تتواتر بعض الأنباء والتقارير التي تشير إلى قرب احتواء أزمة ولي العهد الأردني السابق الأمير حمزة بن الحسين (1999-2004)، الأخ غير الشقيق لعاهل البلاد، الملك عبدالله الثاني، خاصة في ضوء التطورات الأخيرة، التي يصفها البعض بـ"الإيجابية".
تلك الأزمة التي اندلعت مؤخراً، وأحدثت ردود فعل كبيرة داخل وخارج البلاد، توالت يوم الإثنين 5 أبريل/نيسان 2021، بعض المؤشرات التي قد تنبئ باحتمالية طي صفحة هذا الخلاف خلال الفترة المقبلة أو احتوائه على الأقل.
أول بيان للديوان الملكي
ففي وقت سابق من يوم الإثنين، كان الديوان الملكي الأردني قد قال في أول بيان له حول القضية التي هزت الشارع الأردني، إن الملك عبدالله أوكل مهمة التعامل مع موضوع الأمير حمزة إلى عمه الأمير الحسن، الذي تواصل بدوره مع الأمير ولي العهد السابق.
جاء في هذا البيان، أن الأمير حمزة "أكد أنه يلتزم بنهج الأسرة الهاشمية، والمسار الذي أوكله جلالة الملك إلى الأمير الحسن"، دون تقديم تفاصيل إضافية.
يُذكر أن الأمير الحسن (74 عاماً) هو شقيق ملك الأردن الراحل، الحسين بن طلال، وكان ولياً للعهد (1965- 1999)، قبل أن يتم عزله ونقل ولاية العهد إلى عاهل البلاد الحالي، الملك عبدالله.
جدية القصر في إنهاء الأزمة
فيما يشير بيان الديوان الملكي بشكل جلي إلى جدية القصر في إنهاء الأزمة بأضيق الحدود، وأقرب وقت ممكن، من خلال دخول كبار أمراء العائلة الهاشمية إلى المشهد.
إذ أعاد البيان الملكي الحديث تأكيد جزئية "إطار الأسرة الهاشمية"، وانطلاقاً من ذلك اختار الملك عبدالله عمه الحسن ليقود المهمة؛ حفاظاً على الاستقرار الأسري للعائلة المالكة، ومنعاً لحدوث أي تداعيات، خاصة مع كثرة التأويلات والشائعات.
وفق البيان الملكي ذاته، فإن الأمير حمزة أكد لعمِّه الحسن أنه "يلتزم بنهج الأسرة الهاشمية، والمسار الذي أوكله جلالة الملك إلى الأمير الحسن".
ومفردة "المسار" تؤكد في مضمونها حدوث "توافق كلي" حول معالجة الأزمة، وتعكس "حنكة ملكية" تستهدف عدم السماح لأي طرف خارجي باستغلال الموقف، خاصة بعد حديث السلطات عن تورط الأمير مع "جهات خارجية" لم تسمّها.
رسالة الأمير حمزة إلى ملك الأردن
بعد ذلك بساعات قليلة، نشر الديوان الملكي رسالة وقّعها الأمير حمزة، يؤكد فيها ولاءه لأخيه، عاهل البلاد الملك عبد الله.
حيث قال الأمير حمزة، حسب تلك الرسالة، إنه يضع نفسه "بين يدي جلالة الملك"، مؤكداً أنه سيبقى "على عهد الآباء والأجداد، وفياً لإرثهم، سائراً على دربهم… وسأكون دوماً لجلالة الملك وولي عهده عوناً وسنداً".
فيما أضاف الديوان الملكي، في ثاني بيان له بهذا الصدد، أن الأمير الحسن بن طلال (عم الملك) اجتمع هو والأمراء هاشم بن الحسين، وطلال بن محمد، وغازي بن محمد، وراشد بن الحسن، الإثنين، مع الأمير حمزة في منزل الأمير الحسن، حيث وقَّع الأمير حمزة على هذه الرسالة.
حسب نص هذه الرسالة، قال الأمير حمزة: "بسم الله الرحمن الرحيم، كرّس الهاشميون عبر تاريخهم المجيد، نهج حُكمٍ، أساسه العدل والرحمة والتراحم، وهدفه خدمة الأمة ورسالتها وثوابتها. فلم يكن الهاشميون يوماً إلا أصحاب رسالة، وبناة نهضة، نذروا أنفسهم لخدمة الوطن وشعبه".
