أول تعليق من القاهرة على “توجيهات” أنقرة لقنوات المعارضة المصرية في تركيا

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/19 الساعة 12:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/19 الساعة 12:38 بتوقيت غرينتش
وزير الإعلام المصري أسامة هيكل - مواقع التواصل

في أول رد فعل رسمي مصري بشأن ما يثار حول تغيير السياسة التحريرية للقنوات التلفزيونية المصرية المعارضة التي تبث من تركيا، أعرب وزير مصري، الجمعة 19 مارس/آذار 2021، عن ترحيبه بما وصفه بقرار الحكومة التركية الخاص بإلزام القنوات التي قال إنها تعادي مصر بمواثيق الشرف الإعلامية.

حيث وصف أسامة هيكل، وزير الدولة المصرية للإعلام، في تصريحات نشرتها الصفحة الرسمية للوزارة وصفحة رئاسة مجلس الوزراء على "فيسبوك"، هذه الخطوة بأنها "بادرة طيبة من الجانب التركي، تخلق مناخاً ملائماً لبحث الملفات محل الخلافات بين الدولتين على مدار السنوات الماضية".

هيكل أضاف: "عموماً فإن إصدار قنوات من دولة تعادي دولة أخرى ليس أمراً محموداً ولا مقبولاً في العلاقات الدولية، ومن المهم جداً لكل دولة أن تبحث عن مصالحها ومصالح شعبها، ولا أعتقد أن الخلافات السياسية بين تركيا ومصر تصب في مصالح الشعبين"، على حد قوله.

فيما ذكر وزير الدولة للإعلام أن بلاده "لا تعادي أحداً، وأن الموقف المصري ثابت فى علاقاتها الدولية، حيث تعمل على تطوير علاقاتها مع الجميع على أساس من التفاهم والحفاظ على المصالح المشتركة"، على حد قوله.

يشار إلى أن رد المسؤول المصري يُعدّ هو أول تصريح من نوعه، حيث أنه يرحب للمرة الأولى بموقف الجانب التركي الذي أطلق خلال الفترة الماضية العديد من التصريحات التي تدعو لعودة العلاقات الكاملة بين البلدين.

نفي تركي لمزاعم إعلامية

كان ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد نفى، الخميس 18 مارس/آذار 2021، كل الشائعات التي روَّجتها وسائل إعلام مصرية وعربية، بخصوص وضع الإعلاميين والقنوات التلفزيونية المصرية التي تبث من تركيا، وعزم أنقرة على طرد أو تسليم عدد منهم للقاهرة، وذلك في تصريح صوتي له على منصة "كلوب هاوس".

تصريح أقطاي جاء على خلفية ترويج وسائل إعلامية مقربة من الإمارات شائعات تدَّعي أن أنقرة تعتزم توقيف صحفيين ومعارضين مصريين مقيمين بالبلاد وتسليمهم للقاهرة، بعد أن طالبت عدداً من القنوات بتخفيف حدة لهجتها تجاه النظام المصري.

في السياق ذاته، نفى المتحدث نفسه الشائعات التي روَّجتها قنوات تلفزيونية إماراتية، والتي تفيد بأن تركيا تتجه إلى إغلاق نهائي للقنوات التلفزيونية المصرية التي تُبث من تركيا، مشدداً على أن المسؤولين الأتراك طلبوا فقط من هذه الأخيرة ضبط خطها التحريري بما ينسجم مع الضوابط الصحفية المهنية العالمية.

تقارب وشيك بين أنقرة والقاهرة

ويأتي هذا التوجه التركي، في ظل تلميحات إلى تقارب وشيك بين أنقرة والقاهرة، بعد سنوات من الأزمة السياسية بين البلدين.

مستشار الرئيس التركي في حزب العدالة والتنمية الحاكم قال، في المناسبة نفسها، إن "كل من هو مضطهد، مرحَّب به في تركيا"، مشدداً على أن تركيا تبذل كل ما في وسعها من أجل استضافتهم وضمان حقوقهم.

