مع تصاعد القلق الحقوقي على حياتهم، قال نشطاء، الإثنين 19 أبريل/نيسان 2021، إن قوات الأمن البحرينية ضربت سجناء خلال احتجاجهم على ظروف حبسهم، وذلك في عملية أمنية وصفتها السلطات بأنها جاءت رداً على فوضى وعصيان، وعقب تحذيرات متكررة، بحسب قولها.
وفقاً لما أكدته وكالة رويترز، يزداد التوتر في سجن "جو" الرئيسي بالبحرين (جنوب شرقي البلاد) منذ تفشي فيروس كورونا، الشهر الماضي، والذي قالت السلطات إنها احتوته.
في هذا الإطار، أكدت جمعية الوفاق المعارضة التي جرى حلها، ومنظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان، ومعهد البحرين للحقوق والحريات، أن قوات الأمن استخدمت القوة المفرطة خلال عملية يوم السبت.
مسيرات احتجاجية
حيث ذكر سيد أحمد الوداعي، عضو معهد البحرين، والذي يقيم في المنفى، أن أحد السجناء أبلغه أن النزلاء شكَّلوا سلاسل بشرية في اعتصام حاولت قوات الأمن فضه.
فيما أمكن سماع السجين يقول، في محادثة هاتفية مسجلة قدَّمها الوداعي، إنهم "أحاطوا به (أحد السجناء)، ورأينا العصي ترتفع وتنهال على جسمه حتى اقتادوه إلى الخارج".
إلى ذلك، نظَّم نشطاء داخل البحرين، مساء الأحد، فعاليات ومسيرات احتجاجية محدودة للتضامن مع المعتقلين، مطالبين بالإفراج الفوري عنهم، ومنددين بالانتهاكات التي تحدث بحقهم.
"تعذيب للسجناء"
في السياق ذاته، استنكرت لجنة "معتقلي البحرين" الحقوقية، البيان الذي أصدرته "المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان" في البحرين بشأن أحداث سجن "جو"، مطالبةً إياها بأن تكون أكثر شفافية، وأن تراعي مسماها المعني بحقوق الإنسان، وليس انتهاك ونكران الحقوق الإنسانية.
كانت "المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان" قد نفت، أمس الأحد، كل ما قيل بشأن قيام قوات الأمن باعتداء وضرب وتعذيب دامٍ بحق السجناء، مشيرة إلى أنها زارت السجن للتحقيق في الحادث وخلصت إلى أن ما أثير بشأن ضرب ونقل النزلاء إلى أماكن غير معروفة، "غير صحيح".
بينما أضافت اللجنة الحقوقية المستقلة: "نحن نؤكد ما جرى في مبنيَي 12 و13 بسجن (جو) من تعذيب للسجناء، وذلك من خلال ما وصلنا من صور تثبت الوجود الكثيف لقوات الشغب داخل الممرات أثناء الاعتداء، وكذلك ننفي دقة وصحة ما نشرته المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في بيانها وإنكارها الاعتداء اللاإنساني على السجناء".
يشار إلى أن البحرين تواجه ضغوطاً من منظمات حقوقية بشأن أحوال السجن، خاصةً اكتظاظه بالسجناء وسوء حالة النظام الصحي ونقص الرعاية الطبية.
تحقيقات أممية محايدة
كانت جمعية "الوفاق" المعارضة قد أكدت، السبت 17 أبريل/نيسان 2021، وقوع "اعتداءات" بحق سجناء في سجن "جو"، لافتة إلى أن "معلومات وصلت إليها (لم تحدد جهتها) عن قيام فرق من قوات النظام بهجوم عنيف ضد معتقلي الرأي (في سجن جو) بعد رفضهم واقعهم السيئ"، دون أن توضح انتماءاتهم أو عددهم.
