كشف جون روجين، كاتب العمود الخاص بالسياسة الخارجية في صحيفة The Washington Post الأمريكية، في كتابه الجديد الذي صدر مؤخراً عن دراما التفاصيل الداخلية التي كان يشهدها البيت الأبيض وراء العناوين الرئيسية لسياسات عهد ترامب بشأن الصين.
العلاقات بين أمريكا والصين
وبحسب ما أورده موقع Axios الأمريكي في تغطيته، فإن أهمية الكتاب تتحدث عن بداية عهد ترامب، وتذكّر بما ذهب إليه عديد من المراقبين من تكهنات بأن تقارب ترامب مع أصحاب المليارات والدكتاتوريين، وعدم اكتراثه بحقوق الإنسان، قد يؤدي إلى بيعه لأمن الولايات المتحدة وقيمها من أجل صفقة كبرى مع الصين، غير أن ذلك لم يحدث، ومع ذلك فإن روجين يبين في كتابه مدى السهولة التي كان من الممكن أن تتحقق بها هذه التكهنات، ويكشف إلى أي مدى كانت على وشك الوقوع في كثير من الأحيان.
الكتاب الذي حمل عنوان "الفوضى الكامنة تحت الجنة: ترامب وشي ومعركة القرن الحادي والعشرين"، يتعقب فيه روجين مسار إدارة ترامب حيال الصين، والتي تأرجحت في الأشهر الأولى لحكمه بين التكيف والمواجهة.
الكتاب يقدم تفاصيل جديدة من داخل الإدارة الأمريكية لبعض أهم اللحظات الرئيسية التي شهدتها تلك الحقبة وتصدرت عناوين الأخبار في وقتها، ومنها المكالمة الهاتفية التي أجراها ترامب مع الرئيس التايواني، وميله قصير الأمد إلى ترحيل الملياردير الصيني اللاجئ إلى الولايات المتحدة غيو وينغي إلى بلاده رغم خطورة ذلك، إضافة إلى المكالمة الهاتفية المصيرية التي أجراها في فبراير/شباط 2020 مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.
خطة ترامب تجاه الصين
كما يستند الكتاب في روايته للأحداث إلى مقابلات مكثفة مع عديد من مسؤولي الإدارة السابقين، وخاصة مستشار البيت الأبيض السابق ستيف بانون، ونائب مستشار الأمن القومي مات بوتينغر، والمدير السابق لقسم الشؤون الصينية بمجلس الأمن القومي الأمريكي ماثيو توربين.
ومن المثير للاهتمام أنه على خلاف الشائع، فإن ترامب، بحسب ما يورده روجين في كتابه، كان يعرقل في بعض الأحيان خطط مسؤولية المتشددين حيال الصين، خاصة في العامين الأولين من رئاسته، كما أنه غالباً ما كان يخلط بين "الأمن القومي وعقد صفقات اقتصادية تأتي لمصلحة الصين"، على حد تعبير الكتاب، وعلى الرغم من أن عديداً من مستشاري ترامب كانوا من أنصار دعم تايوان منذ فترة طويلة، فإن ترامب نفسه لم يكن كذلك وبحسب رواية روجين، فإن ترامب قال لسيناتور أمريكي: "تايوان على بعد قدمين من الصين. ونحن على بعد 8 آلاف ميل. ومن ثم إذا قرروا غزو تايوان، فليس هناك أي شيء يمكننا فعله حيال ذلك".
أما فيما يتعلق بشركة هواوي الصينية، فعلى الرغم من أن خبراء الأمن القومي الأمريكي حذروا من أن شركة الاتصالات الصينية تشكّل تهديداً أمنياً، فقد عرض ترامب مراراً وتكراراً تضمين هواوي في المحادثات التجارية والتفاهمات المتولدة عنها.