كما طمأن أقطاي كل من "أقلقته هذه الشائعات"، ودعاهم إلى "ألا يقلقوا من هذا الأمر"، كما طالب الذين يتمنون ذلك بـ"ألا يتمنوه، لأن تركيا لم ولن تسلم أي أحد ولن تعتقله".

المتحدث ذاته أكد أن هناك بالفعل "تواصلاً بين السلطات المصرية والتركية، بطلب من القاهرة، لكننا نسمع بعض الإعلاميين المصريين يقولون إن تركيا في مأزق وهي في أزمة اقتصادية ومعزولة، هذا ليس صحيحاً، لأن تركيا ليست محتاجة لمصر أكثر من حاجة مصر لنا".

أيضاً، نفى أيمن نور، رئيس مجلس إدارة قناة "الشرق" المعارضة، تلقّيه أي توجيهات، لكنه أكد في المقابل وجود حوار بين إدارة القناة ومسؤولين بالحكومة التركية.

نور، وفي تصريح لقناة "مكملين"، نفى بشكل قاطع، تلقِّيه أي طلب لإغلاق القنوات، وإنما يتعلق الأمر بطلب لمراجعة السياسة التحريرية، مشدداً على أن هناك نقاشاً داخلياً لضبط سياساتها دون المساس بالمبادئ التي بُنيت عليها القناة.

"لا تواصل خارج الإطار الدبلوماسي"

كان سامح شكري، وزير الخارجية المصري، قد صرّح، يوم الأحد 14 مارس/آذار 2021، بأنه "لا يوجد تواصل مع تركيا خارج الإطار الدبلوماسي الطبيعي، وإذا ما وجدنا أفعالاً حقيقية من تركيا وأهدافاً تتسق مع الأهداف والسياسات المصرية التي تسعى للاستقرار في المنطقة وعدم التدخل في شؤون الدول والاحترام المتبادل، ستكون الأرضية مؤهلة للعلاقة الطبيعية مع أنقرة".

شكري أضاف أن "الأقوال لا تكفي، وإنما ترتبط بالأفعال والسياسات، والأفعال هي التي تعيد أية علاقات إلى وضعها الطبيعي"، مؤكداً أن "الوضع السياسي ارتبط دائماً بمواقف الساسة في تركيا، خصوصاً بعد المواقف السلبية التي اتخذوها تجاه مصر"، حسب قوله.

لكن وزير خارجية مصر ذكر في الوقت ذاته أن بلاده تحرص دائماً على استمرار العلاقات بين الشعبين المصري والتركي، منوهاً إلى أنهم رصدوا مجموعة من التصريحات التركية تشير إلى فتح قنوات اتصال مع مصر في كل المراحل.

ما موقف مصر من استئناف الاتصالات الدبلوماسية؟

سبق تصريحات "شكري" ما نقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية المصرية، عن مصدر رسمي مصري، قوله إنه ليس هناك ما يمكن أن يُطلق عليه توصيف "استئناف الاتصالات الدبلوماسية"، آخذاً في الاعتبار أن البعثتين الدبلوماسيتين المصرية والتركية موجودتان على مستوى القائم بالأعمال الذي يتواصل مع دولة الاعتماد وفقاً للأعراف الدبلوماسية المتبعة.

المصدر ذاته ذكر أن الارتقاء بمستوى العلاقة بين البلدين يتطلب مراعاة ما وصفه بالأطر القانونية والدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول على أساس احترام مبدأ السيادة ومقتضيات الأمن القومي العربي، مؤكداً أن "مصر تتوقع من أي دولة تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية معها أن تلتزم بقواعد القانون الدولي، ومبادئ حسن الجوار، وأن تكف عن محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة"، حسب قوله.

إلا أن المصدر المصري شدّد في الوقت ذاته على "أهمية الأواصر، والصلات القوية التي تربط بين شعبي البلدين (مصر وتركيا)".

عقد اجتماع تركي – مصري في القاهرة

يشار إلى أن وكالة "رويترز" للأنباء كانت قد نقلت، أمس الجمعة 12 مارس/آذار 2021، عن مسؤول مصري، قوله إن بلاده تلقت طلباً من الاستخبارات التركية لعقد اجتماع في القاهرة، وإن الأخيرة أعربت عن ترحيبها بهذا الطلب، ووعدت بالرد عليه في أقرب وقت.

