مع بدء زيارة الوفد التركي للعاصمة المصرية القاهرة، أعلن متحدث حزب "العدالة والتنمية" التركي، عمر جليك، الإثنين 3 مايو/أيار 2021، أن بلاده تعمل على تشكيل آليات جديدة لبحث قضاياها مع مصر.
حيث أفاد جليك، في تصريحات صحفية أدلى بها، أن زيارة الوفد التركي، الذي يترأسه نائب وزير الخارجية، إلى القاهرة تأتي في هذا الإطار.
كما أكد المتحدث ذاته ضرورة تباحث الطرفين بشأن قضايا أمنية إقليمية، على رأسها مسائل البحر المتوسط، بالإضافة إلى مواضيع أخرى مثل اتفاقيات التنقيب عن الغاز في المتوسط، مشيراً إلى أن الزيارة تهدف إلى تطوير آلية الحوار بين مصر وتركيا بشكل فاعل أكثر في المرحلة المقبلة سواء على صعيد البحر المتوسط أو العلاقات الثنائية.
يأتي ذلك بينما تشهد العلاقات بين مصر وتركيا تقارباً ملحوظاً بدأت مؤشراته أيضاً منذ مطلع العام الجاري، حيث عبرت أنقرة عن رغبتها في "تطبيع" العلاقات مع مصر عقب سنوات من القطيعة، وهي الرغبة التي من المنتظر أن تتحول إلى واقع بزيارة الوفد التركي لمصر.
تركيا تريد تحسين العلاقات الاقتصادية مع مصر
في وقت سابق من يوم الإثنين، صرّح وزير التجارة التركي، محمد موش، بأن أنقرة تريد تحسين علاقاتها الاقتصادية مع مصر، وذلك في الوقت الذي تعمل فيه على إصلاح العلاقات الدبلوماسية بين القوتين الإقليميتين.
حيث قال موش، في مناسبة لإعلان أرقام تجارية شهرية بأنقرة: "بالتوازي مع تطور العلاقات الدبلوماسية مع مصر، نريد تعزيز علاقاتنا التجارية والاقتصادية في الفترة المقبلة".
زيارة وفد تركي لمصر
إلى ذلك، توجه وفد تركي إلى القاهرة، في أول زيارة رسمية منذ ثماني سنوات، وفقاً لما نشرته وسائل إعلام تركية.
حيث ذكرت صحيفة "خبر ترك" المحلية أن وفداً تركيّاً يرأسه سيدات أونال نائب وزير الخارجية التركي، توجه بالفعل إلى القاهرة.
كان كبير مستشاري الرئيس التركي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية التركية، إبراهيم كالن، قد أعلن قبل أيام، أن المحادثات التي ستُجرى بين تركيا ومصر، الأسبوع الجاري، يمكن أن تسفر عن تعاون متجدد بين القوتين الإقليميتين المتباعدتين، وتساعد في الجهود المبذولة لإنهاء الحرب بليبيا.
فقد أوضح كالن، في مقابلة مع وكالة رويترز، أن هناك اتصالات بين رؤساء أجهزة المخابرات ووزيري خارجية البلدين، وأن بعثة دبلوماسية تركية ستزور مصر أوائل مايو/أيار المقبل، لبحث الأمن في ليبيا، وبقاء الجيش التركي هناك، مضيفاً: "بالنظر إلى الحقائق على أرض الواقع، أعتقد أن من مصلحة البلدين والمنطقة تطبيع العلاقات مع مصر".
كما أشار المسؤول ذاته إلى أن "التقارب مع مصر سيساعد بالتأكيد الوضع الأمني في ليبيا، لأننا نعي تماماً أن لمصر حدوداً طويلة مع ليبيا، وقد يشكل ذلك في بعض الأحيان تهديداً أمنياً لمصر"، مشدّداً على أن تحسين العلاقات مع القاهرة قد يعزز جهود السلام في ليبيا.
بدء مرحلة جديدة
يشار إلى أنه في 14 إبريل/نيسان الماضي، أعلن وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو، بدء مرحلة جديدة في العلاقات بين تركيا ومصر، منوهاً إلى أن لقاءً سيعقد على مستوى نواب وزيري الخارجية البلدين خلال الأسبوع الأول من مايو/أيار الجاري.