كما أضاف: "يحمل جلالة الملك عبدالله الثاني، ابن الحسين، اليوم الأمانة، ماضياً على نهج الآباء والأجداد، معززاً بنيان وطن عزيز محكوم بدستوره وقوانينه، محصن بوعي شعبه وتماسكه، ومنيع بمؤسساته الوطنية الراسخة، وهو ما مكّن الأردن من مواجهة كل الأخطار والتحديات والانتصار عليها بعون الله ورعايته".
مصالح الوطن فوق كل اعتبار
فيما تابع الأمير حمزة في رسالته: "لا بد أن تبقى مصالح الوطن فوق كل اعتبار، وأن نقف جميعاً خلف جلالة الملك، في جهوده لحماية الأردن ومصالحه الوطنية، وتحقيق الأفضل للشعب الأردني، التزاماً بإرث الهاشميين الذين نذروا أنفسهم لخدمة الأمة، والالتفاف حول عميد الأسرة، وقائد الوطن حفظه الله".
واختتمت الرسالة بالقول: "في ضوء تطورات اليومين الماضيين، فإنني أضع نفسي بين يدي جلالة الملك، مؤكداً أنني سأبقى على عهد الآباء والأجداد، وفياً لإرثهم، سائراً على دربهم، مخلصاً لمسيرتهم ورسالتهم ولجلالة الملك، وملتزماً بدستور المملكة الأردنية الهاشمية العزيزة. وسأكون دوماً لجلالة الملك وولي عهده عوناً وسنداً".
يأتي ذلك غداة إعلان السلطات، الأحد 4 أبريل/نيسان 2021، أن "تحقيقات أولية" أظهرت تورط الأمير حمزة (41 عاماً) مع "جهات خارجية" وما تسمى "المعارضة الخارجية"، في "محاولات لزعزعة أمن البلاد"، و"تجييش المواطنين ضد الدولة". وهو ما نفاه الأمير في تسجيل مصور منسوب إليه.
الجيش مستعد لمواجهة أي تهديد
سبق تلك التطورات، إعلان الجيش الأردني، الإثنين 5 أبريل/نيسان 2021، جاهزيته للتصدي لأي "مساعٍ يراد بها تقويض أمن الوطن وترويع مواطنيه، وزعزعة أمن واستقرار المملكة"، وذلك وفق تصريح لقائد الجيش، اللواء يوسف الحنيطي.
فخلال متابعته تمريناً عسكرياً في المنطقة الشرقية بالمملكة، قال الحنيطي إن "القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لديها من القدرة والكفاءة والاحترافية ما يمكِّنها من التعامل مع أي مستجدات تطرأ على الساحتين المحلية والإقليمية بمختلف المستويات ومواجهة جميع أشكال التهديد على الواجهات الحدودية، وبالقوة"، وفق بيان بثه الجيش على موقعه الإلكتروني.
كما أضاف قائد الجيش أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية قادرة أيضاً على التصدي لـ"أية مساعٍ يراد بها تقويض أمن الوطن وترويع مواطنيه، وزعزعة أمن واستقرار المملكة؛ التزاماً منها بواجبها الوطني تجاه الوطن وقيادته الهاشمية".
تسجيل صوتي مسرب
إلى ذلك، كشف تسجيلٌ صوتيٌّ مسربٌ أن رئيس أركان الجيش الأردني، اللواء يوسف الحنيطي، حذَّر الأمير حمزة من التحدث إلى قادة العشائر وغيرهم من المُعارضين في المملكة، بعد أن وضعه تحت الإقامة الجبرية بمنزله، وذلك وفق ما أورده تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، الإثنين 5 أبريل/نيسان 2021.
حسب الصحيفة نفسها، التي أكدت أنها اطلعت على المقطع المسرب، فإن الحنيطي لم يتهم ولي العهد السابق، بمحاولة الانقلاب أو الإبقاء على تواصلٍ مع القوى الأجنبية.
ماذا قال رئيس أركان الجيش للأمير؟
سجّل الأمير الأردني المكالمة التي جمعته بقائد الأركان المشتركة للقوات المسلحة سراً، ويبدو فيها صوته وهو يسأل قائد الأركان المشتركة للقوات المسلحة أن يكرر رسالته، ليستوضح ما يُطلب منه.
في تفاصيل المكالمة، قال الحنيطي للأمير حمزة إنه يحمل رسالةً من الجيش، وقوات الأمن، والمخابرات، وأوضح أنه لا يتحدث بالنيابة عن الملك عبدالله الثاني، أخي حمزة غير الشقيق، كما يظهر صوت اللواء في التسجيل وهو يُخاطب الأمير بلقب "سيدي".
