في الثالث من أبريل/نيسان 2021، ظهر على شاشة التلفزيون الأردني الرسمي، مذيع ممشوق الظهر، يتحدث بنبرة صارمة، تتناسب مع البيان العسكري الذي يتلوه، والذي كتَبت كلماته قيادة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية في البلاد.
كان البيان إيذاناً رسمياً ببدء حدث يهز المملكة، ويوجه أنظار العالم إلى المملكة الهاشمية، حيث أكدت القيادات العليا في المملكة أن الأخ غير الشقيق للملك عبدالله، حمزة بن الحُسين، طُلب منه التوقف عن نشاطات وتحركات توظف لاستهداف أمن الأردن واستقراره.
لم يعتد الأردنيون على أن تتناول بيانات الجيش الحديث عن أفراد العائلة الملكية، وكان الأمر صادماً بالنسبة لهم، خصوصاً أن ذلك تزامن مع بدء انتشار الأخبار عن اعتقالات نفذتها السلطات لعدد من الشخصيات وبينهم مقربون من الأمير حمزة، الذي يحظى بقبول شعبي واسع.
سبق هذا البيان بقليل حديث صحيفة Washington Post عن اعتقالات في المملكة، طالت حتى الأمير حمزة بن الحسين، وهو ما سيتبين عدم صحته فيما بعد.
اقرأ أيضاً
تصاعد الأحداث
في مساء يوم السبت الماضي، كانت وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، قد أعلنت أن قوات الأمن اعتقلت المستشار السابق للملك عبدالله، باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد أحد أفراد العائلة المالكة وآخرين لأسباب "أمنية".
بعد وقت قصير من إعلان الأردن عن الاعتقالات، بدأت ردود الأفعال الرسمية تتوالى، فأعلنت السعودية، ومصر، والبحرين، ولبنان، وأمريكا، ومجلس التعاون الخليجي، عن دعمها للملك عبدالله، ودعم جهوده للحفاظ على استقرار المملكة.
سبق ذلك بقليل، حديث انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، عن اعتقال الأمير حمزة، الأمر الذي اضطر الجيش إلى نفي ذلك، كما نفى أن يكون قد وضع الأمير تحت قيد الإقامة الجبرية.
لكن الأمير حمزة خرج عن صمته مع اقتراب نهاية يوم السبت، وظهر في مقطعي فيديو باللغة الإنجليزية والعربية، يُكذب فيها الجيش، ويؤكد بأنه يخضع فعلياً للإقامة الجبرية، وأن رئيس الأركان الأردني، قائد الجيش يوسف حنيطي، زاره، وأخبره بأنه لا يُسمح له بالخروج، ولا التواصل مع الناس، ولا لقائهم.
كذلك أكد الأمير حمزة أنه تم سحب حرسه الخاص والحرس المخصص لأفراد عائلته، وأنه تم قطع وسائل الاتصالات عنه، ونفى أن يكون جزءاً من أية مؤامرة في الأردن، وندد بنظام الحكم في المملكة ووصفه بأنه "فاسد"، معتبراً ما حدث معه منعطفاً حزيناً ومؤسفاً للغاية.
في هذه الأثناء، كان الأردنيون قد انشغلوا بالحديث عن الأحداث غير المسبوقة في بلدهم، وعلى شبكات التواصل انقسمت الآراء بين مؤيدين للأمير حمزة، وآخرين مرددين للرواية الرسمية التي وجهت اتهامات له، وتزامن ذلك مع أحاديث عن مخطط انقلاب في المملكة، دون أية أدلة على ذلك.
اقرأ أيضاً
التحقيق مع الأمير
في اليوم التالي، تكشف المزيد من التفاصيل، ذكرت وكالة رويترز صباح الأحد 4 أبريل/نيسان 2021، نقلاً عن مصادر أردنية أن قوات أمنية وصلت إلى منزل الأمير حمزة، وبدأت في التحقيق معه.
كذلك نقلت الوكالة عن مسؤولين قالت إنهم مطلعون على الوضع، قولهم إن "بعض شخصيات المعارضة في المملكة تجمعت حول الأمير حمزة، وهو أمر أثار استياء الملك عبدالله".
وتزايد اهتمام السلطات الأردنية بجهود الأمير حسن، لإقامة علاقات مع أشخاص ساخطين داخل القبائل القوية في المملكة، حيث تشكل القبائل التي تهيمن على قوات الأمن حجر الأساس لدعم النظام الملكي الهاشمي في الأردن.
مع حلول ظهر الأحد، خرجت والدة الأمير حمزة، الملكة نور عن صمتها، وهاجمت الاتهامات التي وجهتها السلطات لابنها، وكتبت في تغريدة على تويتر: "أتوجه بالدعاء من أجل أن تسود الحقيقة والعدالة لكل الضحايا الأبرياء لهذا البهتان الآثم".
