حمّل تقرير أعده مكتب المحاماة الأمريكي "ليفي فايرستون ميوز" بتكليف من الحكومة الرواندية وتم نشره، الإثنين 19 أبريل/نيسان 2021، فرنسا مسؤولية كبيرة عن الإبادة الجماعية والمجازر التي ارتُكبت بحق إثنية التوتسي التي جرت في رواندا بين أبريل/نيسان ويوليو/تموز 1994، والتي أودت بحياة أكثر من 800 ألف شخص، وذلك وفق تقرير لوكالة "فرانس برس" الفرنسية.
صدور هذا التقرير يأتي بعد أيام من تسلم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تقريراً مشابهاً خلص إلى أن باريس تتحمل مسؤولية كبيرة عن الإبادة الجماعية في رواندا، وهو التقرير الذي أعدَّته لجنة وطنية فرنسية تم إعدادها من أجل التحقيق في دور فرنسا بالإبادة الجماعية في رواندا، وذلك وفق بيان لقصر الإليزيه عقب استقبال ماكرون رئيس هذه اللجنة الوطنية، فنسنت دوكلرت.
باريس مسؤولة بسبق إصرار
حسب وكالة فرانس برس، فقد خلص معدو التقرير إلى أن "الدولة الفرنسية تتحمل مسؤولية كبيرة عن جعل الإبادة الجماعية المتوقعة ممكنة"، خاصة بالنسبة لإثنية التوتسي.
التقرير يرفض فكرة أن باريس كانت "عمياء" عن الإبادة الجماعية التي كانت تتحضر.
كما اعتبروا أن فرنسا كانت تعلم بالاستعداد لإبادة جماعية لكنها استمرت في تقديم "الدعم الراسخ" لنظام الرئيس الهوتو جوفينال هابياريمانا، مؤكدين أن هذا الدعم استمر حتى عندما "أصبحت نوايا الإبادة الجماعية واضحة".
في السياق نفسه، رفض التقرير المؤلف من 600 صفحة، فكرة أن باريس كانت "عمياء" عن الإبادة الجماعية التي كانت تتحضر، لينسجم ذلك مع استنتاجات تقرير لجنة مؤرخين فرنسيين سُلم في نهاية مارس/آذار، إلى الرئيس إيمانويل ماكرون.
التقرير نفسه أورد أن فرنسا كانت "مساعداً جوهرياً في إنشاء المؤسسات التي أصبحت أدوات للإبادة الجماعية". وذكر أنه "لم تكن أي دولة أجنبية أخرى على علم بالخطر الذي يمثله المتطرفون الروانديون مع دعم هؤلاء المتطرفين، كان دور السلطة الفرنسية غريباً. ومع ذلك، لم تعترف الدولة الفرنسية بعد بدورها ولم تقدم اعتذاراً بشكل رسمي".
فرنسا ترحب
من جانبها، قالت الرئاسة الفرنسية، الإثنين، إن التقرير الذي أصدرته رواندا حول دور باريس في مجازر الإبادة بحق التوتسي ورد فعل كيغالي التي استبعدت تواطؤها، يفتحان "مجالاً سياسياً جديداً لتصور مستقبل مشترك".
كما رحبت فرنسا باستبعاد السلطات الرواندية ملاحقات قضائية، على لسان وزير خارجيتها فينسان بيروتا، في مقابلة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، حسب ما أكد قصر الإليزيه.
وثائق سرية ستكون متاحة لعموم الشعب
فقد نقلت وكالة AP الأمريكية عن المؤرخ فنسنت دوكلرت، الذي قاد اللجنة التي درست أفعال فرنسا في رواندا بين العامين 1990 و1994، قوله: "على مدار 30 عاماً، كان السجال حول الإبادة الجماعية في رواندا مليئاً بالأكاذيب والعنف والخداع والتهديدات والمحاكمات. كان ذلك جواً خانقاً".
قال دوكلرت إنه كان من المهم الإقرار بدور فرنسا كما هو: "فشل ذريع". وأضاف: "علينا قول الحقيقة. ونأمل أن تتيح الحقيقة لفرنسا فرصة إجراء حوار ومصالحة مع رواندا وإفريقيا".
من جهته، قال ماكرون في بيان سابق له، إن التقرير يُعد "خطوة كبرى للأمام" تجاه فهم ما قامت به فرنسا في رواندا.
ستُتاح نحو 8 آلاف من وثائق المحفوظات التي فحصتها اللجنة على مدار عامين، منها بعض الوثائق التي كانت سرية قبل ذلك، أمام عامة الشعب بداية من يوم الأربعاء 7 أبريل/نيسان 2021، في الذكرى الـ27 لبداية الإبادة الجماعية في رواندا.
قال دوكلرت إن الوثائق -ومعظمها من مقر الرئاسة الفرنسي ومكتب رئيس الوزراء- تُثبت كيف تشارك فرانسوا ميتران، الرئيس الفرنسي وقتها، والمجموعة الصغيرة المحيطة به من الدبلوماسيين والمسؤولين العسكريين، آراءً موروثة من العصور الاستعمارية، ومنها الرغبة في الحفاظ على نفوذهم في بلد يتحدث الفرنسية، وهو ما جعلهم يواصلون دعم هابياريمانا على الرغم من العلامات التحذيرية، بما في ذلك فترة تسلم الأسلحة والتدريب العسكري في السنوات التي سبقت المذبحة.