فيما طالبت الجمعية، التي حلتها السلطات بحكم قضائي في فبراير/شباط 2018، بـ"السماح لجهة مستقلة ومحايدة أممية بالتحقيق" فيما حدث، مُحمّلةً النظام المسؤولية عن مصير المعتقلين بعد الهجوم عليهم في سجن "جو"، الذي وصفته بأنه سيئ السعة.
فقد أوضحت أن السجناء "تعرضوا لضرب مبرح بالهراوات، خلَّف إصابات دامية، فضلاً عن نقل 33 سجيناً تعرضوا للضرب، لجهة غير معلومة".
كما تشير المعلومات، وفقاً للجمعية الحقوقية، إلى استخدام العناصر الأمنية للقنابل الصوتية بعد اقتحامهم السجن، مما خلق حالة ذعر، بخلاف أن قوات الأمن هددت بقية المعتقلين باستخدام الأسلوب ذاته معهم.
رواية السلطات الحكومية
رداً على ذلك، أفادت وكالة الأنباء البحرينية الرسمية، مساء السبت، نقلاً عن الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل، بأن "عدداً محدوداً (لم تذكر رقماً) من النزلاء قاموا على مدار الأيام الماضية، داخل (جو)، بإغلاق الممرات، ورفضوا دخول العنابر، وعطَّلوا الخدمات المقدمة ومن بينها الاتصالات والرعاية الصحية لنزلاء آخرين"، مؤكدةً أن السجناء "قاموا بارتكاب أعمال فوضى وعنف ضد رجال الشرطة أثناء قيامهم بأداء الواجبات المنوطة بهم".
كما ذكرت الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل أن ما حدث داخل السجن أدى إلى تعطيلهم للخدمات المقدمة، ومن بينها الاتصالات والرعاية الصحية لنزلاء آخرين، وكذلك التأثير على سير العمل، مشيرة إلى أنه "تم إنذار النزلاء المخالفين ودعوتهم إلى الالتزام بالقانون على مدار الأيام الماضية، وهو ما لم يستجيبوا له، ما استدعى، اليوم، اتخاذ الإجراءات الأمنية والقانونية اللازمة بحقهم (لم تذكرها) وإخطار النيابة"، حسب قولها.
إزاء ما جرى، تحدثت الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل عن قيامها بـ"إخطار النيابة العامة وإطلاع مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين على تفاصيل الواقعة".
تجدر الإشارة إلى أنه في مطلع 2017، قُتل شرطي في هجوم نفذه مسلحون استهدف سجن "جو"، أسفر أيضاً عن "هروب 10 من المحكومين في قضايا إرهابية"، حسب بيان رسمي آنذاك.
الإفراج عن نشطاء سياسيين
يُذكر أن السلطات البحرينية أفرجت عن عشرات السجناء، بينهم نشطاء سياسيون، حسبما أفاد حقوقيون، السبت 10 أبريل/نيسان 2021، وذلك بعد تظاهرات طالبت بإطلاق سراحهم، على خلفية مخاوف مرتبطة بتفشي فيروس كورونا في السجن.
كانت السلطات البحرينية أعلنت نيتها إطلاق 126 سجيناً ثم 73 آخرين، على أن يقضي غالبيتهم ما تبقى من فترة محكوميتهم خارج السجن. وأكد حقوقيون لوكالة فرانس برس، خروج نحو 166 من هؤلاء من السجن.
من بين أبرز المفرج عنهم الناشط السياسي محمد جواد (75 عاماً)، الذي قضى نحو عشر سنوات في السجن، وهو خال الناشط البارز نبيل رجب، وكذلك رجل الدين الشيعي السيد كامل الهاشمي.
جدير بالذكر أنه في كل عام، مع بداية شهر رمضان، يتم إطلاق سراح مجموعة من السجناء بموجب عفو ملكي، لكن عادةً ما يكون معظمهم من السجناء الجنائيين.
