"يا بخت من كان النقيب خاله" واحدة من الأقوال الحكيمة التي تناقلها المصريون منذ قديم الأزل، وتعني أن أي شخص يكون محظوظاً إذا ما كان يملك علاقة مع مسؤول في السلطة ويحظى بدعمه، هذه الحكمة تنطبق في الوقت الحالي على من يكون له نصيب في الانضمام لما يعرف بـ"تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين" على الرغم من أنه لم يمر على تدشينها سوى ثلاث سنوات.
هذه الحظوة التي يتمتع بها أعضاء تنسيقية شباب الأحزاب أثارت الكثير من التساؤلات عن حقيقة هؤلاء الشباب المنتمين إليها والهدف من تأسيسها، وآليات اتخاذ القرار داخلها والجهة التي تقف خلف هذا الكيان وأبعاد صعوده بشكل سريع ليصبح على رأس الحياة السياسية، وما هي مقومات كوادره التي أضحى لها حضور قوي على الساحة؟ ولماذا أصبح الانضمام إليها أملاً يراود الكثير من الشباب المصري؟
شيماء عبدالإله المتحدثة باسم التنسيقية أوضحت أنها منصة حوارية يمثل فيها 25 حزباً سياسياً (مؤيداً ومعارضاً)، ونحو 11 من شباب السياسيين، وترفع شعار "تحيا مصر".
التنسيقية بحسب المعلومات المتداولة عنها ليس لها مدير وإنما ثلاثة أمناء سر هم: عمرو يونس، عضو مجلس النواب عن "القائمة الوطنية"، وسها سعيد، عضو مجلس الشيوخ عن "القائمة الوطنية" أيضاً، ومعهما صابرين حجازي من حزب الأحرار الدستوريين والثلاثة هم المسؤولون عن التنسيق مع أجهزة الدولة والمسؤول الأمني بشأن قائمة أعمالها، وإضافة الأعضاء الجدد والدعوة للاجتماعات.
الهدف من التنسيقية هو خدمة الوطن والالتفاف حوله عن طريق الحوار الذى يتم تطويره وتنمية الحياة السياسية من خلال المشاركة فى مؤتمرات الشباب والوقوف على توصياتها والتأكيد على وجود شباب مثقف سياسياً للفت انتباه القيادة السياسية لتستمع لهؤلاء الشباب.
باحث سياسي بأحد مراكز الدراسات الحكومية أكد لـ"عربي بوست" أن هناك توجيهات للتوسع في الاعتماد على الكوادر والتشكيلات السياسية البديلة للأحزاب وترشيح أعضائها للمناصب التنفيذية، أو لمقاعد مجلسي الشيوخ والبرلمان مؤكداً أن التنسيقية تابعة بشكل غير مباشر لمدير المخابرات المصرية.
يشير الباحث أن أعضاء من التنسيقية التي تدعم النظام الحاكِم أكدوا له خلال لقاءات جمعته بهم أنها كيان مؤسسي بها لائحة تحكمها ونظام عمل توافقي وليست جمعية ولا مؤسسة على قانون مستقل والمعلن أنها غير مسيّسة وليست محسوبة على أي جهة أو حزب، لكنها تستمد قوتها الشرعية والقانونية من عضوية الأحزاب المشاركة فيها.
وصرح أعضاؤها مع اقتراب الذكرى الثانية لتأسيسها في ندوة بجريدة "الأهرام" الحكومية أنها "ليست بديلاً للأحزاب وإنما تسعى لتقوية الحياة السياسية فى مصر وأنها لن يكون لها مرشحون فى انتخابات النواب أو الشيوخ ولن تدعم مرشحين أو قوائم".
لكن الواقع منذ تدشين هذا الكيان في يونيو/حزيران من عام 2018 يدحض ما قاله هؤلاء الأعضاء الشباب، حيث أصبحت التنسيقية بوابة خلفية لتقلد المناصب، بعدما ترشح أعضاؤها على قوائم حزب "مستقبل وطن" الذي يتردد أنه الظهير السياسي للرئيس المصري وباتت التنسيقية بمثابة الظهير الشبابي للنظام الحاكم فكلاهما وجهان لعملة واحدة.
