اتَّهم الرئيس التونسي قيس سعيد، الإثنين 15 فبراير/شباط 2021، رئيس الحكومة هشام المشيشي بـ"تجاهل بعض أحكام الدستور" في التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه الإثنين. فيما دعا رئيس البرلمان راشد الغنوشي جميع الأطراف إلى التعامل بمرونة، وعدم تعطيل مصالح الدولة والمجتمع.
حيث ذكرت الرئاسة التونسية أن سعيد وجّه إلى المشيشي كتاباً يتعلّق بالجوانب القانونية للتعديل الوزاري.
تضمَّن هذا الكتاب أيضاً تذكيراً بجملة من المبادئ المتعلقة بضرورة أن تكون السلطة السياسية في تونس معبّرة عن الإرادة الحقيقية للشعب، ومؤكداً أن "أداء اليمين (للوزراء الجدد) لا يُقاس بمقاييس الإجراءات الشكلية أو الجوهرية، بل بالالتزام بما ورد في نصّ القَسَم، وبالآثار التي ستترتب عليه، لا في الحياة الدنيا فقط، ولكن حين يقف من أدّاها بين يدي أعدل العادلين"، بحسب البيان الرئاسي.
إقالة 5 وزراء مُقربين من الرئيس
في وقت سابق اليوم، أعلن المشيشي إقالة 5 وزراء مقربين من الرئيس من حكومته، وكلّف آخرين بالإشراف على وزاراتهم بالنيابة، لحين تعيين وزراء جدد، في خطوة يرى البعض أنها قد تزيد من حدة التوتر بين سعيد والمشيشي بشأن تشكيل الحكومة.
وبحسب بيان صادر عن الحكومة التونسية، فإن المشيشي في انتظار استكمال إجراءات التعديل الوزاري، الذي نال بمقتضاه الوزراء ثقة مجلس نواب الشعب، بتاريخ 26 يناير/كانون الثاني 2021، فيما بدت بوادر التفاتة على رفض قيس سعيد للوزراء الجدد، الذين عيّنهم المشيشي في حكومته لتشكيل حكومته، والذين أصبحوا الآن في قائمة الانتظار دون أن يتخلى عنهم رئيس الحكومة.
غياب المحكمة الدستورية
إلى ذلك، عبَّر الغنوشي، الإثنين، على هامش جلسة عامة بمقر البرلمان بالعاصمة، عن أمله في ألا يتواصل التعطيل الخاص بأزمة التعديل الحكومي، مشيراً إلى أنهم في البرلمان يعالجون سبباً ليس مباشراً لهذا التعطل. وقال: "نعمل على تركيز (تشكيل) المحكمة الدستورية، وجزء من هذا الخلاف هو وجود أكثر من تأويل للدستور، في حين أن الجهة المؤهلة لتأويله هي المحكمة الدستورية".
يذكر أن المحكمة الدستورية التي أقرها دستور تونس 2014، هي "هيئة قضائية مستقلة ضامنة لعلوية الدستور، وحامية للنظام الجمهوري الديمقراطي وللحقوق والحريات في نطاق اختصاصاتها وصلاحياتها المقررة بالدستور والمبينة بقانونها"، بحسب البند الأول من قانونها الأساسي.
تتكون المحكمة التي تعطل تشكيلها لأكثر من 5 سنوات بسبب غياب التوافق بين الكتل البرلمانية، من 12 عضواً (9 مختصين في القانون و3 من غير المختصين في القانون)، ينتخب البرلمان 4 أعضاء، وينتخب المجلس الأعلى للقضاء (مؤسسة دستورية مستقلة) 4، ويعين رئيس الدولة 4 آخرين.
"حل مؤقت"
كما اعتبر الغنوشي قرار المشيشي بإعفاء 5 وزراء أنه حل مؤقت، مضيفاً: "الحل هو في بناء المحكمة الدستورية، وإلى أن يتم ذلك يجب على كل الأطراف التعامل بمرونة حتى لا تتعطل الدولة ومصالح المجتمع".
وعن تمسك الرئيس قيس سعيد بالتخلي عن وزراء تحوم حولهم شبهات فساد وتضارب مصالح، أوضح الغنوشي أن هذا يعود لرئيس الحكومة، الذي قال إنه يبدو أنه يتجه نحو التوفيق بين ما وصفه برعاية الجانب الدستوري وجانب المصلحة، وليس متجهاً نحو فرض إرادته بالقوة، وعدم المرور بالقوة، والتحرك في إطار الدستور.
