اختتم مسؤولون من الصين وأمريكا، الجمعة 19 مارس/آذار 2021، ما وصفته واشنطن بمحادثات "صعبة ومباشرة"، كشفت عن عمق التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم مع بداية إدارة الرئيس جو بايدن.
وانتهت المحادثات التي استمرت يومين بعد بداية نادرة وساخنة الخميس، عندما قام كل من الجانبين بتشويه سياسات الطرف الآخر أمام كاميرات التلفزيون. وكانت تلك أول محادثات شخصية رفيعة المستوى تجري بين الجانبين منذ تولَّى بايدن منصبه.
عدم وجود أرضية مشتركة
بحسب وكالة رويترز، فلم تسفر المحادثات على ما يبدو عن انفراجة دبلوماسية كما كان متوقعاً، كما أن التناحر المرير العلني أشار إلى عدم وجود أرضية مشتركة تذكر بين البلدين من أجل إعادة ضبط العلاقات التي تدهورت إلى أدنى مستوى منذ عشرات السنين.
واتَّسمت الفترة التي سبقت المباحثات بزيارات لمسؤولين أمريكيين لليابان وكوريا الجنوبية، حليفتي واشنطن، وسلسلة تحركات من جانب الولايات المتحدة أظهرت أنها تتخذ موقفاً حازماً.
فيما صرَّح مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان للصحفيين بعد لحظات من مغادرة الوفد الصيني قاعة الاجتماعات بالفندق "توقعنا إجراء محادثات صعبة ومباشرة حول مجموعة واسعة من القضايا، وهذا بالضبط ما أجريناه".
وغادر أعضاء الوفد الصيني الفندق دون التحدث إلى الصحفيين، لكن الدبلوماسي الصيني الكبير يانغ جيه تشي قال لشبكة تلفزيون (سي.جي.تي.إن) الصينية، في وقت لاحق، إن المحادثات كانت بناءة ومفيدة "لكن بالطبع لا تزال هناك خلافات".
وقال يانغ "ستحمي الصين بحزم السيادة الوطنية والأمن والتنمية".
وصرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأنه لم يتفاجأ من تلقي الولايات المتحدة "رداً دفاعياً" من الصين، بعد أن أثيرت مزاعم بارتكاب الصين انتهاكات لحقوق الإنسان في شينجيانغ والتبت وهونغ كونغ، بالإضافة إلى الهجمات الإلكترونية والضغط على تايوان.
لكن بلينكن قال إن الجانبين لديهما أيضاً مصالح متقاطعة بشأن إيران وكوريا الشمالية وأفغانستان وتغير المناخ، وإن الولايات المتحدة قد أنجزت خلال الاجتماعات ما جاءت من أجله.
وقال أيضاً "فيما يتعلق بالاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا، أخبرنا نظراءنا أننا نراجع هذه القضايا بالتشاور الوثيق مع الكونغرس، ومع حلفائنا وشركائنا، وسوف نمضي قدماً بشأنها، بطريقة تحمي تماماً مصالح عمالنا وشركاتنا وتعززها". ونقل التلفزيون الرسمي الصيني عن وانغ يي، عضو مجلس الدولة الصيني، الذي انضم إلى الاجتماعات، قوله إن الصين أوضحت للجانب الأمريكي أن السيادة مسألة مبدأ، وعليها ألا تهون من تصميم الصين على الدفاع عنها.
بداية محمومة
كانت أول محادثات مباشرة رفيعة المستوى مع الصين قد بدأت الخميس، وسط أجواء محمومة جمعت وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، ومستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جاك سوليفان، مع أعلى مسؤول في الحزب الشيوعي الحاكم للدبلوماسية يانغ جيشي، ووزير الخارجية وانغ يي، وذلك في مدينة أنكوريج بولاية ألاسكا.
بلينكين قال في كلمة له خلال الاجتماع إنهم سيناقشون مع الوفد الصيني الممارسات التي ترتكبها بكين ضد الإيغور في إقليم تركستان الشرقية، فضلاً عن سياساتها في منطقتي هونغ كونغ، وتايوان.
كما ذكر الوزير أن الصين بالخطوات التي تخطوها في تلك القضايا "تهدد النظام العالمي، القائم على قواعد تضمن الاستقرار العالمي".
وأشار بلينكين إلى أن أمريكا والصين لديهما أنظمتهما السياسية الخاصة، مضيفاً: "ورغم هذه الاختلافات فإن البلدين لديهما مصالح مشتركة في المناخ والاقتصاد العالمي".
وبدأ الاجتماع التاريخي بين الوفدين الأمريكي والصيني بشكل محموم، حيث انتقد وزير الخارجية الصيني يانغ يي الولايات المتحدة بسبب عقوباتها على بكين، على خلفية سياساتها بهونغ كونغ.
ورداً على الاتهامات الأمريكية للصين، قال الوزير إن بكين "لا تقبل الغزو وإسقاط الأنظمة وذبح شعوب الدول الأخرى"، في تلميح منه إلى الولايات المتحدة.
تابع قائلاً: "من المهم لواشنطن أن تغير صورتها أولاً، وأن تتوقف عن تصدير ديمقراطيتها إلى العالم. فالكثير من الناس في الولايات المتحدة لا يثقون كثيراً في ديمقراطية بلادهم".
وانتقد الوزير يانغ حديث الولايات المتحدة عن القيم العالمية، مشدداً على أنه "لا الولايات المتحدة نفسها ولا العالم الغربي يمثلان الرأي العام الدولي".
وقال يانغ إن الصين لن تقبل اتهامات الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن "التطورات الأخيرة تضع العلاقات بين البلدين في موقف صعب غير مسبوق".
وفي تعليق منه على العقوبات الأمريكية ضد بلاده قال الوزير: "من المستحيل خنق الصين".
كما تسببت رغبة الجانب الأمريكي في إخراج ممثلي الصحف ووسائل الإعلام قبل خطاب يانغ الذي استمر قرابة 18 دقيقة، في حالة من الجدل، حيث انتقد الوزير الصيني هذه الخطوة، معتبراً أنها غير عادلة بالنسبة له.
وزعمت وزارة الخارجية الأمريكية في وقت لاحق أن الوفود وافقت على التحدث لمدة دقيقتين، لكن الجانب الصيني انتهك هذا البروتوكول.
ويعتبر هذا أول اجتماع ثنائي يجمع بين مسؤولين من البلدين منذ تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، مطلع العام الجاري، الهدف منه بحث الخلافات العميقة العصية على الحل في معظم الأحيان بين أكبر قوتين في العالم، اللتين تخوضان مواجهة لا هوادة فيها.
ويُعقد الاجتماع في أجواء من التوتر الشديد بين بكين وواشنطن حول قضايا عدة، من هونغ كونغ إلى حقوق الإنسان والتنافس التكنولوجي والتجسس ومعاملة أقلية الإيغور والتجارة.