مدير مكتب رئيس المخابرات يشرف على أعضاء التنسيقية، والأمن الوطني يشارك في اختيار أعضائها
يوضح الباحث الذي رفض ذكر اسمه أن أعضاء التنسيقية ينقسمون إلى قسمين: سياسيون يتِم اختيارهم بشكل منظم بموافقة الأجهزة الأمنيّة وبعد التأكد من خلو سجلهم مما يتعارض مع توجهات النظام، وشباب يتم اختيارهم بعناية فائقة وشروط صارمة، ومن يتم الموافقة على انضمامه يلتحق بدورات تدريبية لتأهيله، ونجاحهم في الدورات شرط استكمال العضوية بـ"التنسيقية" ويشرف عليهم المقدم أحمد شعبان مدير مكتب اللواء عباس كامل مدير المخابرات العامة المصرية والمسؤول الأول عن ملف الإعلام، فضلاً عن أن جهاز الأمن الوطني له دور في اختيار الأعضاء من خلال حزب "مستقبل وطن" الذي يهيمن على الحياة الحزبية والسياسية في مصر.
من وجهة نظر الباحث فإن الدافع لوجود التنسيقية هو القلق من تمرد الشباب على الوضع الحالي خاصة أنهم كانوا أصحاب صوت مسموع منذ ثورة يناير 2011، ومن هنا كانت فكرة وجود جبهة شبابية تساند النظام وتدافع عن قراراته وتحسن صورته في الشارع المصري مقابل امتيازات يحصل عليها أعضاؤها كتقلد الوظائف والمراكز المرموقة لكن المشكلة أن أغلبهم دون خبرات سياسية أو مهنية تذكر.
ويشير إلى أن الحياة السياسية تعاني من أزمة في تفريغ الكوادر، والحكومات المتعاقبة تتعامل مع ذلك من خلال تبني مجموعات شبابية لديها مواصفات بعينها، تمكنها من خلق صورة لا تعبر عن الواقع، لكنها مناسبة للحالة التي تريد رسمها للحياة السياسية، وهو أمر أشبه بتجهيز كوادر إدارية وليست سياسية، لأن التنسيقية تضم في عضويتها أحزاباً متعارضة في الرؤى والتوجهات، ولا يمكنها القيام بالدور التنسيقي الذي ينبع من اسمها.
وتكرس تنسيقية شباب الأحزاب، وفقاً للمنظور الذي تعمل به، مقاربة براغماتية خاصة، ورغم وجود اختلافات أيديولوجية كبيرة بين أعضائها لكن البحث عن الظهور واقتناص الفرص لتقلد المناصب هو الطاغي على الخلافات، مما يضر بالحياة السياسية التي تسيطر عليها رؤى ضبابية.
الانضمام للتنسيقية بات باباً ملكياً لتقلد المناصب المهمة في الدولة وعضوية البرلمان.. والخبرة لا تهم!
بالرغم من أن التنسيقية لا يتجاوز عمرها الثلاث سَنَوات إلا أنها بات لها ممثلون في كل التشكيلات الحكومية رفيعة المستوى، من دون ظهور أي عمل أو نشاط لها على الأرض.
والآن أضحت ممثلة بـ43 نائباً في مجلسي الشيوخ والنواب، دون أن ينعكس ذلك بوضوح على طبيعة الممارسة السياسية للأحزاب في الواقع.
