يبدو أن نهاية أزمة التعديل الوزاري في تونس أصبحت حلماً صعب المنال، بالنظر للخطوات التصعيدية بين رئيس الجمهورية قيس سعيد، الذي وجّه خطاباً لرئيس الوزراء هشام المشيشي، هذا الأخير الذي أعفى خمسة وزراء مقربين من الرئيس، أمس الإثنين 15 فبراير/شباط 2021.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر مطلعة، فإن "الحزام البرلماني الداعم لرئيس الوزراء هشام المشيشي هو من دعاه لاتخاذ هذه الخطوة كإجراء "انتقامي"، وكردٍّ على موقف رئيس الجمهورية الرافض للتعديل الوزاري، وأن الهدف من هذه الخطوة هو قطع أي صلة تربط رئيس الجمهورية بالحكومة".
مَن وراء إعفاء الوزراء؟
فاجأ المشيشي قصر قرطاج، أمس الإثنين 15 فبراير/شباط 2021، بإعفاء 5 من وزراء حكومته كخطوة يُنظر إليها على نطاق واسع في تونس على أنها تهدف لتقليم أظافر الرئيس، الذي رفض استقبال بعض وزراء التعديل الحكومي، بحجة أنهم متورطون في شبهات الفساد وتضارُب المصالح.
وكشفت مصادر "عربي بوست" أن "عدداً من أساتذة القانون الدستوري المقربين من الأحزاب الداعمة للمشيشي، أكدوا لدى اجتماعهم برئيس الوزراء أنه بإمكانه الذهاب إلى خيار حكومة مصغرة دون حاجة لأداء اليمين أمام رئيس الجمهورية، وهو الخيار الذي يبدو أن المشيشي قد بدأ في تنفيذه".
ويُضاف الوزراء الخمسة المقربون من الرئيس الذين تم إعفاؤهم بداية الأسبوع الجاري، إلى وزير الداخلية توفيق شرف الدين، الذي تم إعفاؤه في بداية يناير/كانون الثاني 2021، والذي يوصف بأنه رجل قيس سعيد الأول في حكومة المشيشي، وهو الذي كان مشرفاً على حملته الانتخابية في الرئاسيات الماضية.
خطوة تصعيدية
أعلن هشام المشيشي، رئيس الوزراء التونسي، إعفاء كلٍّ من محمد بوستة وزير العدل، وسلوى الصغير وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم، وكمال دقيش وزير الشباب والرياضة والإدماج المهني، وليلى جفال وزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية، وعاقصة البحري وزيرة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري من مهامهم، وتعويضهم بوزراء وكتاب دولة في نفس الحكومة سيقومون بدورهم بالإنابة.
وتعليقاً على هذا الإعفاء المفاجئ أكد المحلل السياسي ومستشار الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي عدنان منصر لـ"عربي بوست"، أن "إعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي لخمسة من وزرائه في الحكومة الأولى وتعويضهم بآخرين بالنيابة، هو إجراء عبثي اتخذه الحزام البرلماني الذي يدعم المشيشي، للرد على رفض قيس سعيد الموافقة على التعديل الوزاري واستقبال وزراء تلاحقهم شبهات فساد وتضارب مصالح لأداء اليمين".
وتابع المتحدث في تصريحه أن "قرار إعفاء الوزراء الخمسة إقرار من المشيشي بأنه لم يعد قادراً على تمرير التعديل الوزاري، وبأن كل الخطوات التي اتخذها باستشارة أساتذة القانون الدستوري والمحكمة الإدارية وهيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين، لن تمنحه الشرعية لتمرير هذا التعديل وتجاوز رفض رئيس الجمهورية".
هل أنهى إعفاء وزراء سعيّد الأزمة؟
يبدو أن قرار إعفاء خمسة وزراء من حكومة المشيشي الأولى ليس سوى فصل جديد من التوتر والقطيعة بين رئيسي الحكومة والجمهورية، إذ وصف رابح الخرايفي، الباحث في القانون الدستوري قرار المشيشي بالتصعيدي ضد رئيس الجمهورية، مؤكداً أن "قرار إعفاء 5 من الوزراء المقربين من الرئيس هو إمعان من المشيشي في تحدي الرئيس، وفي تأزيم الوضع والمشهد السياسي".
وأوضح منصر في تصريح لـ"عربي بوست" أن "قرار المشيشي بمثابة صبّ للزيت على نار الصراع بين رئيس الوزراء وحزامه البرلماني من جهة، ورئيس الجمهورية من جهة أخرى"، مشدداً على أن "إعفاء الوزراء لن يحل أزمة التعديل الوزاري، بل سيُعمّقها أكثر".
