سار البابا فرنسيس (84 عاماً)، الأحد 7 مارس/آذار 2021، في أحياء مدينة الموصل، التي كانت يوماً ما معقلاً لتنظيم الدولة الإٍسلامية، بعد أن وصل إليها بطائرة هليكوبتر إلى المدينة قادماً من مدينة إربيل، ضمن زيارته التاريخية التي يقوم بها إلى العراق، وتنتهي مساء هذا اليوم.
جلس البابا في إحدى ساحات مدينة الموصل التي كانت في يوم من الأيام قلباً نابضاً للمدينة القديمة، وكان محاطاً بأنقاض المباني وبقايا الدرجات الخرسانية والكنائس العتيقة المهدمة، وهي مبانٍ معظمها محفوف بالمخاطر.
تصريحات البابا بعد مشاهد الدمار
عند وصوله إلى وسط المدينة، صلى البابا، الذي بدا عليه التأثر بحجم الدمار المحيط به، لكل من فقدوا أرواحهم الموصل.
كما عبر البابا عن أسفه لهذه الدمار، وقال: "إنها لقسوة شديدة أن تكون هذه البلاد، مهد الحضارات، قد تعرضت لمثل هذه العاصفة اللاإنسانية التي دمرت دور العبادة القديمة، وألوف الألوف من الناس، مسلمين ومسيحيين ويزيديين وغيرهم، هجروا بالقوة أو قتلوا".
وتابع البابا قائلاً: "اليوم وعلى الرغم من كل شيء، نحن نؤكد من جديد قناعتنا بأن الأخوة أقوى من قتل الإخوة، وأن الرجاء أقوى من الموت، وأن السلام أقوى من الحرب. تنطق هذه القناعة بصوت أكثر بلاغة من صوت الكراهية والعنف. ولا يمكن أن يُخنق وسط الدماء التي تسبب في إراقتها هؤلاء الذين يشوهون اسم الله ويسيرون في طرق الدمار" في إشارة مباشرة فيما يبدو للدولة الإسلامية.
ثم تلا البابا صلاة كرر خلالها التركيز على أحد أهم أهداف زيارته، وهي أول زيارة بابوية إلى العراق، وهو أن من الخطأ على الدوام الكراهية أو القتل أو شن الحرب باسم الرب.
من جانبه قال المطران نجيب ميخائيل رئيس أساقفة أبرشية الموصل وعقرة الكلدانية للبابا: "معاً نقول لا للتطرف.. لا للطائفية.. ولا للفساد".
يذكر أن مدينة الموصل القديمة كانت قد مدمر معظمها بسبب معارك شرسة شنتها القوات العراقية وقوات التحالف الدولي لطرد الدولة الإسلامية.
كما أحيطت زيارة البابا بإجراءات أمنية مكثفة. ورافقت موكبه شاحنات عسكرية مزودة بمدافع آلية واختلط رجال أمن بملابس مدنية بالناس في الموصل بينما برزت مسدساتهم من حقائب على صدورهم.
خائفون من العودة
عانت الطائفة المسيحية العراقية، وهي من بين الأقدم في العالم، بشكل خاص من سنوات الصراع وأصبح تعداد أفرادها نحو 300 ألف انخفاضاً من حوالي 1.5 مليون قبل الغزو الأمريكي للعراق في 2003 وما تلاه من عنف وحشي من المتطرفين الإسلاميين.
وروى الأب رائد عادل كلو، مسؤول كنائس الموصل للسريان الكاثوليك وراعي كنيسة البشارة التي دمرت في الموصل كيف نزح في 2014 مع نحو 500 أسرة مسيحية بينما لم يبق الآن سوى أقل من 70 أسرة.
الأب كلو أضاف: "غادرت المدينة في 2014 مع رعية متكونة من حوالي 500 عائلة مسيحية هاجرت معظمها إلى خارج القطر والبقية الباقية تخاف العودة والذين يسكنون المدينة اليوم من المسيحيين لا يتجاوزون السبعين عائلة".
كما تابع قائلاً: "لكني اليوم أسكن مع مليوني مسلم ينادوني أبونا رائد، أعيش رسالتي معهم وأعمل مع مجلس أسر وعوائل الموصل من أجل تعزيز رسالة التعايش السلمي".
من جانبه حث قتيبة الآغا وهو عضو مسلم يرأس مجلس أسر وعوائل الموصل الاجتماعي الثقافي المسيحيين الذين فروا على "العودة إلى مدينتهم وأملاكهم وأعمالهم".
بعدها، توجه البابا بعد ذلك بطائرة هليكوبتر إلى قرة قوش، وهي منطقة مسيحية اجتاحها مقاتلو الدولة الإسلامية وعادت إليها الأسر تدريجياً وبدأت في إعادة بناء منازلها المدمرة.
وفي قرة قوش، كان في انتظار البابا أحر استقبال حتى الآن في زيارته، إذ تجمع الآلاف من الناس وقد عمت الفرحة بينهم على جوانب الطرق لإلقاء نظرة على الحبر الأعظم.
فيما لم يكن معظمهم يرتدي كمامات رغم ارتفاع حالات الإصابة بمرض كوفيد 19 في البلاد.
يذكر أن البابا فرنسيس عقد أمس السبت اجتماعاً تاريخياً مع المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق آية الله العظمى علي السيستاني وزار مسقط رأس النبي إبراهيم وأدان أعمال العنف باسم الدين والتي وصفها بأنها "أكبر إساءة وتجديف".