ومن خلال تتبع المراكز التي حصل عليها الأعضاء المنتمون لتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين رصد "عربي بوست" سبعة أعضاء من ممثلي تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين من إجمالي 100 عضو تم تعيينهم في مجلس الشيوخ بقرار من الرئيس عبدالفتاح السيسي وهم أكمل سامي نجاتي خطاب، محمد مجدي فريد محمد، علاء الدين مصطفى علي حسن، أحمد محمد السعيد قناوي، محمود تركي، سها سعيد، رامي جلال، كما حصلت التنسيقية على 5 مقاعد ضمن تحالف "القائمة الوطنية" من أجل مصر" الذي قاده حزب "مستقبل وطن" في ظل غياب شبه تام للمنافسة وهم: محمد عزمي عن حزب الحركة الوطنية المصرية ومحمد عمارة عن حزب الشعب الجمهوري ومحمود فيصل عن حزب حماة الوطن وعمرو عزت عن حزب التجمع ومحمد السباعي عن حزب مصر الحديثة.
فضلاً عن ذلك فقد حصدت 31 مقعداً في مجلس النواب، 28 منهم ضمن القائمة الوطنية الذي قاده حزب "مستقبل وطن" الذي يهيمن على المشهد السياسي في مصر ويتعامل على أنه حزب السلطة، وثلاثة عينوا من الرئيس مباشرة وهم : عماد خليل، آية مدني، هدى عبدالستار ليكون إجمالي المنتمين منهم لعضوية البرلمان بغرفتيه سواء بالتعيين من رئاسة الجمهورية أو بالانتخاب 43 عضواً.
لم يتوقف الأمر عند ذلك حيث تفاجأ الوسط الصحفي باقتحام أعضاء التنسيقية عضوية الجمعيات العمومية لعدد من الصحف القومية، وقامت الهيئة الوطنية للصحافة في منتصف شهر مارس/آذار الماضي باختيار سبعة منهم أعضاء فى تلك الجمعيات ففي مؤسسة الأهرام اختيرت حنان وجدي عبدالمنعم خالد، وفي مؤسسة أخبار اليوم، جرى اختيار مصطفى محمد محمود مسلم. وفي مؤسسة دار التحرير اختير محمد عبد الراضي لبيب علي السيد، وفي مؤسسة روز اليوسف، اختير أحمد صفوت علي مبارك، وفي مؤسسة دار الهلال اختير محمد السيد محمد محمد سالم، وفي وكالة أنباء الشرق الأوسط، اختيرت هدى عبدالرؤوف عبدالرحمن علي، وفي مؤسسة دار المعارف، اختير أحمد فتحي أحمد محمد.
إضافة إلى ذلك أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قرارات التشكيل الكامل للجانه المختلفة، وضم التشكيل أربعة من أعضاء التنسيقية غير المعروفين في الوسط الإعلامي، ويفتقرون للخبرة المفترضة، وهم: المتحدثة باسم التنسيقية شيماء عبدالإله، عضواً في لجنة تراخيص المواقع الإلكترونية، وأحمد عبدالصمد عضواً في لجنة بحوث الرأي والمشاهدة، وأحمد مقلد عضواً في لجنة المصنفات وحماية حقوق الملكية الفكرية، ونشوى الديب عضواً في لجنة تراخيص الوسائل الإعلامية.
أحد الأعضاء المنتمين لحزب حماة وطن أوضح أن اختيار أعضاء من تنسيقية الشباب ليس جديداً على الشارع المصري فبعد أقل من عام ونصف من تدشين وجودها في 2018 في الساحة السياسية، اختير ستة من أعضائها نواباً للمحافظين، كمحاولة للحشد الشعبي بما أطلق عليه "تمكين الشباب" حيث أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في 27 نوفمبر 2019 قراراً جمهورياً بتعيين 16 محافظاً و23 نائباً، وقتذاك أعلنت التنسيقية اختيار ستة من أعضائها نواباً للمحافظين هم: عمرو عثمان نائباً لمحافظ بورسعيد، حازم عمر نائباً لمحافظ قنا، هيثم الشيخ نائباً لمحافظ الدقهلية، بلال حبش نائباً لمحافظ بني سويف، محمد موسى نائباً لمحافظ المنوفية، إبراهيم الشهابي نائباً لمحافظ الجيزة.