وأكد محدثنا أن "حكومة المشيشي أثبتت فشلها في التعاطي وحل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية المتفاقمة، وأن قرار تحويلها إلى حكومة مصغرة وإشراف وزرائها على أكثر من قطاع وزاري لن يزيد الحكومة إلا ضعفاً".
الرأي نفسه يُوافقه الكاتب والمحلل السياسي عمر التيس، الذي يعتقد في تصريحه لـ"عربي بوست" بأن "الإشكال اليوم هو انقطاع شعرة معاوية بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة، بما له من دلالات سياسية، وهو ما يعمّق من أزمة الحكم، خاصة في ظل رفض أطراف الصراع مجرد الجلوس معاً على نفس الطاولة".
نهاية حكومة الرئيس
شمل قرار الإعفاء خمس حقائب وزارية، كلها مقربة من الرئيس قيس سعيّد، إذ يرى عدد من المراقبين لتطور الأوضاع في بلاد الياسمين، أن هذا الإجراء يُنهي سيطرة نفوذ رئيس الجمهورية على الحكومة التي يرأسها المشيشي.
وأكد المحلل السياسي علي القاسمي لـ"عربي بوست"، أن "قيس سعيد فقد نفوذه في الحكومة منذ إعفاء وزير الداخلية المقرب منه، وانطلاق رئيس الوزراء في إجراءات التعديل الوزاري".
وفي السياق ذاته، أضاف الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي، أن "قرار الإعفاء هو بمثابة تفكيك لتركة ونفوذ قيس سعيد في "حكومة القصبة" من قبل رئيس الوزراء هشام المشيشي، الذي اختار الاصطفاف مع حزامه البرلماني ضد رئيس الجمهورية الذي عينه".
وتوصف حكومة هشام المشيشي بأنها حكومة الرئيس، في إشارة إلى تدخل رئيس الجمهورية في تعيين وزراء مقربين منه في عدد من الحقائب الوزارية المهمة.
حل البرلمان؟
وفي الوقت الذي ينتظر فيه التونسيون حل أزمة التعديل الوزاري واستقرار الوضع السياسي في البلاد يبدو أن تونس مقبلة على فصول أخرى من "الصراع" المحتدم بين رئيسي الجمهورية والحكومة ومن ورائه حزامه البرلماني.
وفي هذا السياق يؤكد الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي لـ"عربي بوست"، أن "الحزام البرلماني الذي يدعم حكومة المشيشي بصدد تقديم هدايا مجانية لرئيس الجمهورية، الذي لو أحسن استغلالها لأطاح بكل جبهة تُعارضه".
ويفسر الخرايفي ذلك قائلاً إن "الاحتكام للشارع بنزول حركة النهضة وشركائها في مظاهرات للضغط على الرئيس من جهة، ونزول أنصار الرئيس من جهة أخرى للرد على ذلك سيكون بمثابة هدية للرئيس، لأنه بإمكان رئيس الجمهورية في هذه الحالة إعلان تعذر السير العادي لدواليب الدولة، وتعليق العمل بالدستور، وبذلك حل البرلمان والانفراد بمهمة إدارة البلاد".
وأشار المتحدث إلى أن ما يحصل في الجزائر قد يمنح سعيد هدية أخرى، حيث يسعى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى حل البرلمان، وهو ما سيوفر لسعيد أرضية وأجواء مناسبة لحل البرلمان في تونس.
خطاب الرئيس
ساعات بعد إعفاء هشام المشيشي لوزراء سعيد في الحكومة، وجه رئيس الجمهوري رسالة إلى رئيس الوزراء، أمس الإثنين 15 فبراير/شباط 2021، اتَّهمه بـ"تجاهل بعض أحكام الدستور" في التعديل الوزاري الأخير.
أيضاً دعا رئيس البرلمان راشد الغنوشي جميع الأطراف إلى التعامل بمرونة، وعدم تعطيل مصالح الدولة والمجتمع، معتبراً أن "أداء اليمين (للوزراء الجدد) لا يُقاس بمقاييس الإجراءات الشكلية أو الجوهرية، بل بالالتزام بما ورد في نصّ القَسَم، وبالآثار التي ستترتب عليه، لا في الحياة الدنيا فقط، ولكن حين يقف من أدّاها بين يدي أعدل العادلين"، بحسب البيان الرئاسي.