توقفت حملات التطعيم ضد شلل الأطفال في السودان، خلال العام الماضي، نتيجة لظهور فيروس كورونا والإجراءات المصاحبة له، إذ أغلقت معظم المراكز الخاصة بالتطعيم، وبذلت المشافي جهودها لمواجهة الفيروس القادم من الصين، على حساب تطعيمات الأمراض الوبائية.
عاود فيروس شلل الأطفال الانتشار مجدداً في العام 2019، بعدما كان السودان لم يسجل أي إصابة به منذ العام 2009، وأظهرت الفحوصات المعملية والتقصي لحالات الشلل الفيروسي المحور وجود الفيروس في المياه.
تم أخذ العينات من مياه شبكة الصرف الصحي بولاية الخرطوم، التي أثبتت وجود بؤر لفيروس شلل الأطفال المتحور (الشلل الرخو) بها، ما دفع وزارة الصحة السودانية لإطلاق نداء عاجل للفرق الصحية والطبية والمنظمات العاملة في حملات التطعيم، بضرورة التقصي والتبليغ عن الحالات المشتبه بها وفحصها.
وقال الخبير وممثل منظمة الصحة العالمية (مكتب السودان) في اللجنة العليا لحملة التطعيم ضد شلل الأطفال، د. فتح الرحمن محمد بن عوف لـ"عربي بوست"، إن حالات التقصي للفيروس بالسودان أظهرت وجود بعض الحالات، منذ شهر فبراير/شباط من العام المنصرم، إلا أنه تم الاكتشاف فعلياً وتسجيل الحالات تباعاً في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين، حيث وصلت الحالات المسجلة إلى 56 حالة، مؤكداً أن السبب الرئيسي هو عدم تنفيذ حملات التطعيم في مناطق النزاعات المسلحة والحروب ومناطق سيطرة الحركات المسلحة، خاصة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وجزء من ولاية وسط دارفور، منطقة جبل مرة "غربي البلاد".
إغلاق مراكز التطعيم أعاد الفيروس إلى الواجهة
أشار بن عوف إلى تأثر المراكز العاملة في التطعيمات المختلفة بجائحة كورونا، ما أدى إلى إغلاق المراكز وعدم تمكنها من تنفيذ برامج التطعيم والوصول إلى الأطفال في سن التطعيم، وأن جداول التطعيم الروتينية تأثرت بالإغلاق التام إبان جائحة كورونا، مسببة فجوةً كبيرة، مؤكداً نجاح برنامج التقصي في الوصول إلى جميع الأطفال المستهدفين بالتطعيم. وأضاف: نأمل بحلول شهر يونيو/حزيران القادم، عدم تسجيل أي حالة إصابة بالشلل الرخو، وفي هذه الحالة سنعلن خلو السودان منه، وتابع بالقول إن معظم الولايات بلغت نسبة أرقام التطعيم بها نسباً عالية.
وقال بن عوف إن المراكز العاملة في التطعيم في مناطق النزاعات المسلحة لم تتمكن من تنفيذ حملات التطعيم المختلفة، خاصة أن حملات شلل الأطفال ونقص فيتامين (A) توقفت، وبعض الدول فسرت ظهور حالات الشلل بها لعدم تمكنها من تنفيذ الجداول المحددة لها.
وكشف أن نتيجة التقصي البيئي لفحص عينات مياه الصرف الصحي الشهرية لولاية الخرطوم أثبتت وجود عينات إيجابية بعد فحصها، مشيراً إلى أن الفحص من قِبل ولاية الخرطوم دورياً معمول به منذ ثلاث سنوات.
وكانت وزارة الصحة السودانية حذّرت من مغبة خطورة نقص فيتامين (A)، وقالت إنه يسبب ضعف النظر (العشى الليلي)، ويؤدي إلى زيادة الإصابة بالحصبة، وتنبع أهميته من النمو وسلامة الجلد والعظام، فضلاً عن المحافظة على سلامة وصحة الأنسجة وقرنية العين.
56 حالة إصابة بينها 3 وفيات
كشفت وزارة الصحة السودانية عن تسجيل 56 حالة شلل رخو بالبلاد، منها ثلاث وفيات وسط الأطفال المصابين، فيما سجلت ولاية كسلا أعلى نسبة إصابة بلغت 8 إصابات، تلتها الخرطوم "العاصمة" بـ6 إصابات، وسجلت ولايتا شرق وجنوب دارفور ثلاث حالات لكل ولاية، وسجلت ولاية شمال وغرب دارفور حالتي إصابة لكل ولاية، فيما لم تسجل وسط دارفور والشمالية أي نسبة إصابة، فيما أطلقت وزارة الصحة الاتحادية نداءً لكل فرق الاستجابة بتقصي حالات الشلل الرخو، فيما أظهرت الفحوصات لمياه الصرف الصحي بولاية الخرطوم في ضاحية كافوري وجود الفيروس.