كما أقر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في تصريحات نشرتها جريدة الوطن المصرية "أن الفترة المقبلة ستشهد الدفع بمزيد من الشباب في كل المجالات، وأن تعيينهم نواباً للمحافظين سيتيح على الأقل توافر من 15 إلى 20 محافظاً مؤهلاً في بضع سنوات، تكون أعمارهم أقل من 40 عاماً".
كشف العضو لـ"عربي بوست" أن هذا القرار كان بداية حقيقية للتنسيقية قائلاً "تضاعف أعداد المنضمين إلى الكيان إلى أربعة أضعاف بعدما كانوا أقل من ثمانين عضواً".
وأصبح الانضمام لـ"التنسيقية" لا تحكمه معايير واضحة، فبدأ الأمر بانضمام ممثلين للأحزاب السياسية ومجموعة من الشباب المهتمين بالسياسة، ثم أصبحت العضوية لموظفين وصحفيين مقربين من الأجهزة الأمنية.
ويشير المصدر إلى أن من يريد المنصب السياسي يستطيع العبور إليه من بوابة التنسيقية مشيراً إلى أنه في 30 يونيو/حزيران الماضي انضم إليها من حركة تمرد كل من محمود بدر مؤسس الحركة ومحمد عبدالعزيز فضلاً عن طارق الخولي، أمين عام حزب مستقبل وطن وهناك أميرة العادلي، الصحفية بجريدة الأهرام ولها علاقات أمنية، ومي كرم جبر ابنة رئيس المجلس الأعلى للإعلام وغيرهم ممن انضموا لـ"التنسيقية" ومن بعدها لبرلمان 2020.
اللافت كما قال العضو أن المنضمين للتنسيقية لديهم جواز للمرور ليس فقط للمناصب ولكن من المضايقات الأمنية ورغم غياب السند القانوني لتشكيل هذا التنظيم، فلا هو حزب سياسي ولا جمعية تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، فإنه حر طليق في ممارسة أنشطته السياسية والدعائية، الداعمة شكلاً ومضموناً لتوجهات النظام.
تنسيقية شباب الأحزاب ظهرت استجابة لطلب من السيسي لخلق كيان سياسي شبابي داعم لنظامه
باحث اقتصادي كان من الأعضاء البارزين بحملة حمدين صباحي في انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2014 قال لـ"عربي بوست" إن فكرة تدشين التنسيقية ليست جديدة كما يعتقد البعض لكنها بدأت منذ أن كان المشير عبدالفتاح السيسي مرشحاً لرئاسة الجمهورية حيث طالب الأحزاب السياسية من خلال صفحته على الفيسبوك بالاندماج، ومع توليه مقاليد الحكم في 2014 لم يكن له ظهير سياسي حزبي على غرار الإخوان مع الرئيس محمد مرسي والحزب الوطني الديمقراطي الداعم الأساسي للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك أو حزب مصر الداعم للرئيس أنور السادات ومن قبله الاتحاد الاشتراكي الذي تأسس في عهد الرئيس جمال عبدالناصر.
لذلك باتت المهمة الأبرز هي البحث عن ظهير سياسي قوي، وهنا ظهر "حزب مستقبل وطن" ورغم نجاح الحزب في السيطرة على الساحة السياسيَّة إلا أنه كان يثير علامات استفهام في الشارع المصري، خاصة أن معظم كوادره من رموز حزب مبارك المنحل، وهو ما أثار التخوفات من عجزه عن زيادة شعبية الرئيس، ومن هنا جاءت الفكرة لوجود بديل شبابي مضمون ولاؤه ويمكن اللجوء إليه وقت الأزمات.
الأمر الذي يفسر دعوة الرئيس المصري الأحزاب إلى تشكيل قائمة مشتركة موحدة، لخوض الانتخابات البرلمانية على مقاعد القوائم، ووعدهم بدعم تلك القائمة، ما تلاه فوز ائتلاف "دعم مصر" بثلثي مقاعد مجلس النواب عام 2016 (كان يضم وقتها سبعة أحزاب محسوبة جميعها على السلطة وأجهزتها الأمنية وهى أحزاب: مستقبل وطن، الوفد، المحافظين، المؤتمر، حماة الوطن، مصر الحديثة، الحرية).