حتى هذه الأثناء، كان الأردنيون بشكل خاص والعرب عموماً بانتظار ما ستقوله السلطات وما ستشكفه عن تفاصيل الاعتقالات ووضع الأمير قيد الإقامة.
كان من بين التطورات اللافتة أيضاً، ما قاله مسؤولون أردنيون رفيعون لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، عن أنهم يقدرون أن السعودية، وإمارة خليجية قالوا إنها على ما يبدو أبوظبي، لعبتا دوراً سرياً في "كواليس انقلاب" في المملكة. ولم تعلق الأردن ولا السعودية ولا الإمارات على ما قالته هذه المصادر.
الحكومة تخرج عن صمتها
وبينما كان المشهد يزداد غموضاً، وتزداد معه حالة الترقب الكبير، خرجت الحكومة عن صمتها، وقدمت على لسان أيمن الصفدي، نائب رئيس الوزراء، الرواية الرسمية لما حدث أمام عدسات الكاميرات.
الصفدي قال إن الأمير حمزة تواصل مع جهات خارجية، فيما يتعلق بمخطط لزعزعة استقرار البلاد وإنه خضع لتحقيق لبعض الوقت، وتحدث أن التحقيقات رصدت تدخلات واتصالات مع "جهات خارجية" بشأن التوقيت المناسب لزعزعة استقرار الأردن.
تحدث الصفدي عن اتصال من وكالة مخابرات أجنبية بزوجة الأمير حمزة لترتيب طائرة للزوجين لمغادرة الأردن، وقال إن التحقيقات الأولية أظهرت أن هذه الأنشطة والتحركات وصلت إلى مرحلة تؤثر بشكل مباشر على أمن واستقرار البلاد.
لم يُشر الصفدي بأي شكل من الأشكال إلى المخطط الذي تحدث عنه لزعزعة استقرار الأردن، وقال إن جهوداً تبذل لحل الأزمة داخل الأسرة الملكية، "لكن الأمير حمزة لا يتعاون"، مضيفاً أن ما حدث "انفصال عن تقاليد وقيم الأسرة الهاشمية".
كذلك أشار الصفدي إلى أن أجهزة الأمن طلبت إحالة الضالعين في المخطط إلى محكمة أمن الدولة.
لكن الرواية الرسمية للملكة لم تحظَ بالقبول من الجميع، فالنائب في البرلمان الأردني، صالح العرموطي، رفض رواية الحكومة، واعتبر أن الأمير حمزة يتعرض لمحاولة شيطنته، مثيراً عدداً من الأسئلة التي تتعلق بالرواية الرسمية.
أشار العرموطي -وهو محامٍ- إلى أن السلطات لم تذكر دليلاً واحداً يدين الأمير حمزة، وقال إنه لا يوجد في القانون شيء اسمه "زعزعة استقرار"، وأكد أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.
رفض العرموطي أيضاً ما تردد عن ترتيب الأمير حمزة لانقلاب بالمملكة، وقال "إن الانقلاب يكون بوجود أطراف عسكرية واستخباراتية داعمة له، وليس مع الأمير حمزة أطراف من الجيش أو المخابرات ولا حتى من الأمن العام، وكل من كان بجانبه 14 شخصاً، فأين الانقلاب؟".
الأمير حمزة يتحدى
وفي أحدث تطور بأحداث الأردن، قال الأمير حمزة في تسجيل صوتي، نُشر خلال الساعات الماضية، إنه تلقى تهديداً من رئيس الأركان الحنيطي، مشيراً إلى أنه يرفض أوامر وضعه قيد الإقامة الجبرية.
التسجيل الذي تبلغ مدته 46 ثانية، وصف فيه الأمير حمزة الوضع بأنه "صعب"، وقال فيه إن رئيس هيئة الأركان هدده، مشيراً إلى أنه سجل كلام الحنيطي ووزعه على معارفه في الخارج وأقاربه، في حال حدوث شيء ما.
أضاف الأمير: "أنا بانتظار نشوف شو بدهم يعملوا"، مضيفاً أنه لا يريد التصعيد في الوقت الحالي، لكنه أكد عدم قبوله الالتزام بتعليمات السلطات الأردنية، حول منع خروجه من المنزل، ومن كتابة التغريدات على تويتر، ومنعه من التواصل مع الناس والسماح له برؤية العائلة فقط.
أبدى الأمير انزعاجه من كلام رئيس هيئة الأركان، وأكد أن الأوامر التي وجهت له لن تكون مقبولة لديه.
وسط هذا المشهد المعقد، يترقب الأردنيون تطورات خلاف نادر في بلدهم، من شأنه أن يهز صورة المملكة باعتبارها واحة للاستقرار في الشرق الأوسط المضطرب.
لكن معظم الساسة يعتقدون أنه سيتم إسكات الأمير حمزة وأنه لن يشكل أي تهديد في ضوء وقوف الجيش وقوات الأمن بقوة خلف الملك، حيث تُعد القوات المسلحة وقوات الأمن ركيزة الدعم الأساسية للأسرة الهاشمية.