التقى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان برئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، زيارة رأى فيها مصدر سياسي لبناني مطلع عليها أنها كانت بمثابة طلقة أخيرة في رأس المبادرة الفرنسية للبنان.
وجّه لودريان حديثه بالقول: "حاولنا مساعدتكم، لكنكم مصرون على مطالبكم ومصالحكم، فشلتم ولتتحمّلوا مسؤولية فشلكم، فرنسا لم تعد معنية بالتفاصيل والمبادرات ولا بحلّ الخلافات بين اللبنانيين، هناك إجراءات عقابية بحق المعرقلين بدأنا باتّخاذها وسنبدأ بتطبيقها خلال أيام".
لقاء لودريان – عون: التوتر يسود الجلسة
بحسب المصادر المطلعة، فإن لقاء الوزير الفرنسي مع رئيس الجمهورية ميشال عون كان غير ودي وتخلله توتر بين الرجلين، ففي بداية الجلسة، والتي امتدت لأقل من 30 دقيقة، تحدث عون لأكثر من نصف الجلسة باللغة الفرنسية، حيث أكد أنه يسعى للإصلاح عبر إقرار التدقيق الجنائي لحسابات المصرف المركزي كمعبر أساسي للإصلاح وتعزيز ثقة المجتمع الدولي، وحول الملف الحكومي حاول عون تحميل الرئيس المكلف سعد الحريري مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة، وأنه منقطع عنه، ويقوم بزيارات خارج البلاد دون الالتفات لإيجاد مخارج تؤدي لتشكيل الحكومة.
هنا قاطع لودريان عون بالقول إن الجميع مسؤول عن الأزمة، وإن الطرفين لا يريدان التنازل لمصلحة البلاد، ووفق المصدر فإن الوزير الفرنسي وجه لعون نصيحة واضحة: عليك نصيحة فريقك السياسي بالتنازل، لأن البلاد تغرق، وفي حال الغرق لن تجدوا مكاناً ينجدكم، والمبادرة الفرنسية هي الملاذ الأخير لكم، أنهى الوزير الفرنسي كلامه بالقول: بدأنا سلسلة إجراءات عقابية بحق المعرقلين والمتهمين بالفساد من كل الجهات المسؤولة، وهذا الموضوع ليس للمناورة، وسترون ذلك. وانتهى اللقاء.
اللقاء مع بري أقل توتراً: أنقذوا البلاد من الانفجار المحتمل
وفق مصادر مقربة من رئيس البرلمان، فإن اللقاء استمر لحوالي 40 دقيقة، كان اللقاء ودياً، وشرح بري لضيفه الفرنسي الجهود التي بذلها والمبادرات التي أطلقها مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ووافق الحريري عليها ضمنياً، لكنها اصطدمت برفض فريق رئيس الجمهورية وصهره الوزير السابق جبران باسيل، ووفق تلك المصادر، فإن الوزير لودريان جدد لبري القواعد الفرنسية الثابتة، وهي أنّ المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة، وأن الحل يقضي بضرورة الإسراع في تشكيل حكومة قادرة على إنقاذ الوضع، وإلا فإن البلاد ستنفجر في حال وقعت الفاجعة ورفع الدعم، وأن باريس ستعاقب المعرقلين والفاسدين بسلة عقوبات وإجراءات رادعة.
اللقاء مع الحريري.. خرق للأصول وأجواء قاتمة
كانت الأجواء غير مستقرة بين الفرنسيين والرئيس المكلف سعد الحريري، وعليه فإنه وحتى الساعات التي سبقت لقاء الضيف الفرنسي مع الحريري لم يكن هناك موعد محدد للرجل مع لودريان، إلا أن اتصالات أجريت لترتيب الموعد وصلت لحد تواصل بعض أصدقاء الحريري مع الفرنسيين، لعدم تجاهل وزير الخارجية الفرنسي لودريان للحريري في زيارته.
ووفق مصادر دبلوماسية، فإن اللقاء رُتب على عجل، لكن الوزير الفرنسي رفض الذهاب لمنزل الحريري، وحدد الموعد مساء الخميس في قصر الصنوبر -مقر السفارة الفرنسية في بيروت- ما اعتبر، بحسب مطلعين، مخالفة للأصول البروتوكولية.
ووفق المصادر الدبلوماسية، فإن اللقاء بين الحريري والوزير الفرنسي جرى بعد اشتراط الفرنسيين على الحريري أن يكون اللقاء بعيداً عن الإعلام، والتكتم على انعقاده منعاً للإحراج، ووفق المصدر، فإن لودريان لم يدخل في تفاصيل العوائق التي تقف في وجه تشكيل الحكومة مع الحريري.
لكنه وجه إليه سلسلة نصائح بضرورة إنجاز التسوية في ظل التطورات الحاصلة في المنطقة، وتحديداً بين السعوديين والإيرانيين، وأنها الفرصة المناسبة ولتشكيل حكومة تجري إصلاحات.
الامتعاض الفرنسي من الحريري يعود لسبب رفض الحريري فكرة باريس لعقد لقاء بين الحريري وباسيل؛ حيث كان جواب الحريري أنه مستعد للقاء باسيل بعد تشكيل الحكومة، أما قبلها فلا حاجة له بذلك، وأنه جاهز للقائه إذا نظمت باريس لقاءً جامعاً للقوى السياسية، وسأل الحريري الفرنسيين إذا ما كان لقاؤه باسيل سيؤدي لتنازل الأخير عن مطلب تسمية الوزراء المسيحيين والثلث المعطل في الحكومة.