وخلال المؤتمر الوطني الأول للشباب الذي انعقد في شرم الشيخ في 2016 تقدم مجموعة من الشباب بطلب إلى عباس كامل الذي كان وقتها مديراً لمكتب رئيس الجمهورية لتأسيس كيان يكون بمثابة منصة حوار بين الدولة والأحزاب لكن تم تجميد طلبهم للدراسة كما قال عضو بحزب الجيل لـ"عربي بوست".
ثم عاد الأمر إلى النور مجدداً بعدما جدد الرئيس السيسي في عام 2017 طلبه بتأسيس كيان سياسي شبابي، وذلك خلال لقائه مع ممثلي عدد من وسائل الإعلام الأجنبية والمصرية، على هامش منتدى شباب العالم حيث قال ما نصه "الأحزاب كثيرة ويجب أن ندعوهم للدمج من أجل زيادة قدراتهم".
وفي منتصف مايو/أيار 2018 خلال المؤتمر الخامس للشباب كانت بداية الانطلاق عندما أعطى القائمون على المؤتمر الفرصة لبعض الشباب لإدارة جلسة نقاشية في حضور الرئيس، وكان ذلك بمثابة إشارة للبدء في تأسيس التنسيقية.
وظهرت التنسيقية رسمياً على وجه الحياة السياسية في 12 يونيو/حزيران 2018، وطلبت الأجهزة الأمنية من الأحزاب ترشيح اثنين من أعضائها للانضمام لهذا الكيان وعقد ممثلو الأحزاب الأعضاء فيها اجتماعاً لهم وصدر أول بيان عنهم لتوضيح ماهيتها.
وفي اليوم التالي أصدرت التنسيقية البيان الثاني والذي أوضحت فيه انضمام ممثلي 19 حزباً لها هي مستقبل وطن، مصر الحديثة، الإصلاح والتنمية، الإصلاح والنهضة، التجمع، الغد، المحافظين، المصري الديمقراطي، المصريين الأحرار، المؤتمر، الناصري، النور، الوفد، حماة الوطن، مصر بلدي، الجيل، الحركة الوطنية المصرية، الحرية، الشعب الجمهوري، إلى جانب بعض السياسيين.
ومنذ ذلك الوقت باتت التنسيقية الذراع السياسية الشبابية للنظام وأصبح لأعضائها وجوداً لافتاً في كل الفعاليات والمؤتمرات التي تدعو لها أجهزة الدولة.
أوامر من جهات عليا للصحف الحكومية في مصر للاهتمام بشباب التنسيقية ونشر مقالات لهم عن رؤاهم
مدير تحرير بإحدى بالصحف القومية قال لـ"عربي بوست" إن هناك أوامر من جهات عليا جاءت لجريدتهم منذ أكثر من عامين من أجل الاهتمام بشباب التنسيقية ونشر رؤاهم من خلال صفحات الرأي وفي الوقت الذي يتم فيه الاختصار أو التعديل على مقالات كبار الكتاب، يمنع الاقتراب من مقالات هؤلاء لدرجة أن عضو بالديسك المركزي غضب من ذلك قائلاً "هو مش قرآن" خاصة أنهم استفزوا الكثيرين بعدما بات يفرد لهم صفحات لتغطية أنشطتهم فضلاً عن نشر كافة الأخبار والبيانات الخاصة بأعضاء "التنسيقية".
يشير الصحافي أن صديقاً له بالمركز الإعلامي للتنسيقية قال له إن تلك المقالات يتم فلترتها قبل إرسالها موضحاً أنهم يكتبون المقالات ويسلمونها للمركز الإعلامي ليراجعها أمنياً مع أمناء السر ثم توزيعها بعد ذلك على الصحف، لافتاً الى أن غالبية من يعملون بهذا المركز الإعلامي يعملون في نفس الوقت في المجلس الأعلى للإعلام ويتواصلون مع وسائل الإعلام لنشر البيانات الصادرة عن التنسيقية، ومقالات أعضائها، فضلاً عن تحديد الأعضاء الذين يسمح لهم بالظهور في البرامج التلفزيونية أو المداخلات الهاتفية.
