كشفت مصادر رسمية لـ"عربي بوست"، أن الرباط تسعى للبحث عن دعمٍ شبيه بالموقف الأمريكي في قضية الصحراء داخل الدول الأوروبية، وتحديداً أقرب شركائها، على رأسهم فرنسا.
تفيد المصادر ذاتها أن المغرب مستفيد حالياً من موقف فرنسا المؤيد لمقترح الحكم الذاتي، لكنه يريد الانتقال إلى تعزيز الحضور الفرنسي في الصحراء، بما يعزز حركة الاعترافات الدولية بسيادة المغرب على الصحراء.
سعي المغرب إلى انتزاع اعترافٍ فرنسي ظهرت أولى نتائجه بإعلان حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الجمهورية إلى الأمام) عن فتح فرع له في مدينتي أكادير، والداخلة في الصحراء.
وفي خطوة متقدمة كشفت مصادر "عربي بوست" أن المغرب يتجه إلى عقد قمة مع فرنسا بداية الصيف المقبل في مدينة الداخلة، هذه القمة لن يحضرها الرئيس ماكرون، لكن ستمثله شخصيات كبيرة في البرلمان الفرنسي، على رأسهم البرلماني من أصول مغربية عبدالمجيد غراب.
وسجلت المصادر أن اللقاء المقرر عقده، في يونيو/حزيران 2021، سيكون أيضاً مناسبة لتقديم المنطقة لعدد من رجال الأعمال والمستثمرين الفرنسيين.
وأكدت المصادر ذاتها أن اللقاء المنتظر بين رجال أعمال مغاربة وفرنسيين في مدينة الداخلة، سيكون على خلفية انطلاق أول رحلة تربط العاصمة الفرنسية باريس بالداخلة، ثاني أكبر مدينة في إقليم الصحراء المتنازع عليها.
وشاركت فرنسا في المؤتمر الوزاري، الذي نظم في يناير/كانون الثاني 2021، بشراكة مغربية أمريكية لدعم مبادرة الحكم الذاتي، وقد كانت فرنسا الدولة الأوروبية الوحيدة المشاركة في المؤتمر الذي عرف مشاركة نحو 40 بلداً.
غنائم اقتصادية لفرنسا
كشف الموقع الفرنسي "أفريك أنتليجنس"، أن الشركة الفرنسية للهندسة المدنية "إيفاج" تستعد لتوقيع اتفاقية مع المغرب لبناء ميناء الداخلة الأطلسي.
جاء ذلك في مقال نشره الموقع، الذي يوصف على نطاق واسع بكونه مرتبطاً بالمخابرات الفرنسية، الخميس 29 أبريل/نيسان 2021.
وتحدث "أفريكا أنتليجنس"، عن انتقال المسؤولين في الشركة إلى مدينة الداخلة في الرحلة المقررة في شهر يونيو/حزيران 2021، كما أن منتدى الأعمال المغربي الفرنسي سيتم تحت إشراف مشترك بين الغرفة الفرنسية للصناعة والتجارة من جهة، والاتحاد العام للمقاولات بالمغرب من جهة ثانية.
وأعلن الموقع عن انتقال ممثلي شركة الهندسة المدنية "إيفاج" رفقة العديد من المسؤولين الفرنسيين المنتخبين، في أول رحلة للشركة المغربية للطيران من باريس إلى مدينة الداخلة.
وتبلغ قيمة مشروع بناء الميناء أكثر من 10 مليارات درهم (932 مليون يورو)، وبتوقيع الشركة الفرنسية عقد بناء ميناء الداخلة تنضم مجموعة الشركات الفرنسية إلى جانب كل من شركة "سيجيلك" المختصة للهندسة التقنية والخدمات الإلكترونية، وشركة "بويغ" المختصة في البناء، والتي تعمل على توسيع مطار الداخلة.
ساعات بعد ذلك أعلنت جريدة "Aujourd'hui Le Maroc" في عددها الصادر الجمعة، 30 أبريل/نيسان 2021، أن مجموعة SGTM -Somagec Sud الفرنسية فازت بالمناقصة التي نشرتها مديرية الموانئ والملك العام البحري، كهيئة متعاقدة لبناء المنطقة الأطلسية الجديدة لميناء مدينة الداخلة.
تعاون سياسي
جدّد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان دعم باريس لمخطط الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب لحل نزاع الصحراء، وذلك خلال مباحثات بتقنية الفيديو جمعته يوم الخميس 8 أبريل/نيسان 2021، بنظيره المغربي ناصر بوريطة.
وجددت فرنسا عن طريق وزير خارجيتها دعمَها للجهود الجادة وذات المصداقية، التي يبذلها المغرب كداعم للسلام والاستقرار وكقطب للتنمية والنمو.
من جانب آخر، كان حزب "الجمهورية إلى الأمام"، قد أعلن في 9 أبريل/نيسان الماضي، فتح فرعين بالمغرب، الأول في مدينة الداخلة التي تعتبر ثاني أكبر مدن الصحراء، والآخر بمدينة أكادير جنوب غربي المملكة.
وجاء الإعلان في بيان رسمي صدر عن المتحدثة باسم فريق الحزب في البرلمان الفرنسي، رئيسة مجموعة الصداقة الفرنسية المغربية، ماري كريستين فيردير جوكلاس.
ابتزاز تاريخي
التطورات الأخيرة بين باريس والرباط قرأها أحمد نور الدين، المحلل السياسي والمختص في ملف الصحراء، أنها امتدادٌ للموقف الثابت للدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن، التي تُزاوج بين التلويح بالدفاع عن الشرعية الدولية وبين العمل على تطويع هذه الشرعية لخدمة مصالحها الاستراتيجية في العالم.
وقال أحمد نور الدين في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "فرنسا تتبنى خطاً سياسياً قائماً على الدعم الممزوج بالابتزاز، وإن المحطة الوحيدة التي كانت فيها فرنسا داعمة للمغرب كانت خلال مرحلة الرئيس الراحل جاك شيراك، الذي سمى الصحراء بالأقاليم الجنوبية للمغرب".
وتابع نور الدين، أن "من ثوابت السياسة الفرنسية الدعم المشروط بالحصول على عوائد سياسية، واقتصادية، واستراتيجية، تشمل صفقات السلاح، والتعاون الأمني، والمخابراتي، ففرنسا تمارس الابتزاز من خلال هذه الطريقة من الدعم".
وشدَّد المتحدث على أن "الصحراء تحولت إلى ورقة ضغط فرنسية على المغرب، زاد من أهميتها دخول الجزائر على الخط، ومعلوم أن الجزائر تتعامل مع الصحراء كقضية تصفية استعمار، وتحتضن جبهة البوليساريو على أراضيها، وتقدم دعماً غير محدودٍ لمشروع الانفصال عن المغرب".
وسجل المحلل السياسي أنه بالرغم من كل هذا يجب أن نسجل أن العلاقات المغربية الفرنسية علاقات متشابكة، تشمل تقديم فرنسا هدايا للمغرب من قبيل قمري محمد السادس المخصصين للأغراض التجسسية والعسكرية، كما أنها تعد الشريك الاقتصادي الأكبر في المغرب.