ومن جهة أخرى، حاول المسؤولون الصينيون إقناع ترامب بترحيل رجل الأعمال الصيني اللاجئ غيو وينغي، والذي كان مقيماً في الولايات المتحدة وأصبح فيها منتقداً صريحاً للحزب الشيوعي الصيني، عن طريق ملف أرسله رجل الأعمال الأمريكي المقرب من الصين، ستيف وين، إلى ترامب ويقدم فيه وينفي أنه هارب من اتهامات بالاغتصاب.
لكن بعد أن قال ترامب لمستشاره بانون: "يجب أن نسلمهم المغتصب"، سارع نائب مستشار الأمن القومي بوتينغر إلى مكتب ترامب ليقنعه بالتراجع.
ويشير الكتاب كذلك إلى مكالمة هاتفية بين ترامب والرئيس الصيني بتاريخ 6 فبراير/شباط 2020، والتي أخبر فيها ترامب نظيره الصيني بأن جائحة كورونا ستتلاشى بمجرد أن يصبح الطقس أكثر دفئاً، وهو تقييم غير صحيح سيُكرره ترامب علناً في وقت قريب بعدها، ويخلص روجين إلى أن قادة كل من الولايات المتحدة والصين ارتكبوا أخطاء تكتيكية كبيرة خلال السنوات الأربع الماضية.
وأوضح أن إدارة ترامب أساءت معاملة حلفاء الولايات المتحدة وارتكبت "أخطاء فادحة عن تطوع منها". وكانت النتيجة أن هذه "الحقبة الجديدة من المنافسة الصريحة مع الصين ينظر إليها كثيرون الآن على أنها مجرد خلاف بين الولايات المتحدة والصين، وليس رداً دولياً على تصرفات الصين أثناء رحلة صعودها" إلى صدارة القوى العالمية.
على الجانب الآخر، فإن قادة الصين "أخطأوا في فهم ترامب وإدارته وأساؤوا تفسير تصرفاته بطريقة فاضحة ومستمرة منذ البداية"، كما أنهم توصلوا مراراً وتكراراً إلى "استنتاجات خاطئة حول ترامب وحول كيفية عمل إدارته".
علاقات جديدة مع إدارة بايدن
أما فيما يتعلق بإدارة بايدن، فيشير الموقع، نقلاً عن الكتاب، إلى أن الإدارة الجديدة تحاول إصلاح بعض "أخطاء ترامب التي ارتكبها طوعياً" ودون داعٍ، وإقناع بقية العالم الديمقراطي بأن وضع الصين بوصفها قوة عظمى ليس مجرد قلق أمريكي ضيق الأفق أو صراع مصالح لا تعبأ فيه الولايات المتحدة بمصالح حلفائها.
ووصلت العلاقات بين بكين وواشنطن لأدنى مستوياتها بين البلدين قبل عقود، خلال رئاسة دونالد ترامب، لكن ذلك التدهور في العلاقات لم يحمل الطابع العسكري في أغلب الأحيان؛ بل تركَّز على الجوانب الاقتصادية والتجارية ووصل إلى "الحرب التجارية" التي تمثلت في فرض الإدارة الأمريكية رسوماً جمركية على البضائع الصينية وردّ بكين بالمثل.
وتدهورت العلاقات أكثر خلال العام الماضي، بسبب جائحة فيروس كورونا وإصرار ترامب على تسميته "الفيروس الصيني"، ومع ظهور المؤشرات على هزيمة ترامب بالانتخابات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بدا أن ذلك التدهور في العلاقات بين بكين وواشنطن في طريقه للتوقف، وأن الأمور في طريقها إلى أن تشهد تحسناً تدريجياً بتلك العلاقات، خصوصاً مع النهج التعاوني على مستوى السياسة الخارجية الذي أعلنت إدارة بايدن أنها ستتبناه.
لكن سرعان ما اتضح أن العلاقات بين الصين وأمريكا قد دخلت منعطف الحرب الباردة بالفعل، وأنه لا مجال الآن لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ومن المهم هنا تشريح طبيعة تلك العلاقات للتوقف عند أسباب وصولها الآن إلى هذا المنعطف الساخن، الذي يرى كثير من المراقبين أنه قد يكون أشد خطورة على السلام العالمي من فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة.