تساؤلات عديدة تدور الآن في الساحة اللبنانية حول سبب زيارة وفد من حزب الله اللبناني إلى العاصمة الروسية موسكو، خصوصاً ما يتعلق بطبيعة الملفات التي سيتم نقاشها.
تأتي هذه الزيارة في الوقت الذي يعاني فيه لبنان من أزمة اقتصادية غير مسبوقة أدت إلى اندلاع تظاهرات مستمرة، وفي ظل التعثر الحكومي وما يصاحبه من تراشق إعلامي بين رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر من جهة، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من جهة أخرى.
ووصل إلى موسكو وفد من حزب الله برئاسة رئيس كتلته النيابية محمد رعد، يرافقه مسؤول العلاقات الخارجية عمار الموسوي ومستشار العلاقات الدولية أحمد مهنا، يوم 14 مارس/آذار، بناء على دعوة رسمية وجهتها وزارة الخارجية الروسية للحزب.
توصل "عربي بوست" إلى بعض ما دار في كواليس لقاءات الوفد اللبناني مع المسؤولين الروس، والتي اشتملت على نقاشات حول، ليس الملف اللبناني فقط، بل أيضاً الملف السوري.
لبنان.. تذليل العقبات أمام تشكيل حكومة جديدة
التقى وفد حزب الله، ظهر الإثنين 15 مارس/آذار، بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وبحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر سياسية مطلعة على مجريات الزيارة، فإن الجانب الروسي طلب بشكل واضح أن يلعب الحزب دوراً حاسماً في عملية تأليف الحكومة الجديدة.
وأوضح المصدر أن الطلب جاء حتى لو اضطر حزب الله إلى الضغط على رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل، والذي تتهمه الأطراف الخارجية، ومنها فرنسا، بعرقلة الجهود الجارية لتشكيل الحكومة.
وأكد لافروف للوفد أن إدارته تدعم الرئيس المكلف سعد الحريري في مهامه وترفض أي محاولة لإقصائه من الحكومة.
في المقابل، كشفت المصادر أن وفد حزب الله نقل رسالة إلى القيادة الروسية أبدى من خلالها استعداد الحزب للعب دور مؤثر بالتواصل مع حلفائه لتسهيل التشكيل وتذليل العراقيل، مع التأكيد في الوقت عينه على رفضه بشكل قاطع أن ينال أي فريق سياسي الثلث المعطل في الحكومة، حتى ولو كان هذا الفريق من الحلفاء، وأن هذا الموقف تلتقي عليه كل القوى السياسية والخارجية كفرنسا وإيران وروسيا.
خوف روسي من الانهيار
ووفق المصدر، فإن لافروف شدد لوفد الحزب على أن موسكو تخشى من الانهيار اللبناني متسارع الخطى، كونه يثير المخاوف لديها من التفكّك والفوضى بكل معانيها.
لافروف ذكر أن حدوث الفوضى في لبنان سيعد مسؤولية كبيرة تلقى على عاتق الدول الكبرى، ما سيفرض إنتاج صيغٍ جديدة وقيام معادلات جديدة للقوى قد تكون خاسرة لمعظم الأطراف.
وأوضح – حسب المصدر – أن الحل يكمن بالإسراع نحو تشكيل حكومة جديدة ووقف الانهيار والدعوة لمؤتمر مساعدة لبنان بالتعاون مع الدول الناشطة في الملف اللبناني.
روسيا وترسيم الحدود
وبحسب المصدر، فإن الروس أبدوا خلال اللقاءات إمكانية أن تطلع روسيا بدور الوسيط في ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، ولبنان وسوريا.
يأتي هذا خصوصاً وأن الملف المتعلق بالترسيم والذي تديره الولايات المتحدة بات متوقفاً، والذي – بحسب المسؤولين الروس – قد يتحول لملف تفجير إضافي في الساحة اللبنانية، وقد يستخدم كورقة ضغط جديدة على لبنان.
الملف السوري حاضر.. لوقف العمل المسلح
وأوضحت مصادر دبلوماسية أن الملف السوري كان حاضراً في نقاشات حزب الله مع الجانب الروسي.
هذه الزيارة لها دلالاتها الإقليمية، خاصة أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف كانا في زيارة إلى دول خليجية -السعودية وقطر والإمارات- بغية مناقشة الملف السوري والتحضيرات الجارية للانتخابات السورية المزمع إجراؤها في يوليو/تموز المقبل.