وكانت منظمة الصحة العالمية استنكرت حالات الرفض للتطعيم ضد شلل الأطفال بالخرطوم، مشيرة إلى وجود حالات رفض من بعض المناطق بولاية الخرطوم، خاصة بمحليتي "بحري والخرطوم"، وأضافت أن فرق التطعيم ضد شلل الأطفال عانت في الوصول لتطعيم بعض الأطفال.
وأكدت الوزارة أن جميع الحالات المسجلة ليست وافدة من دول الجوار، ودعت فرق الاستجابة للتبليغ وزيارة أي بؤرة تسجل بها الفيروس، فيما أطلقت الوزارة انطلاقة الحملة الثانية لتطعيم 8.528.353 مليون طفل من عمر يوم إلى 5 سنوات، بالإضافة لتوزيع لقاح فيتامين A بكل ولايات البلاد، مؤكدة أنها وصلت إلى جميع المناطق التي تسيطر عليها حركات الكفاح المسلح في ولاية جنوب كردفان وولاية وسط دارفور.
وأكدت الوزارة أنها قامت بتطعيم اللاجئين الإثيوبيين الفارين من القتال في إقليم تيغراي. وقال وكيل وزير الصحة د. أسامة أحمد عبدالرحيم لـ"عربي بوست"، إن الوزارة نفذت حملة شاملة لكل الولايات والمحلات، ووصلت لمناطق النزاعات والحروب ومناطق سيطرة حركات الكفاح المسلحة، وإن الجولة حققت تغطية ممتازة.
وقالت مديرة إدارة صحة الأم والطفل بوزارة الصحة السودانية د. داليا إدريس، إن هناك خطورة في نقص فيتامين (أ)، الذي يُسبب العشى الليلي ويؤدي إلى حالة العدوى، وإن الوزارة قامت بتنفيذ حملتين، وإن نسبة التغطية بلغت 95% خلال الجولة الثانية، منوهة إلى أنها أكملت كل الترتيبات باستراتيجية من منزل إلى منزل.
ولفتت إلى أن حزم الإمداد وسلاسل التبريد الخاصة بالتطعيم وصلت لأكثر من 8 ملايين طفل وطفلة من عمر يوم إلى 5 سنوات، منوهة إلى أنه بتوقيع اتفاقية السلام الشامل سيتم تطعيم جميع الأطفال المستهدفين في ولايات جنوب كردفان ووسط دارفور، وأنه لأول مرة منذ سنوات طويلة تصل فرق التطعيم لهم.
وفي السياق أكدت د. نعمة السيد عابد، ممثل منظمة الصحة العالمية بالسودان، التزام المنظمة بدعم الحملة القومية لاستئصال شلل الأطفال، مشيرة إلى أن التغطية والوصول للجميع في الجولة الأولى كانت عالية، ومن المؤلم وجود طفل معاق بسبب عدم إمكانية الوصول إلى اللقاح.
من جهته، كشف د. الصادق محجوب، الخبير الوطني، عن وجود 56 حالة شلل أطفال، ووفاة 3 أطفال، لافتاً إلى انحسار الوباء قريباً. ودعا بن عوف المواطنين للبعد عن الشائعات، مؤكداً سلامة اللقاح وموثوقيته.
وقال بن عوف إن جرعة التطعيم في الجولة الثانية لهذه الحملة تكميلية، وتأتي ضمن الحملة القومية التي انتظمت بالبلاد، ولفت إلى أن السودان تقدم خطوات كبيرة خلال السنوات الماضية في مكافحة الشلل والقضاء عليه، ومنذ العام 2009 لم يتم تسجيل أي حالة إلا بعد إصابة الفيروس لوافدين من الدول الإفريقية المجاورة، خاصة نيجيريا، نتيجة لتوقف الحملات فيها بسبب الصراعات الداخلية، ونتج عن ذلك تسجيل 56 حالة بالبلاد.
ووصف الشلل بالمرض الخطير جداً، وبأنه ليس له علاج إلا الوقاية بالتطعيم، لافتاً إلى أنه خلال هذا العام تأثر العالم كله بجائحة كورونا، وتوقفت أنشطة التطعيم تبعاً لذلك، ما يتطلّب استمرار جهود المكافحة بالحملات.