في أحدث تصعيد للأزمة الراهنة بينهما، قال الرئيس التونسي قيس سعيّد، الأحد 18 أبريل/نيسان 2021، إنه القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والأمنية أيضاً، بينما وصف رئيس الحكومة، هشام المشيشي، تلك التصريحات بأنها "خارج السياق"، الأمر الذي أثار جدلاً قانونياً وسياسياً في البلاد.
"القائد الأعلى للقوات الأمنية والعسكرية"
حيث قال سعيّد، خلال الاحتفال بالذكرى الـ65 لعيد قوات الأمن الداخلي، في قصر الرئاسة، بحضور المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي: "أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمنية وليس العسكرية فقط، بموجب القانون المتعلق بقوات الأمن الداخلي الصادر عام 1982″، مستشهداً بالبند الأول من هذا القانون، الذي قال إنه ينص على أن "قوات الأمن الداخلي قوة مسلحة مدنية".
سعيّد أضاف: "رئيس الدولة، حسب الدستور (الساري منذ 2014)، هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وضمن ذلك القوات المسلحة المدنية"، مؤكداً أنه هو الذي يتولى الإعفاءات والتعيينات في المناصب العليا العسكرية والدبلوماسية المتعلقة بالأمن القومي بعد استشارة رئيس الحكومة.
كما شدّد الرئيس التونسي على أن "المبدأ هو أنه لا تفريق، حيث لم يفرق القانون؛ فالقوات المسلحة هي القوات المسلحة العسكرية والقوات المسلحة الأمنية"، مضيفاً: "لا يذهب البعض بالقول إن هذا التأويل فيه نزعة أو حنين للماضي، بل العكس القوات المسلحة يجب أن تكون في خدمة الشعب، ويجب أن تكون أسوة في تطبيق القانون على الجميع لا بالمال ولا بالعلاقات مع الخارج ولا بالمصاهرة أو القرابة".
فيما أشار سعيّد إلى أنه لا يميل إلى ما وصفه باحتكار هذه القوات (العسكرية والأمنية)، ولكن النص القانوني واضح، منوهاً إلى أن "القانون والقضاء العادلَين هما الفيصل بين الجميع، ومن يخطئ مهما كان موقعه، فجزاؤه ما نص عليه القانون"، على حد قوله.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها سعيّد عن كونه القائد الأعلى للقوات العسكرية والأمنية، إلا أن حديثه الأخير كان بلهجة حادة وأمام قيادات الدولة الأمنية والسياسية.
قراءات "شاذة" للنص الدستوري
في المقابل، ردَّ المشيشي على تلك التصريحات، بالقول إن "قوانين الدولة تُنفَّذ، ومن يرى أن هناك قوانين غير دستورية، فهناك هياكل وهيئات مختصة تبتّ في هذه المسائل"، معتبراً أن "هذه التصريحات (التي أدلى بها سعيد) تذكّرنا أيضاً بالأولوية القصوى لتركيز (تشكيل) المحكمة الدستورية، التي تمثّل الهيكل الوحيد للبت في مثل هذه المسائل"، بحسب إذاعة "شمس" المحلية (خاصة).
كما لفت المشيشي، على هامش تدشين جناح جديد في مستشفى قوات الأمن الداخلي بالمرسى، ضاحية تونس العاصمة الشمالية، إلى أن السياق الذي تعيش فيه البلاد صعب جداً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والصحية، مشدّداً على ضرورة وجود إطار يجمعهم، وقال: "لا يوجد موجب للدخول في القراءات الفردية والشاذة للنص الدستوري".
رئيس الحكومة واصل حديثه بالقول: "نحن في حاجة إلى خطاب يجمع التونسيين حول الحكومة والسلطة، لأن لدينا معركة كبيرة، وهي معركة تجاه الوضع الاقتصادي الصعب والوضع الصحي الصعب، وليس لدينا وقت نضيعه في مثل هذه التحليلات التي ليس وقتها الآن".
كذلك، انتقدت قوى وشخصيات سياسية تصريحات سعيّد، واصفةً إياها بأنها محاولة للانقلاب على الدستور، واحتكار تأويل فصوله في ظل غياب المحكمة الدستورية.
أزمة سياسية حادة
يشار إلى أنه منذ أشهر، تتواصل أزمة سياسية حادة بين سعيّد والمشيشي، الذي يتولى وزارة الداخلية بالنيابة، بعد أن أعفى، في 5 يناير/كانون الثاني الماضي، الوزير السابق توفيق شرف الدين، الذي كان مُقرباً من رئيس الجمهورية.
في هذا الإطار، رفض سعيد، في 3 أبريل/نيسان الجاري، التصديق على قانون معدل للمحكمة الدستورية، يخفض الأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضائها من 145 إلى 131 نائباً.
هذه المحكمة تبت في النزاعات المتعلقة باختصاصي الرئاسة والحكومة، واستمرار حالات الطوارئ، وتُراقب مشاريع تعديل الدستور، والمعاهدات ومشاريع القوانين، والقوانين، والنظام الداخلي للبرلمان.
تصاعدت تلك الخلافات بين الطرفين، منذ أن أعلن المشيشي في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، تعديلاً حكومياً صدَّق عليه البرلمان لاحقاً.
لكن حتى اليوم، لم يوجه سعيّد دعوة إلى الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه، معتبراً أن التعديل شابته "خروقات"، وهو ما يرفضه المشيشي.