ووفق المصدر، فإن المؤشرات تؤكد على وجود تطور في الموقف الروسي، وهو ضرورة الوصول إلى حل سياسي في سوريا، تمهيداً لفتح الطريق للمساهمة الخليجية، مقابل تخفيف الهيمنة الإيرانية، والتي سمع لافروف مواقف عربية حيالها خلال زياراته.
وتعاني موسكو من أزمة مالية واقتصادية، أحد أسبابها الرئيسية هو الانهيار الاقتصادي في سوريا وعدم قدرة موسكو على وقف التدهور هناك. وربما تعلم موسكو أن الرهان على حلّ سياسي في سوريا وإعمارها مستحيل من دون الخليج والسعودية، والرضى الأوروبي والأمريكي، وهذا يتطلب تنازلات من حزب الله وإيران.
لذا فإن لافروف، بحسب المصادر المطلعة – ناقش مع وفد الحزب الملف السوري بشكل متعمق، مؤكداً أن بلاده تريد تهدئة الوضع في سوريا، تزامناً مع اقتراب موعد الانتخابات فيها.
من هنا، لا بد من التشاور مع حزب الله، خاصة بوجود مبادرة أخرى تجاه الكرد في سوريا أيضاً، لإيجاد تقارب بين القوات الكردية والنظام السوري، إضافة إلى الواقع العسكري على الحدود السورية – العراقية.
وقف استهداف الدول الخليجية
وبحسب المصدر، فإن أحد المسؤولين الروس ناقش مع وفد حزب الله، ظهر الثلاثاء، ضرورة وقف كل الأعمال العدائية تجاه دول الخليج العربي.
وأوضح المسؤول أن موسكو تسعى إلى تحقيق تقارب بين طهران ودمشق من جهة، ودول الخليج العربي، بدءاً من الإمارات من جهة أخرى.
لكن الظروف لم تنضج بعد لتحقيق خروقات جدية والاستنفار الدبلوماسي الروسي الحاصل حالياً هو جزء من هذا المسعى، لذا – بحسب كلام المسؤول الروسي للوفد – فالمطلوب وقف كل الأعمال التي قد تؤدي إلى استنزاف الجهود باتجاهات سلبية، خصوصاً أن الجميع يدرك أهمية دول الخليج في مساعدة سوريا ولبنان.
رسالة عتاب من حزب الله
وبحسب مصادر مطلعة على ملف الزيارة، فإن حزب الله خلال اللقاء كان لديه عتب على موسكو، لأنها تتخذ قرارات في سوريا من دون تشاورها معه، رغم أنه لاعب أساسي فيها.
يشير هنا الصحفي اللبناني منير الربيع لـ"عربي بوست" إلى أن حزب الله استشعر أن هناك محاولات لإقصائه، لذا ربما تكون أتت دعوته لزيارة موسكو لاسترضائه وإشراكه في المشاورات.
وبحسب المصدر، فإن البحث تركز على عملية إعادة تموضع عسكري لقوات حزب الله في سوريا، ووقف أنشطته العسكرية وغير العسكرية، والتي قد تستفز الدول العربية والغربية، وقد تستدعي ردوداً إسرائيلية.
لماذا تتحرك روسيا في هذا الوقت؟
يرى الصحفي اللبناني طوني عيسى أن القيادة الروسية وجدت الفرصة سانحة لتنطلق في مهمَّة استطلاع واسعة في الشرق الأوسط.
ففي واشنطن، لا تزال إدارة الرئيس جو بايدن تبحث عن مسار بديل لسياسة "الضغط الأقصى" التي اتبعها الرئيس دونالد ترامب مع إيران، وهذا ينعكس على حلفائها في المنطقة: إسرائيل، تركيا والمملكة العربية السعودية، وأما الأوروبيون فمرتبكون ولا أوراق يمتلكونها.
ويرى عيسى أن قاعدة الانطلاق التي يتحرَّك الروس من خلالها في الشرق الأوسط هي سوريا، لسببين:
الأول، أنهم يمتلكون الأوراق القوية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، من خلال إمساكهم بنظام الأسد بشكل كامل، بعدما كانت إيران تتولّى هذه المهمّة منفردة، حتى العام 2015.
والثاني، أن الأرض السورية، يتشارك الروس في الصراع مع حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، إسرائيل وتركيا، إضافة إلى إيران. وإذا نجحت موسكو في رعاية تسويات بين القوى المتنازعة هناك، ولو بموافقة الأمريكيين، فإنّها ستكتسب رصيداً كبيراً في الشرق الأوسط.