استغلت السلطات في الصين جائحة فيروس كورونا لتوسيع نطاق الرقابة والقهر والسيطرة التي تمارسها أجهزة الدولة على المواطنين، من خلال ما يُسمى "أنظمة الرصيد الاجتماعي"، التي بسببها قد تُفرض عقوبات قاسية على المخالفين.
صحيفة The Times البريطانية، قالت الأحد 25 أبريل/نيسان 2021، إن موظفين صينيين متحمسين لتنفيذ الأوامر، استغلوا جائحة كورونا لإطلاق العنان لوابلٍ من العقوبات، على تجاوزات لم تكد قواعدها تستقر بعد، وعمدوا إلى استغلال "أنظمة الرصيد الاجتماعي" الشاملة، لفرض سيطرتها الكاملة على البلاد.
كُشف عن "أنظمة الرصيد الاجتماعي" لأول مرة في وقت مبكر من هذا القرن، كوسيلة تقييم تستخدم لتعزيز الثقة في السوق، لكن دور هذه الأنظمة ما انفك يتوسع تحت إشراف النظام الصيني، وقبل حتى حلول جائحة كورونا.
أصبحت هذه الأنظمة "أداة قوية ليس فقط لفرض القوانين واللوائح، ولكن لتشكيل السلوك العام"، بحسب آدم نايت، وهو خبير بريطاني في أنظمة الرصيد الاجتماعي بجامعة ليدن في هولندا.
الآن، باتت تلك الأنظمة تنشر نقاط المكافآت والعقوبات، وتعمد إلى التشهير العلني للتلاعب وإجبار السكان على سلوكيات مطواعة، في دولةٍ لطالما عُدَّت إحدى أشد دول المراقبة في العالم صرامة.
الأنظمة أصبحت أشد في الوباء
يقول نايت في دراسة أشرف على إعدادها وتضج بالتوثيقات، إن المسؤولين عن أنظمة الرصيد الاجتماعي في المقاطعات والمدن، استخدموا حالة الطوارئ الصحية العامة على إثر جائحة كورونا لتوسيع نطاق عمل النظام ونشر سيطرته.
على المنوال ذاته، يقول إيان ويليامز، مؤلف كتاب Every Breath You Take: China's New Tyranny، وهو كتاب جديد عن أنظمة الرقابة الحكومية، إن أنظمة الرصيد الاجتماعي "بلغت أشدَّها" خلال الوباء.
أشار ويليامز إلى أن جائحة كورونا أتاحت الظروف لـ"تجربة معملية مثالية" لمخططات تجريبية جديدة خارجة أي رقابة، تحت دعوى مواجهة الأزمة الصحية.
وتستخدم أنظمة الرصيد الاجتماعي، الإمكانات التكنولوجية وأدوات الجمع الضخمة للبيانات لتصنيف الأفراد والشركات في قوائم سوداء، أو لصاحب السلوك المرضي عنه، في "قوائم حمراء".
تعتمد بعض المقاطعات أيضاً على نظام تسجيل النقاط لتقييم ترتيب الفرد ودرجته في نظام الرصيد الاجتماعي، فعلى سبيل المثال، أي شخص لا يرتدي قناعاً في الأماكن العامة في مدينة رونغشينغ بواجه خصماً قدره 10 نقاط في درجة رصيده الاجتماعي، كما أن انتهاك قواعد العزل الصحي الذاتي تكلِّف المخالِف 50 نقطة.
كانت السلطات المحلية الصينية قد فرضت بعد تفشي وباء كورونا عقوبات عن طريق نظام الرصيد الاجتماعي، على أفعال مثل جمع إمدادات طبية زائدة على الحاجة، أو بيع سلع طبية مزيفة، وعدم ارتداء الأقنعة، وانتهاك قواعد الحجر الصحي، وتناول لحوم الحيوانات البرية.
وعوقِب أولئك الذين صُنِّفوا في القائمة السوداء بعقوبات شملت مجموعة متنوعة من الإجراءات، منها حظر شراء تذاكر الرحلات الجوية، وتذاكر السفر عبر القطارات عالية السرعة، وحجوزات الفنادق الفاخرة.
كما أن المواطنين من ذوي الدرجات الأدنى قد يصل الأمر معهم إلى المنع من الوظائف الحكومية، أما الشركات، فيمكن استبعادها من الإعانات المالية أو المشاركة في برامج المشتريات الحكومية.
مكافآت للملتزمين بالأوامر
يرصد نايت في دراسته أيضاً، أن مواطنين في عدة مناطق، مثل مدينة آنشان الصناعية التي يبلغ سكانها أكثر من 3.5 مليون نسمة وتقع في شمال شرق الصين، عُوقبوا بخصم نقاط لإخفائهم أعراض الإصابة بفيروس كورونا، أو التستر على تفاصيل رحلة سفرهم الأخيرة، أو تجنب العلاج الطبي أو التواصل مع آخرين يُشتبه بإصابتهم، وهكذا تُضاف المخالفات إلى ملف الرصيد الاجتماعي الخاص بالمخالِف.
وفي الوقت نفسه، يُكافأ صاحب السلوك المرضي عنه من الحزب الشيوعي الصيني، وتضمنت المكافآت جوائز نقدية بالإضافة إلى امتيازات أخرى مثل الوصول إلى ما يُعرف بـ"القناة الخضراء" البيروقراطية في المكاتب الحكومية لإنهاء الأوراق والإجراءات على نحو أسرع، وخصومات على فواتير الخدمات أو تيسير سبل الحصول على قروض مدعومة من الدولة، وفقاً لدراسة نايت.
ووفقاً لتقارير صينية صدرت العام الماضي، يُعتقد أن ما لا يقل عن 23 مليون شخص تلقوا عقوبات من محكمة الشعب العليا، التي تدير القائمة السوداء الأشمل التي تصدرها أكثر من 40 وزارة ودائرة حكومية.
يلفت نايت إلى أن بكين لطالما أرادت فرض إطار عمل على مستوى الدولة لتعزيز برنامج "المعلوماتية"، وبسط قبضتها على التكنولوجيا الرقمية لتقوية أدوات السيطرة الخاصة بالدولة.
وقد يقدَّم "قانون الرصيد الاجتماعي" الجديد قبل نهاية هذا العام لإنشاء معيار قانوني على مستوى البلاد لسبل تنفيذه.
يقول ويليامز، الخبير في الأمن السيبراني الصيني: "لقد أتاحت الجائحة للصين نشرَ القوة الكاملة لدولة المراقبة، والاستفادة من البيانات حول الحركة والسلوك العام، جنباً إلى جنب مع العقوبات القاسية تجاه أولئك الذي قاوموا الحجر الصحي بعد كشفهم عن طريق الخوارزميات الرقمية".
يشير ويليامز إلى أن عناصر تصنيف "الرصيد الاجتماعي" تتضمن تحليلات دقيقة لسلوك الشخص عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع، والحركة، ومراقبة التفاعلات الاجتماعية مع غيره".