ويقول الصحافي إن الغموض يحيط بمصادر تمويل برامج التنسيقية السياسية والاجتماعية، وما تعقده من ندوات ومؤتمرات ومحاضرات واجتماعات، وكيفية الإنفاق على مرشحيها، وعندما طرح على أحد الأعضاء تساؤلاً عن مصادر التمويل لم يتلق إجابة.
محمد، خريج اقتصاد وعلوم سياسية أراد الحصول على عضوية تنسيقية الشباب ودخل إلى الموقع الإلكتروني لـ"التنسيقية" لملء استمارة العضوية، وطلب منه البيانات الشخصية وبعض الأسئلة عن أسباب رغبته في الانضمام، لكن ما لفت انتباهه وجود ورقة يجب عليه ملؤها تسمى "السياسات العامة" يبدي فيها المتقدم رأيه تجاه سياسات الدولة ويتعهد بالحفاظ على الثوابت الوطنية، وحماية مقدرات الوطن، وكشف المخططات الإرهابية.
على الرغم من توافر الشروط المطلوبة فيه ومنها "ألا يزيد سن المتقدم على 40 عاماً، وألا يكون قد سبق اتهامه في قضايا مخلة، وألا يكون خلق سابقاً مشكلة مع حزب في الأمور المالية، إلا أن محمد لم يتلق رداً من أمناء سر التنسيقية سواء بالموافقة على طلبه، أو حتى رفضه وهو ما جعله يشعر أن تلك المنصة ليست سوى كيان فوقي غامض لا يعرف الكثير من المواطنين ماهية شروط الانضمام إليه.
لماذا يربط البعض تنسيقية شباب الأحزاب بالتنظيم الطليعي لعبدالناصر؟
كثير من الباحثين والمحللين السياسيين ربطوا بين تنسيقية شباب الأحزاب والتنظيم السياسي الذي أنشأه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1963 وكان تابعاً للاتحاد الاشتراكي وأُطلق عليه اسم "التنظيم الطليعي السري" وَكَان يضم عشرات الآلاف من مختلف التيارات الاجتماعية والفكرية، كان هدفه حينها جذب العناصر الشبابية الصالحة للإدارة لتكون موالية شكلاً ومضموناً للقيادة السياسية لتصبح الظهير الشبابي لشخص الرئيس على وجه التحديد.
أشرف على التنظيم وقتها الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل، وكان يختص بكتابة التقارير عن الشخصيات العامة والخاصة بجانب الأحداث الداخلية ورفعها للقيادة السياسية لتقديم صورة كاملة عن المشهد، وشارك في الإشراف على التنظيم عدد من الضباط بينهم مدير مكتب عبدالناصر، سامي شرف وعلي صبري وشعراوي جمعة وأوكل لهم الرئيس الراحل مهمة اختيار العناصر التي تراها السلطة صالحة للقيادة، ثم تعيينهم في مؤسسات الدولة.
ياسين، باحث سياسي بمركز دراسات خاص أكد أن التنسيقية وأعضاءها بمثابة نخب معلّبة تتماشى مع طبيعة النظام السياسي الحالي الذي يفتقد لرؤية سياسية واضحة، وما هي إلا استنساخ لتجربة التنظيم الطليعي في حقبة عبدالناصر، إذ إن هدف التشكيلين تنشئة كوادر سياسية مضمونة الولاء في السياسة حيث أفرز التنظيم الطليعي شباباً أصبحوا لاحقاً من المؤثرين في المشهد السياسي وسيطروا على مفاصل الدولة المصرية ومنهم أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق ورفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق وصفوت الشريف وزير الإعلام ورئيس مجلس الشورى السابق وعلي الدين هلال وزير الشباب السابق وفاروق حسني وزير الثقافة السابق ومصطفى الفقي المدير الحالي لمكتبة الإسكندرية بجانب أسامة الباز المستشار السياسي الراحل للرئيس السابق حسني مبارك وحسن أبوباشا وزير الداخلية السابق والصحفي محمود السعدني وغيرهم، والهدف من كليهما في حالتي عبدالناصر والسيسي تسكين من يقع عليهم الاختيار في كل مؤسسات الدولة.