محاولات باسيل باءت بالفشل
وحسب المصدر، فإن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل سعى من خلال بعض مستشاريه وأصدقائه للتوسط لدى الفرنسيين لترتيب لقاء بينه وبين الزائر الفرنسي لمناقشة الملفات العالقة، ولتوضيح موقفه مما يجري، في ظل الاتهامات المتكررة له بعرقلة مسار تشكيل الحكومة، إلا أنه -ووفق المصدر الدبلوماسي- فإن الرد الفرنسي كان حازماً أن الوزير الفرنسي آت للبنان لإيصال رسائل واضحة للرئيسين عون وبري وللقاء قوى المعارضة فقط لسماع مطالبها في ظل فشل الأحزاب بالوفاء بوعودها.
مناورة لودريان.. اللقاء مع مجموعات المعارضة
"عليكم التحضر للانتخابات النيابية"، هكذا بادر وزير الخارجية الفرنسي بالقول خلال لقائه الأول مع مجموعات سياسية معارضة، إذ أكد أنه رفض اللقاء بالقوى السياسية والأحزاب التقليدية، لأنها فقدت ثقة المجتمع الدولي وحكومة بلاده، وأنه فضل التشاور والبحث مع المجموعات الناشطة في ثورة 17 تشرين، ولقي هذا الاجتماع اهتماماً كبيراً في الوسط السياسي المحلي والدولي.
حضر اللقاء حزب الكتائب برئاسة النائب المستقيل سامي الجميل، وبيروت مدينتي، وتحالف وطني، ومجموعة منتشرين، وعامية 17 تشرين، وتيار مسيرة وطن، وحزب تقدم، والكتلة الوطنية، ورئيس حركة الاستقلال النائب المستقيل ميشال معوض، والنائب المستقيل نعمة أفرام.
ووفق أحد المشاركين لـ"عربي بوست"، فإن الضيف الفرنسي كان مستمعاً وملماً وحاضراً للإجابة عن أسئلة الحاضرين، أبلغهم أنه لن يلتقي بأي "أولئك الزعماء الستة" الذين لا يحترمون أقوالهم ولا تعهداتهم -رؤساء الأحزاب السياسية الرئيسية- لذا، اقتصرت لقاءاته على رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي، وكان واضحاً معهما بأن الحكومة الجديدة يجب أن تكون مستقلة من اختصاصيين يتمتعون بالنزاهة.
وأكد أنه شعر بتغير المزاج الشعبي في لبنان بخصوص إيمان الناس بالتغيير والاصطفاف خلف المعارضة، وأنه والإدارة الفرنسية يتابعون مبادرات تشكيل جبهات سياسية موحدة لذا فالمعركة معركتكم، ولا يمكن لأي أحد أن يخوضها عنكم.
الثغرات الفرنسية في المستنقع اللبناني
يرى المحلل السياسي والصحفي منير الربيع أن فرنسا "الأم التي لا تعرف أبناءها"، فمنذ اليوم الأول لإطلاقها المبادرة، إلى فشل مساعي الفرصة الأخيرة التي قادها لودريان، أكثرت باريس من التغيير في المواقف: من إسقاطها مبدأ المداورة بين الحقائب، لدعوتها لتشكيل حكومة غير مكتملة المواصفات، وإلى غير ذلك من التفاصيل، فوصلت إلى "درك" انشغالها وحصر اهتمام مسؤوليها بالترتيب لعقد لقاء بين سعد الحريري وجبران باسيل.
وبحسب الربيع تظهر هشاشة سياسية تعود بداياتها إلى لحظة إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن دعوته إلى عقد اجتماعي جديد في لبنان. ثم غير موقفه أو صححه. وكان قبل ذلك ادعى أنه قائد الثورة اللبنانية من شوارع بيروت بعيد انفجار المرفأ، فيما هو يعمل لإعادة إحياء الطبقة السياسية في اجتماع قصر الصنوبر، وتوجيهه كلاماً قاسياً للمجتمع المدني بأنه لم ينتج بديلاً.
ويرى الربيع أنه من السذاجة القول إن فشل اللقاء بين الحريري وباسيل هو الذي أفشل المبادرة الفرنسية. فهناك أسباب جوهرية استراتيجية حالت دون إنجاحها، تمتزج فيها عوامل أمريكية وخليجية وأوروبية بأخرى لبنانية، تتجلى بالاستعصاء الناجم عن صراع "الديوك اللبنانيين" ومحاولة بعضهم إعادة تعويم نفسه.
وحسب الربيع، فإن باسيل يعتبر أن الحريري نجح بفرض نفسه على فرنسا، وأصبح ابن المبادرة ثم نجح في فرض الفيتو على باسيل، الذي وجد في عرقلة تشكيل الحكومة ردّه الصاع صاعين للحريري، بمنعه من تشكيل الحكومة، ويختم بالقول: لقد أخطأت باريس في وضعها نفسها وسط مثل هذه المبارزة على الطريقة اللبنانية.