قال ثلاثة مسؤولين مطلعين لرويترز الأربعاء، 24 فبراير/شباط 2021، إن المحادثات حول إنشاء خط أنابيب للغاز يتجاوز الخلافات السياسية ويوصل الطاقة على نحو يُعوّل عليه إلى قطاع غزة الفقير، انتقلت من الفكرة المجردة إلى واقع ملموس في الأسابيع الأخيرة.
فيما قال مصدر رسمي فلسطيني لوكالة الأناضول، إن بلاده تلقت إشارات إيجابية من الجانب الإسرائيلي بشأن إمكانية تطوير حقل "غزة مارين" للغاز، قبالة شواطئ قطاع غزة على البحر المتوسط.
فعلى مدى سنوات ظل هذا المشروع احتمالاً بعيداً بسبب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وانهيار محادثات السلام بين الجانبين في 2014 وعدم استئنافها، وسط شكوك متبادلة ونوبات من العنف.
مصالح دولية تلاقت لإيصال الغاز لقطاع غزة
غير أن المسؤولين يقولون إن مصالح إسرائيلية وفلسطينية وقطرية وأوروبية تلاقت في الأسابيع الأخيرة، من أجل توصيل الغاز إلى قطاع غزة في العام 2023.
تقضي الخطة بتوصيل الغاز الطبيعي من حقل لوثيان الذي تديره شركة شيفرون في المياه العميقة في شرق البحر المتوسط عبر خط أنابيب قائم إلى إسرائيل، ومنها إلى قطاع غزة، عن طريق وصلة جديدة مقترحة.
كما قال المسؤولون إن هذا الترتيب الذي لم تستكمل تفاصيله بعد يقضي بأن تمول قطر الجزء المقترح مده في إسرائيل من خط الأنابيب، ويمول الاتحاد الأوروبي الجزء الواقع في القطاع.
إذا نجحت الخطة فسيكون مشروع خط الأنابيب هو أول مشروع منذ سنوات يوفر مصدراً مستقراً للطاقة لقطاع غزة، لينهي بذلك انقطاع الكهرباء المتكرر، الذي كان من عوامل إعاقة اقتصاد القطاع الفلسطيني المحاصر.
فيما قال أرييل إزراحي، مدير شؤون الطاقة في مكتب الرباعية، وهي مجموعة تعمل على دعم مساعي السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وترفع تقاريرها إلى الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا "نحن نتحدث عن تزويد غزة بالكهرباء على مدار الساعة، بما يوفر أساساً لنمو اقتصادي كبير ويسهم في تحقيق السلام والاستقرار".
كما أضاف إزراحي الذي يرأس مجموعة العمل الخاصة بتوصيل الغاز إلى غزة وتمولها الحكومة الهولندية منذ 2015 "الأحداث الأخيرة مثّلت انفراجة حقيقية".
حقل غاز طبيعي مع وقف التنفيذ
يملك الفلسطينيون أول حقل اكتشف في منطقة شرق المتوسط نهاية تسعينات القرن الماضي، المعروف باسم "غزة مارين"، ولم يتم استخراج الغاز منه حتى اليوم، بسبب رفض إسرائيلي لطلبات فلسطينية من أجل استغلاله.
يقع الحقل على بعد 36 كيلومتراً غرب غزة في مياه المتوسط، وتم تطويره عام 2000 من طرف شركة الغاز البريطانية "بريتيش غاز"، التي تخارجت منه لصالح شركة "رويال داتش شل"، قبل أن تغادر هي الأخرى في 2018.
في السياق، قال رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني (الصندوق السيادي)، محمد مصطفى، إن محاولات جدية تجري مع المصريين لتطوير الحقل، وهو ما تم بتوقيع اتفاقية التفاهم.
كما ذكر مصطفى، الذي كان يتحدث في فعالية مرتبطة بالطاقة الشمسية اليوم بالضفة الغربية، أن للمصريين ثقلهم السياسي والجغرافي وخبرتهم في قطاع الغاز، "فرصتنا أصبحت أكبر لاستخراج الغاز من الحقل".
فيما يملك صندوق الاستثمار الفلسطيني 27.5% من الحقل، ومثلها لصالح شركة اتحاد المقاولين (CCC) الخاصة، والنسبة المتبقية (45%) ستكون لمطوّر الحقل. وزاد مصطفى: "بدعم من منتدى غاز شرق المتوسط، المؤسَّس حديثاً، أصبحت فرصتنا أكبر لاستغلال الحقل".
خط أنابيب "لوثيان" عبر غزة
يتوقع مكتب الرباعية أن يشتري الفلسطينيون في البداية حوالي 0.2 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، ربما ترتفع إلى مليار متر مكعب مع توسعة محطة الكهرباء وظهور مستهلكين آخرين.