حيث أوضح المسؤول- لم تذكر الوكالة اسمه- أن مسؤولاً في الاستخبارات التركية اتصل بهم هاتفياً، وطلب عقد اجتماع في القاهرة؛ لبحث القضايا الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والتعاون.

التعاون بين أنقرة والقاهرة قد ينتقل إلى مستويات أعلى

كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد أشار في تصريحات صحفية، الجمعة، إلى استمرار تعاون بلاده الاقتصادي والدبلوماسي والاستخباراتي مع مصر، مؤكداً أنه "لا توجد أي مشكلة في ذلك". وأضاف أن "التعاون متواصل ليس على أعلى المستويات، إنما أقل منها بدرجة".

أردوغان أوضح أن لديهم رغبة في أن "نواصل هذه العملية مع مصر بشكل أوثق، وبعد أن تثمر تلك المحادثات الاستخباراتية والدبلوماسية والسياسية، سننقل ذلك (التعاون) إلى مستويات أعلى بكثير؛ فالتفرقة بين الشعبين المصري والتركي أمر غير وارد"، مضيفاً: "لا يمكن وضع الشعب المصري بجانب اليونان، ولا يمكننا أبداً أن نصدق أن الشعبين اليوناني والمصري سيكونان متطابقين. ولهذا نود أن نراه (الشعب المصري) حيث ينبغي أن يكون".

احترام مصر الجرف القاري التركي

كذلك، اعتبر وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، احترام مصر الجرف القاري لتركيا خلال طرحها مزايدة للتنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط، خطوة مهمة لتحقيق السلام والاستقرار الإقليميين، مؤكداً أن "موقف مصر والمستجدات الأخيرة يصبان في مصلحة البلدين ودول المنطقة".

جاءت تصريحات أكار، خلال كلمة ألقاها أثناء مشاركته في مراسم عسكرية بولاية أضنة (جنوب)، الجمعة.

المشكلة على المستوى الرئاسي

في هذا الصدد، يقول علي باكير، أستاذ العلاقات الدولية في مركز ابن خلدون بجامعة قطر، لـ"عربي بوست"، إن "الاتصالات بين أنقرة والقاهرة مفتوحة وربما لا تحتاج واسطة، فعلى مستوى الاستخبارات كانت- ولا تزال- قائمة حول عدة ملفات، لاسيما الإقليمية منها. أما على المستويين السياسي والاقتصادي، فليس هناك أي عائق من تواصل مباشر.

وبخلاف الاعتقاد السائد، فحجم التجارة بين البلدين ارتفع عام 2019 بشكل غير مسبوق، كما أن أنقرة عادت لتستورد من مصر؛ في محاولة للتلويح بالجزرة الاقتصادية لها"، وفق تعبيره.

لكن باكير يرى أن "المشكلة القائمة بين أنقرة والقاهرة هي على المستوى الرئاسي، ولا أعتقد أننا سنرى تغييراً في وقت قريب بهذا الصدد. على المصريين أن يدركوا أن إدانة الانقلابات موقف مبدئي بالنسبة إلى تركيا بغض النظر عن الجهة التي تقوم بها".

جدير بالذكر أنه خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن وزير الخارجية التركي أن بلاده ومصر "تسعيان لتحديد خارطة طريق بشأن علاقاتهما الثنائية".

وانطلاقاً من الموقف التركي الرافض للانقلابات باعتبارها خياراً غير ديمقراطي، عارضت أنقرة الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، أول رئيس مصري مدني منتخب عام 2013، ما أدى إلى تدهور العلاقات بين البلدين، لكن العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما استمرت بشكل طبيعي، إلا أن خلافات استجدت بينهما خلال الفترة الأخيرة بسبب الحدود والموارد البحرية، فضلاً عن خلافات في ليبيا، حيث يدعم كل منهما طرفاً مختلفاً في الصراع الدائر هناك.

تحميل المزيد