من جانبه، أوضح الحنيطي للأمير أنه يجب أن يمتنع عن محاولة التحدث إلى شيوخ القبائل وغيرهم في الأردن من الساخطين على ما تتخذه المملكة من إجراءات.
كما قال قائد الجيش، إن الأجهزة الأمنية والمخابرات باتت على علمٍ بأن الأمير حمزة كان على اتصالٍ بأفرادٍ من القبائل ينتقدون العائلة المالكة بشدةٍ في حوارهم مع الأمير، وإن انتقادهم يطال ولي العهد الحالي الأمير الحسين بن عبدالله.
كذلك، شدد المتحدث نفسه على أن قوات الأمن أرادت الحد من اتصالات الأمير تلك؛ لكونها "تسبب اضطراباً في المملكة".
"كيف تجرؤ على مخاطبتي؟!"
حديث قائد الجيش الأردني، أثار غضب الأمير حمزة، الذي دخل بعدها في نوبة صراخ.
جاء في رد الأمير، حسب التسجيل الصوتي المسرب: "كيف تتجرأ على الحديث إليّ؟ من أنت لتُبلغني ذلك؟ ألا تعرف مع من تتحدث؟ أنا ابن الملك حسين".
ثم صاح الأمير حمزة بعد ذلك في مساعديه: "أحضِروا سيارة الباشا، فهو مُغادر".
لكن الحُنيطي، الذي أُخذ على حين غرةٍ بكل تأكيد، لم يغير من نبرة صوته المؤدبة.
"أمير القلوب"
هذا التسجيل الصوتي المُسرب للأمير حمزة أثار تفاعلاً كبيراً بين الأردنيين، خاصة بعدما تم تداوله على نطاق واسع بينهم، إذ عبّر بعضهم عن تعاطفهم معه مُدشنين وسوماً تعبر عن ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها "أمير القلوب"، و"كلنا الأمير حمزة"، فيما التزم آخرون الصمت، بينما عبًر معارضون له عن تحركه الأخير.
فيما تصدر وسم "كلنا الأمير حمزة" قائمة الـ"ترند" في الأردن على موقع "تويتر".
ذلك، ظهرت وسوم أخرى مثل "دار الهواشم"، في إشارة إلى الأسرة الحاكمة، و"الأردن عصي على الفتنة"، و"عميد آل البيت"، في إشارة إلى عاهل البلاد.
اعتقالات غير مسبوقة
كانت الحكومة الأردنية قد أعلنت، السبت 3 أبريل/نيسان 2021، عن اعتقالات شملت رئيس الديوان الملكي الأسبق، باسم عوض الله، وأحد الأشراف، و16 شخصاً آخرين، فيما تم إخضاع ولي العهد السابق، الأمير حمزة بن الحسين، للإقامة الجبرية مع أفراد آخرين من أسرته، وسط تضارب الأنباء بشأن مصيره أو دوره في الأحداث التي أدت لحملة الاعتقالات غير المسبوقة.
فيما تحدثت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن "مؤامرة" للإطاحة بالملك عبدالله.
على الرغم من أن قائد الجيش، اللواء يوسف الحنيطي، نفى منذ اللحظات الأولى وضع الأمير حمزة تحت الإقامة الجبرية، فإن الأخير قال في أكثر من تسجيل صوتي منسوب إليه، إنه قيد الإقامة الجبرية، مشدّداً على أن قربه من المواطنين وسماع همومهم لا يمثلان عبثاً بأمن الوطن، ومؤكداً أنه لا توجد أجندات ولا تخطيط خارجي ولا مؤامرات من خلف الكواليس.
فيما أعربت نور الحسين، ملكة الأردن السابقة، على "تويتر"، بعد ساعات من إعلان نجلها، الأمير حمزة، أنه قيد الإقامة الجبرية، عن أملها في أن تسود الحقيقة والعدالة لجميع ضحايا ما وصفته بـ"الافتراء الشرير".
يشار إلى أن الأمير حمزة، وهو الأخ غير الشقيق لعاهل البلاد، شغل منصب ولي عهد الأردن بين عامي 1999 و2004، قبل أن يتم نقل اللقب إلى الحسين بن عبدالله، الابن الأكبر للملك الحالي.
والأمير حمزة كان هو المفضل لدى الملك حسين والملكة نور.