في الأسبوع الماضي، خصّص الاتحاد الأوروبي خمسة ملايين يورو مبدئياً لتمويل الجزء الذي سيقام في غزة من خط الأنابيب، وسيمتد مسافة أربعة كيلومترات تقريباً بتكلفة تبلغ نحو 20 مليون يورو.
خلال الأسبوع الماضي أيضاً قال المبعوث القطري لقطاع غزة محمد العمادي لوكالة أنباء سوا، التي تعمل في غزة، إن بلاده ستمول الجزء الإسرائيلي من خط الأنابيب الذي يقول مسؤولون إنه سيمتد مسافة 45 كيلومتراً تقريباً، وتبلغ تكلفته نحو 70 مليون يورو.
بينما قال مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون إن قطر مستعدة لسداد كلفة خط الأنابيب في إسرائيل. ولم يرد مكتب العمادي ومكتب الاتصال الحكومي في قطر على استفسارات رويترز. ويصدر الغاز بالفعل من حقل لوثيان الإسرائيلي إلى الأردن ومصر.
رداً على سؤال حول خط أنابيب غزة قالت شيفرون إنها تتطلع "لدعم استراتيجية إسرائيل في تطوير مواردها من الطاقة من أجل مصلحة البلاد والمنطقة"، لكنها لا تعلق على "أي مسائل ذات طبيعة تجارية".
فيما امتنعت شركة ديليك دريلينج الشريك الرئيسي في حقل لوثيان عن التعليق.
تطويق مليونين من الفلسطينيين
تبلغ مساحة قطاع غزة، الذي يعيش فيه مليونان من الفلسطينيين، 360 كيلومتراً مربعاً، ويقع بين شبه جزيرة سيناء المصرية وإسرائيل.
فيما ليس لقطاع غزة منفذ إلى العالم الخارجي سوى عن طريق إسرائيل، التي تسيطر على 90% من حدوده البرية والبحرية، ومصر التي يربطها به شريط بري ضيق في الجنوب.
كما أنه منذ سنوات يفرض البلدان حصاراً مشدداً على قطاع غزة، استناداً لمخاوف أمنية تتعلق بحركة حماس المتشددة التي انتزعت السيطرة على غزة في العام 2007.
اليوم تولد محطة الكهرباء الوحيدة في غزة حوالي 12 ساعة يومياً باستخدام الديزل، وهو وقود أكثر كلفة وأشد تلويثاً للبيئة.
سيمكن خط الأنابيب المحطة من مضاعفة طاقة التوليد إلى مثليها وربما لأربعة أمثالها. ويقدر مكتب الرباعية أنه سيضيف أكثر من مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني.
لكن الحل لن يخفي جميع المشاكل
لا يتوقع أحد تقريباً أن تختفي كل المشاكل، رغم أن مصدراً أرخص وأكثر ثباتاً للكهرباء قد يخفف المحنة الاقتصادية التي يعيشها سكان قطاع غزة، بما يسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة.
فقد سبق أن كانت محطة الكهرباء التي سينتهي عندها خط الأنابيب المقترح عرضة للتأثر بالسياسة.
في 2006 قصفت إسرائيل المحطة بعد أن أسر مسلحون من حركة حماس جندياً إسرائيلياً في عملية عبر الحدود.
خلال العقد الأخير تبادلت حركة حماس والرئيس الفلسطيني محمود عباس الاتهامات بالتسبب في تدهور أزمة الكهرباء.
بينما قال مسؤولون فلسطينيون إن السلطة الفلسطينية التي يرأسها عباس ويدعمها الغرب ستتولى إجراء المحادثات النهائية مع شركة الغاز الإسرائيلية.
قال وليد سلمان، نائب رئيس الشركة الفلسطينية للكهرباء، إنه يأمل التوصل إلى اتفاق في غضون أسابيع، بما يسمح بخفض تكاليف الكهرباء بنسبة 60% ومضاعفة قدرة التوليد إلى 140 ميغاوات على أقصى تقدير.
أضاف أن المحادثات مع شركة ديليك تدور حول اتفاق لتوريد الغاز لمدة خمس سنوات.
في إسرائيل قال وزير الطاقة يوفال شتاينيتز، إن المشروع يتم "بالتنسيق الكامل معنا". ويشمل ذلك المؤسسة الدفاعية والشركة الوطنية الإسرائيلية لخطوط الغاز المملوكة للدولة، التي قال رئيسها التنفيذي إن الخطط جاهزة لمد خط أنابيب للغاز قطره 24 بوصة يمكنه نقل "كميات كبيرة من الغاز".
تترقب الشركة التوصل لاتفاق نهائي ربما في الأسابيع المقبلة لبدء العمل في مد الخط.