فضلاً عن ذلك، أوضح في مقابلة تلفزيونية على قناة "خبر تورك" التركية، أنه سيلتقي لاحقاً نظيره المصري سامح شكري، ويبحث معه تعيين السفراء وسبل الارتقاء بالعلاقات إلى نقطة أفضل في المستقبل، مستدركا بأن جماعة الإخوان المسلمين تعد حركة سياسية تسعى للوصول إلى السلطة عبر الانتخابات، ولا يمكن تصنيفها كـ"منظمة إرهابية".
رفع الحظر التركي عن مصر داخل الناتو
في هذا الإطار، كشف موقع Middle East Eye البريطاني، الجمعة 30 أبريل/نيسان 2021، أن تركيا رفعت الحظر الذي فرضته على أنشطة الشراكة المصرية مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، العام الماضي.
مصدر موقع Middle East Eye البريطاني قال إن تركيا رفعت حظرها على مشاركة مصر، لتمكينها من تطوير شراكة مع حلف الناتو، مشدّداً على أن أنقرة تدعم تقدُّم القاهرة في شراكتها مع الناتو في إطار الحوار المتوسطي (منتدى لدول الناتو ودول البحر المتوسط)، وتدعم مشاركة مصر في جميع الأنشطة ضمن هذا الإطار.
فيما قال مسؤول في الناتو، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الحوار المتوسطي، الذي يضم مصر وإسرائيل والمغرب وتونس، لا يزال نشطاً. (لم يخضع موقعه على الإنترنت للتحديث منذ فبراير/شباط عام 2019)، منوهاً إلى أن الحلف أقر مؤخراً برنامج تعاون شراكة فردياً جديداً مع مصر لربط الأولويات الأمنية المصرية بمصالح الناتو الأمنية في المنطقة.
بينما أوضح المسؤول: "الناتو يجري حواراً سياسياً مع مصر ويتعاون معها منذ فترة طويلة. وقد وُضع هذا البرنامج لتطوير الحوار السياسي والتعاون العملي بين التحالف وشركائه في دول البحر المتوسط".
من جهته، قال أحد المسؤولين الأتراك المطلعين، إن هذه البرامج عادةً ما تكون طريقة ممتازة لتزويد البلدان الشريكة بتدريبات عسكرية وتقنية، بمستوى تدريبات الناتو، تعد ذات قيمة كبيرة للدول التي ليست عضوة في الحلف.
تقارب بعد سنوات من القطيعة
التقارب التركي-المصري تجسد بشكل عملي في واحد من أبرز ملفات الخلاف بين القاهرة وأنقرة، وهو الملف الليبي والصراع هناك، حيث كانت تركيا تدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، بينما كانت مصر تدعم خليفة حفتر زعيم ميليشيات شرق ليبيا، والآن أصبح واضحاً أن مصر وتركيا تدعمان المسار السياسي الحالي هناك.
إذ تكررت زيارات رئيس حكومة الوحدة الليبية عبدالحميد الدبيبة للقاهرة وأنقرة، في ظل دعم واضح من البلدين للمسار السياسي هناك، وهو ما كان بعيداً عن التصور قبل أشهر قليلة، لكن هذا ليس المؤشر الوحيد على التقارب بين مصر وتركيا.
جدير بالذكر أنه خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن وزير الخارجية التركي أن بلاده ومصر "تسعيان لتحديد خارطة طريق بشأن علاقاتهما الثنائية".
وانطلاقاً من الموقف التركي الرافض للانقلابات باعتبارها خياراً غير ديمقراطي، عارضت أنقرة الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، أول رئيس مصري مدني منتخب عام 2013، ما أدى إلى تدهور العلاقات بين البلدين، لكن العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما استمرت بشكل طبيعي، إلا أن خلافات استجدت بينهما خلال الفترة الأخيرة بسبب الحدود والموارد البحرية، فضلاً عن خلافات في ليبيا، حيث يدعم كل منهما طرفاً مختلفاً في الصراع الدائر هناك.