العمل على إيجاد جميع الحلول الممكنة
كان المشيشي قد صرّح، الجمعة 12 فبراير/شباط 2021، إن باب الحوار لا يزال مفتوحاً للوصول إلى حلول لأزمة التعديل الوزاري، وأداء اليمين الدستورية، مؤكداً أنه يعمل على إيجاد جميع الحلول الممكنة لحلحلة تلك الأزمة، ومن ضمنها المضي في العمل بحكومة مصغرة تضم 16 وزيراً؛ لضمان تسيير شؤون البلاد، مؤكداً أنه لن يستقيل من منصبه.
ففي تصريحات نشرتها وسائل إعلام محلية، عبّر المشيشي عن أمله في أن يتفاعل الرئيس في أسرع وقت ممكن، مع طلب الحكومة الكشف عن أسماء الوزراء المقترحين محل التحفظ، والذين سبق أن قال بحقهم سعيد إن هناك شبهات فساد تلاحق بعضهم، فضلاً عن تضارب المصالح، لكنه لم يسمّهم.
المشيشي شدّد على أنه لن يستقيل، لأنه يعتبر نفسه جندياً في خدمة بلاده، معتبراً أن ذلك "واجب تجاه مؤسسات الدولة، والجندي لا يهرب"، مشدّداً على أن الوضع لا يمكن أن يطول أكثر من ذلك.
سبب تعطل مصالح الدولة
كما اعتبر المشيشي إصرار رئيس الجمهورية على رفضه استقبال الوزراء المعنيين بالتعديل الوزاري، والذين نالوا سابقاً موافقة وتأييد البرلمان، سبباً رئيسياً في تعطيل المرفق العمومي ومصالح الدولة.
جاءت تلك التصريحات رغم توقع المشيشي، يوم الإثنين 1 فبراير/شباط 2021، أداء الوزراء الجدد لليمين الدستورية أمام الرئيس قيس سعيد خلال الأيام القليلة المقبلة، مشيراً إلى أن اعتمادهم مسألة وقت.
يُذكر أنه في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن المشيشي تعديلاً شمل 11 حقيبة وزارية من 25، وبعد 10 أيام صدّق عليه البرلمان، لكن سعيّد لم يدعُ الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه، وهو ما أحداث أزمة سياسية جديدة بالبلاد.
كان سعيّد قد انتقد، يوم الأربعاء 10 فبراير/شباط 2021، في لقاء مع نواب بالبرلمان، محاولة البحث عما وصفه بـ"مخرج قانوني مستحيل لأزمة اليمين الدستورية"، مجدداً قوله إن التعديل الوزاري تشوبه خروقات عديدة، وإنه حريص على تطبيق الدستور، كما قال.
يشار إلى أن الحزام البرلماني لحكومة المشيشي يتشكل من كتل حركة النهضة (54 مقعداً)، وقلب تونس (29 مقعداً)، والإصلاح (18 مقعداً)، وتحيا تونس (10 مقاعد)، والكتلة الوطنية (9 مقاعد)، وعدد من المستقلين.
كانت حركة "النهضة" التونسية أعلنت، الخميس 11 فبراير/شباط 2021، أنها ستدعو أنصارها إلى النزول للشارع، دعماً للتجربة الديمقراطية، على خلفية ما تعيشه البلاد من "أزمة دستورية".
رغم أن المظاهرات لم يحدَّد لها موعد "نهائي" بعد، فإن مجرد اللجوء إلى الاحتجاج والتلويح به أثار جدلاً بالشارع التونسي، في ظل الأوضاع الراهنة.
لكن الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، فتحي العيادي، قال إنهم يتشاورون مع مختلف القوى الوطنية والأحزاب السياسية لتنظيم الحراك في الشارع، مشيراً إلى أنهم اقترحوا موعداً أوليا للتظاهر، يوم 27 فبراير/شباط الجاري، ويمكن أن تعدل المشاورات الموعد إما بالتقديم وإما بالتأخير.
إضافة إلى الأزمة السياسية، تعاني تونس من أزمة اقتصادية، زاد تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) من حدتها، إلى جانب احتجاجات اجتماعية تشهدها مختلف مناطق البلاد، بين الفينة والأخرى.