غيّب الموت، مساء الإثنين 26 أبريل/نيسان 2021، الشيخ حافظ سلامة، قائد المقاومة الشعبية بمحافظة السويس (شمال شرق) إبان الاحتلال الإسرائيلي، عن عمر ناهز 96 عاماً، وذلك إثر تدهور حالته الصحية، عقب تعرضه لوعكة صحية في أول أيام شهر رمضان أُدخل على أثرها مستشفى الدمرداش بالعاصمة المصرية القاهرة حيث توفي فيه.
فيما أفادت وسائل إعلام مصرية بأنه من المقرر أن تُشيع الجنازة، اليوم الثلاثاء، عقب صلاة الظهر بالمسجد الكبير في مدينة السلام بالسويس، وسيتم دفنه بمقابر السويس الجديدة.
كانت التقارير الطبية قد أثبتت إصابة سلامة بجلطة في القلب، نتيجة مشاكل في القلب والجهاز التنفسي، وليس فيروس كورونا المستجد كما أشيع حينها.
حاول أطباء المستشفى معالجة سلامة وتقديم الرعاية الصحية المناسبة له على مدار الأيام، حتى فاضت روحه إلى بارئها.
عقب إعلان نبأ الوفاة، خيّم الحزن على أهله ومحبيه، ونعاه كثير من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، والذين قاموا بنشر صوره، وتقديم العزاء لعائلته، مستشهدين ببعض مواقفه التي وصفوها بالباسلة.
كان يمارس حياته الطبيعية حتى قبل وفاته بأسابيع بالذهاب إلى مسجد الشهداء بالسويس التي قال إنه يعشقها، ولا يفارقها إلا نادراً، ليؤدي الصلوات سيراً على الأقدام.
من هو "الأب الروحي لمقاومة السويس"؟
وُلد سلامة، الذي يوصف بـ"شيخ المجاهدين" و"الأب الروحي لمقاومة السويس"، بالسويس في 6 ديسمبر/كانون الأول 1925، أثناء الاحتلال الإنجليزي لمصر.
بدأ تعليمه بكُتاب الحي ثم التعليم الابتدائي الأزهري، وأخذ في تثقيف نفسه بالعلوم الشرعية والثقافة العامة، ودرس العديد من العلوم الدينية ثم عمل في الأزهر واعظاً، حتى أصبح مستشاراً لشيخ الأزهر لشؤون المعاهد الأزهرية حتى 1978، ثم أحيل إلى التقاعد، حتى إنه لم يتزوج؛ ليتفرغ للعبادة والمدرسة الخاصة به التي يمتلكها.
المحطة الأهم في حياته
انتسب سلامة للعمل الخيري مبكراً، وشارك في العديد من الجمعيات الخيرية بالسويس، وكان له دور اجتماعي وسياسي ونضالي بارز، حيث ساهم في دعم المقاومة والمشاركة في العمليات الفدائية والتعبئة العامة للفدائيين، خاصة مع بلوغه 19عاماً، وكان يوفر مبالغ مالية من مصروفه الشخصي يمنحها لرجال المقاومة.
بعد ذلك، قاد سلامة "مهمة تنظيم الكفاح الشعبي المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي في حرب الاستنزاف (يوليو/تموز 1967-أغسطس/آب 1970)"، وكانت تلك المحطة هي الأهم في حياته.
من أبرز أدوار سلامة، حسب ما نقلته صحيفة "أخبار اليوم"، المملوكة للدولة، دوره في قيادة "المقاومة الشعبية بمصر خاصة في عدم استسلام مدينة السويس الباسلة في حرب أكتوبر 1973، وصمود المدينة أمام الحصار".
حينها كان يجتمع بالفدائيين، ويوزع عليهم المهام التي كانوا يقومون بها إلى أن تمكنت المقاومة الشعبية من منع العدو الإسرائيلي من احتلال محافظة السويس، وفقاً لتصريحات سابقة له.
