يعيش اللجوء مرة أخرى، لأنه يدرك مرارة ماذا يعني أن يُسلب منك بيتك، ذكرياتك، طفولتك وشبابك وشيخوختك، ماذا يعني أن يسلب منك مجدداً وطنك.
لا يكتفي الاحتلال بسرقة الأرض والإرث الفلسطيني، إنما يعمل جاهداً على طمس الهوية الفلسطينية، وإسكات الصوت الفلسطيني على أرض الواقع بالترهيب والاعتقالات والقتل، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي من خلال التواصل مع أصحاب هذه الوسائل وإقناعهم أن المحتوى الفلسطيني هو محتوى إرهابي، ولأن "العالم المنافق" يقف مع الباطل لا الحق، أغلقت منصات تويتر وفيسبوك وإنستغرام وتيك توك الكثير من حسابات النشطاء الفلسطينيين الذين تحدثوا وأعلوا صوت الحق ووجهوا رسالة الشيخ جراح للعالم، وفضحوا ممارسات الاحتلال التي يقوم بها ضد البشر والحجر وكل ما يتعلق بفلسطين.
في الحقيقة، فإن الاحتلال يعمل على كيّ الوعي لدى الفلسطيني والعربي والعالم أجمع من خلال إسكات الصوت الفلسطيني وضخ الرواية الصهيونية بعدة طرق ووسائل، بالتالي إن معركتنا مع الاحتلال لم تعد محصورة على المنحى الجغرافي أو السياسي والتاريخي، إنما على الحياة بكافة مناحيها، منحى الوجود الفلسطيني كاملاً، لذلك لا بد أن تنتصر الرواية الفلسطينية كما انتصرت همّة المقدسيين في كسر السيطرة الصهيونية على المسجد الأقصى منذ الاستعمار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.