قالت صحيفة The Independent البريطانية، الخميس 11 فبراير/شباط 2021، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن ومساعديه يتجنبون عمداً الانخراط في النقاشات المتعلقة بمحاكمة عزل الرئيس السابق دونالد ترامب، وذلك رغم أن مقاطع الفيديو المؤلمة لاقتحام مبنى الكونغرس، في 6 يناير/كانون الثاني 2021، عادت لتتصدر عناوين الأخبار مع الشروع في المحاكمة الرامية إلى عزل ترامب سياسياً، الأمر الذي جعل البيت الأبيض الجهةَ الوحيدة التي تتجاهل هذه القضية ولا تتطرق إليها علناً.
يشار إلى أن فريق الادعاء الديمقراطي عرض قضيته ضد ترامب في اليوم الثاني من المحاكمة البرلمانية بمجلس الشيوخ، وقال إنه سيقدم أدلة تُظهر أن الرئيس السابق لم يكن متفرجاً بريئاً على أحداث اقتحام الكونغرس.
كان بايدن قد أكّد للمراسلين مقدماً، أنه لن يتابع إجراءات محاكمة العزل، وأن رسالة فريقه واضحة: التركيز منصبٌّ على أعمال الحكم والإدارة وليس المحاكمة التاريخية والتفاصيل التي تتكشف في الطرف الآخر من شارع بنسلفانيا (الكونغرس الأمريكي).
كما تجنبت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، جين ساكي، سؤالاً تلو الآخر عن المحاكمة، ورفضت الإفصاح عن رأي بايدن في الإجراءات. حتى إن برنامج بايدن لهذا الأسبوع يبدو أنه مصمَّم لتجنب الالتفات إلى المحاكمة، إذ تتركز فعاليات هذا الأسبوع على الجهود الخاصة بتقديم المساعدة لأولئك الذين يعانون في غمار جائحة كورونا، وتعزيز عمليات توزيع اللقاح للسيطرة على انتشار الفيروس.
"بادين لن يربح شيئاً"
صحيفة The Independent البريطانية نقلت عن مصادر في البيت الأبيض، قولهم إن مستشاري بايدن يقولون إنه لن يربح شيئاً ذا بال من الناحية السياسية إذا ألقى بثقله في المحاكمة، وإن أي تعليق يدلي به سيحوّل التركيز بعيداً عن سوء سلوك سلفه وعن آراء بايدن الخاصة ذاتها.
كما يقول مساعدو بايدن، إن البقاء بعيداً عن تلك المعركة يسمح له بالتركيز على القرارات الخاصة بحزمة الإغاثة المخصصة لمواجهة تداعيات كورونا، والإبقاء على علاقة ودية مع الجمهوريين، خاصة في ظل محاولته الحصول على موافقة لإقرار حزمة مساعدات بقيمة 1.9 تريليون دولار من خلال الكونغرس.
من جهته، تحدث السكرتير الصحفي السابق لحملة أوباما، بن لابولت، عن ملابسات ذلك الاتجاه من بايدن، بالقول إن الرؤساء يمتلكون ذروة رأسمالهم السياسي فور انتخابهم، وعليهم أن يقرروا في أي شيءٍ يُنفقونه، منوهاً إلى أن "جائحة كورونا هي الأولوية الأولى لإدارة بايدن، لذلك لا أعتقد أنه من المفاجئ أن يكون هذا هو الموضوع الذي ينصبُّ التركيز عليه، وأتوقع أن يظل الأمر كذلك حتى تمرير حزمة المساعدات".
لابولت لفت أيضاً إلى أنه "إذا كان الهدف النهائي للديمقراطيين هو كسب دعم الحزب الجمهوري لإدانة ترامب؛ فمن غير المرجح أن يكون استمرار بايدن في الإدلاء ببيانات حول المسألة أمراً يخدم هذه الجهود".
"البيت الأبيض صامت"
لكن هناك شعور لدى بعض مساعدي بايدن بأن الرئيس قد يحتاج الإدلاء بدلوه في نهاية المحاكمة، خاصة إذا دفعت التبرئة المتوقعة ترامب إلى كسر صمته والعودة إلى زيادة تأجيج الانقسام الذي يشهده الشعب الأمريكي.
إلا أن نهج البيت الأبيض العلني حيال إجراءات المحاكمة في الوقت الحالي يظل هو: العزل؟ أي عزل؟ وحينما سُئل بايدن عما إذا كان سيشاهد المحاكمة، جاءت إجابته: "لن أفعل".
أيضاً راوغت السكرتيرة الصحفية للرئيس، جين ساكي، على منصة البيت الأبيض؛ لتفادي قول أي شيء ذي بال عن المحاكمة، مكتفية بالإشارةَ إلى إدانات بايدن السابقة لأعمال الشغب في 6 يناير/كانون الثاني والانتقادات السابقة لترامب.