هذا العام، صدر مرسوم ملكي بالعفو عن 91 سجيناً، وكان معظمهم من الأجانب الذين يتم نقلهم إلى مراكز الاحتجاز المتعلقة بالإقامة، حيث يتمتعون بمزيد من الامتيازات ويسمح لهم بمغادرة البلاد بمجرد الحصول على تذكرة.
منذ احتجاجات عام 2011 المطالبة بالإصلاح السياسي والتي انتهت بالقمع، حُظرت أحزاب المعارضة وسُجن عشرات من المعارضين السياسيين، وسط انتقادات دولية للمملكة الخليجية الصغيرة التي يسكنها خليط من السُّنة والشيعة.
احتجاج أقارب السجناء
على مدى الأسبوعين الماضيين، احتج عشرات من أقرباء السجناء يومياً في ضواحي العاصمة المنامة، وسط إجراءات أمنية مشددة؛ للمطالبة بالإفراج عن أفراد عائلاتهم، وكذلك الإفراج عن جميع السجناء السياسيين وسجناء الرأي دون قيد أو شرط، بحسب حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تحققت منها وكالة فرانس برس.
إذ قالت السلطات في المنامة، الشهر الماضي، إن عدد الإصابات في سجن "جو" المركزي ثلاثة، مؤكدةً أنهم في حالة مستقرة ومُعلنة عن تلقيح جميع السجناء الذين طلبوا تلقي اللقاحات المضادة لفيروس كورونا.
لكن وفقاً لمعهد البحرين للحقوق والديمقراطية ومقره لندن، سُجلت عشرات الإصابات بفيروس كورونا بين السجناء.
كما يقول النشطاء، إن سعة سجن "جو" القصوى تبلغ نحو 1200 شخص، لكن عدد السجناء، ومن ضمنهم المعارضون السياسيون، يبلغ ثلاثة أضعاف هذا العدد على الأقل. ولم تسفر التظاهرات عن مواجهات مع قوات الأمن.
أوضاع حقوقية "متردية"
جدير بالذكر أنه منذ العام 2017، حظرت السلطات البحرينية جميع وسائل الإعلام المستقلة، وحلّت جميع أحزاب المعارضة السياسية. من بين أبرز السجناء حالياً قادة معارضون سياسيون بارزون، ونشطاء، ومدونون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، حُكم عليهم بالسجن مدى الحياة؛ لدورهم في احتجاجات 2011 المؤيدة للديمقراطية.
على مدى السنوات الأربع الماضية، تحمَّل النشطاء السياسيون العبء الأكبر للقمع السياسي في البحرين، حيث واجهوا الاعتقال التعسفي والسجن لفترات طويلة، وفي بعض الحالات التعذيب؛ لمعارضتهم الحكومة. جُرّد مئات من الجنسية تعسفاً، فيما يتعرض النشطاء والصحفيون الذين يواصلون عملهم من المنفى لخطر الانتقام من أفراد عائلاتهم الذين بقوا في البلاد، بحسب منظمات حقوقية دولية.
وفقاً لـ"لجنة حماية الصحفيين"، هناك ما لا يقل عن ستة صحفيين مسجونين حالياً بسبب عملهم في البحرين، في حين تراجعت البلاد إلى مرتبة 169/180 المؤسفة في "التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2020" الذي تصدره "مراسلون بلا حدود". سجلت البحرين مرتبة متدنية، 1/40، للحقوق السياسية في تقرير "فريدم هاوس" للحريات بالعالم لعام 2020.
إضافة إلى ذلك، اتجهت حكومة البحرين بشكل متزايد إلى التشريعات القمعية المتعلقة بجرائم الإنترنت لتقييد الفضاء المدني، حيث قاضت وكلاء دفاع بارزين وقادة معارضين ومدافعين عن حقوق الإنسان، بسبب نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي منذ 2018. كما أفادت "منظمة العفو الدولية" بأن السلطات البحرينية استخدمت فيروس كورونا ذريعةً "لمزيد من سحق حرية التعبير".