لكن عضواً سابقاً بحزب تيار الكرامة المنتمي للناصريين أكد أن التنسيقية والأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب مهمتهما إعداد كوادر شبابية تحت سيطرة أجهزة الأمن في مختلف التخصصات، وإظهار معارضة شكلية لإقصاء المعارضة الحقيقية من المشهد وعدم ترك منفذ يتسرب منه الشباب لثورة شبيهة بثورة يناير.
ويوضح العضو أن مقارنة التكتل الحالي للتنسيقية بالتنظيم الطليعي للناصريين ظالمة، فهم ليس لديهم لائحة تنظم عملهم ولا انتخابات داخلية أو رؤية سياسية بخلاف التنظيم الطليعي الذي كان أكثر تحرراً وتمكن من تقديم جيل ناضج استطاع معارضة النظام الحاكم من داخل أركانه، وكان لدى أعضائه رؤية عميقة تتماشى مع الموجة الاشتراكية التحررية واعتمدت على التدريب والتثقيف، والأهم استطاعت أن تفرخ كوادر و أجيالاً يشار لهم بالبنان في عالم السياسة.
وكشف المصدر عن أن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين في مصر، وقعت بروتوكول تعاون مع ويليس تاورز واتسون، وهي شركة عالمية متخصصة في مجال الاستشارات والوساطة، لتقييم وتطوير مهارات القيادات الشبابية المنضوية تحت لوائها، لكن ذلك لا يمثل تطويراً للأداء السياسي، بل يسهم في المزيد من تعليب النخب الحزبية وتوظيفها للقيام بمهام معينة، ترتكز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية من دون أن يكون لها رؤية واضحة وقدرة على ممارسة العمل السياسي في الشارع المصري، فالتعامل بشكل أفقي مع شباب التنسيقية من نتائجه خسارة كوادر لها رصيد شعبي في الشارع.
الغريب أن التنسيقية تروج لانتهاجها مفهوماً جديداً في ممارسة السياسة، وفقاً لما يأتي على لسان نوابها في البرلمان دون توضيح معالم هذا المفهوم وآلياته، وأداؤهم غير مقنع لكثيرين، ممن يرون أن تحركاتهم تأتي مدعومة من جهات أمنية أشرفت على عملية تشكيل أعضائها.
عضو سابق بحزب المحافظين الليبرالى قال إن المشكلة الأبرز التي تلاحق التنسيقية ترتبط بالولاءات، مؤكداً أن المستقبل الحزبي والإصلاحات السياسية غامضيْن ومشاركة شباب من أحزاب المعارضة في التنسيقية عملية شكلية، فالأطراف المهيمنة عليها محسوبة على أحزاب الموالاة للحكومة، بالتالي تندرج المشاركة ضمن القوالب سابقة التجهيز، والتي ثبت فشلها عبر التاريخ الحزبي.
على الجانب المقابل أكد عضو بحزب إرادة جيل أن الهجوم الممنهج على أعضاء التنسيقية سببه فشل البعض في الانضمام إليها هؤلاء يتجاهلون أن التنسيقية كانت سبباً في تقديم الشباب أمام الدولة والرئيس السيسى بأفكارهم وأطروحاتهم، مشيراً إلى أنها قد تصبح كياناً سياسياً مؤثراً حال جرى تكوينها على أسس قانونية ودستورية لتنخرط في الحياة العامة مثل باقي الأحزاب.