عن هذا الدور "البطولي"، يتحدث سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقت الحرب، قائلاً: "إن الشيخ حافظ سلامة، إمام وخطيب مسجد الشهداء، اختارته الأقدار ليؤدي دوراً رئيسياً خلال الفترة من 23-28 أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، عندما نجحت قوات المقاومة الشعبية بالتعاون مع عناصر من القوات المسلحة، في صد هجمات العدو الإسرائيلي، وإفشال خططه من أجل احتلال المدينة الباسلة".
يشار إلى أن مصر تحتفل سنوياً بذكرى الانتصار على إسرائيل في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، والتي خاضتها لتحرير أرضها المحتلة.
أول اعتقال
كان أول اعتقال له في يناير/كانون الثاني عام 1950، وذلك على أثر مقال كتبه في جريدة "النذير" انتقد فيه نساء الهلال الأحمر بسبب ارتدائهن أزياء اعتبرها مخالفة للزي الشرعي. وبعد قيام ثورة 23 يوليو/تموز 1952، أصدر جمال عبدالناصر قراراً يقضي بحل جمعية شباب محمد، التي كان قد أسسها سلامة مع منشقين عن جماعة الإخوان، وإغلاق صحفها على خلفية مقالات تهاجم العلاقات السوفييتية-المصرية.
فيما رأى سلامة ثورة يوليو/تموز 1952 انقلاباً عسكرياً، معتبراً إياها من أهم أسباب الأزمات التي تعانيها مصر والأمة العربية إلى الآن. ولعل هذا الموقف هو أحد أسباب ما عاناه من كبت للحريات في العهد الناصري ومن بعده عهد السادات.
ظل الشيخ سلامة في السجن حتى نهاية 1967 بعد حدوث النكسة، عقب الإفراج عنه اتجه إلى مسجد الشهداء بالسويس، وأنشأ جمعية الهداية الإسلامية، وهي الجمعية التي اضطلعت بمهمة تنظيم الكفاح الشعبي المسلح ضد إسرائيل في حرب الاستنزاف منذ عام 1967 وحتى عام 1973.
عقب ذلك، ظل سلامة يلعب دوراً "إيجابياً" في مجتمعه من الناحية الدعوية والاجتماعية، وأيضاً السياسية؛ فقد رفض زيارة الرئيس الراحل أنور السادات للقدس عام 1977، وعارض معاهدة كامب ديفيد عام 1979، مما جعل السادات يضعه على رأس قائمة اعتقالات سبتمبر/أيلول 1981م، وقد أفرج عنه بعد اغتيال السادات.
سلامة ينضم لثوار يناير
لم يتردد سلامة في الانضمام للمتظاهرين عقب اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وطالب بضرورة تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن الحكم، وأصدر بياناً يناشد فيه الجيش المصري التدخل الفوري لإنقاذ مصر. كما شارك بقيادة وتنظيم مجموعات الدفاع الشعبي عن الأحياء السكنية في مدينة السويس ضد عمليات السلب والنهب التي انتشرت بسبب الفراغ الأمني أثناء الاحتجاجات.
فضلاً عن ذلك، شارك سلامة في جمعة الزحف بمنطقة العباسية في القاهرة، يوم 4 مايو/أيار 2012؛ من أجل التضامن مع مطالب القصاص لضحايا العباسية الذين قُتلوا على أيدى "البلطجية"، وكان موجوداً داخل مسجد النور الشهير عندما فض الجيش الاعتصام.
مشاركته في الثورات العربية
لم يتوقف نضال سلامة على القضايا المصرية، فقد أعلن دعمه وتبنّيه للانتفاضات العربية، والقضية الفلسطينية.
في هذا الإطار، سافر خلال مارس/آذار 2011، إلى ليبيا لدعم الثوار ضد "القذافي"، مصطحباً معه خمسين طناً من المواد الغذائية، ومساعدات طبية وأدوية، كما اصطحب 14 متطوعاً؛ لمساعدته في توزيع المساعدات.
كذلك، سافر إلى سوريا للمشاركة في ثورة سوريا والشد علي أيدي الثوار.
كما أعلن عزمه على المشاركة في فعاليات الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، بعدما تجمَّع عدد كبير من الشباب أمام مسجد الشهداء بالسويس؛ لمطالبته بأن يقود قافلة الحرية المصرية للأراضي الفلسطينية.