حيث قالت ساكي، الثلاثاء 9 فبراير/شباط الجاري، إن "بايدن هو رئيس البلاد. إنه ليس خبيراً في تلك الشؤون. ومن ثم فليس مطلوباً منه التعليق على هذه المناقشات كلما جدَّ جديد، ولا هو ملزم بمتابعة سيرها".
كذلك جددت ساكي موقفها حين أكدت يوم الأربعاء 10 فبراير/شباط، أن بايدن "لن يكون معلقاً"، وأنه سيركز بدلاً من ذلك على إطلاق برنامج التطعيم ضد لقاح كورونا، والعمل على تمرير حزمة الإغاثة من تداعيات كورونا، والحصول على تصديق الكونغرس عليها.
وتقول تقارير أمريكية، إنه من الصعب الآن التعرف على رد فعل ترامب، خاصةً أنه لا يمتلك حساباً على "تويتر" يمكنه من خلاله إرسال تعليقاته عليه تزامناً مع محاكمته.
"رسالة انضباط"
في هذا الصدد، جاء جدول بايدن لهذا الأسبوع مُعبراً عن هذه الأولويات، إذ إن رسالة الانضباط تلك تعكس كلاً من الحقائق السياسية والعملية التي ينتهج الرئيس الأمريكي الجديد الالتزام بها في تلك اللحظة، كما تقول الصحيفة البريطانية.
كان بايدن قد التقى وزيرة الخزانة جانيت يلين، وعدداً من كبار رجال الأعمال، الثلاثاء 9 فبراير/شباط؛ للضغط من أجل تمرير حزمة التعافي الاقتصادي. وأعلن يوم الأربعاء 10 فبراير/شباط، فرضَ عقوبات على النظام العسكري بميانمار في أعقاب الانقلاب على الحكومة المنتخبة هناك. والخميس 11 فبراير/شباط، من المخطط أن يزور معاهد الصحة الوطنية الأمريكية؛ لمناقشة برنامج التطعيم في البلاد.
فيما أشارت صحيفة The Independent البريطانية إلى أنه على الرغم من أن مساعدي البيت الأبيض كانوا يعلمون أن الأخبار الخاصة بمحاكمة ترامب ستطغى على قرارات الرئيس وفعالياته، فإنهم مع ذلك حرصوا على إظهار بايدن وهو يعمل، في نوع من تأكيد التناقض مع نهج سلفه الذي لم يبذل كثيراً من الجهد في مواجهة جائحة كورونا.
نهج بايدن هذا تجاه ترامب يتماشى مع نهجه السابق طوال حملته الرئاسية لعام 2020، حيث تجنب الوقوع في مستنقع الجدالات مع كل هجوم أو انتقاد جدلي جديد من ترامب، والاستمرار في التركيز على رسالته الشاملة الخاصة بالعودة إلى قيادة ذات كفاءة تدير البلاد من البيت الأبيض ولا تتورط في ذلك النوع من الجدالات.
يعكس هذا أيضاً اعتقاداً منتشراً بين مساعدي البيت الأبيض الحاليين بأن حصص الثرثرة الصادرة من واشنطن وعلى تويتر، غالباً ما تكون بعيدة كل البعد عن واقع الحياة اليومية للأمريكيين.
"سوابق تاريخية"
كما أضافت صحيفة The Independent البريطانية، أن أقرب سابقة تاريخية إلى اللحظة التي وجد بايدن فيها نفسه حالياً هي تلك اللحظة التي سعى فيها الرئيس الأمريكي الأسبق جيرالد فورد إلى إعادة توحيد الشعب الأمريكي، بعد فضيحة ووترغيت المدمرة واستقالة ريتشارد نيكسون. فحاله حال بايدن، سعى فورد إلى المضي بالبلاد قدماً لتجاوز هذه الفضيحة، من خلال تجاهلها والتركيز على أجندته الخاصة.
ففي خطوة كانت مثيرة للجدل بذلك الوقت، لكنها خطوةً وصفها المؤرخ الرئاسي، جيف إنجل، بأنها مفيدة إلى أقصى درجة للمزاج الوطني للبلاد، أصدر فورد عفواً عن نيكسون.
على المنوال ذاته، يرى إنجل أن بايدن عليه أن يواصل تركيز رسالته على شؤون المواطنين الأمريكيين، بدلاً من الخوض في معارك الكابيتول وانقسامات الكونغرس.
إذ قال إنجل: "أعتقد أن جو بايدن سيتحلى، بحُكم طبيعته، بالمسؤولية، وسيختار التحدث إلى الأمريكيين من جميع الأطياف. ورغم أن ذلك لن يكون علاجاً فورياً لمشكلاتنا على أي نحو، فإنه سيوفر بلسماً، إذا صح التعبير، يتيح للأوضاع المضطربة أن تهدأ" ويخفت هياجها.