لم تُفلح تحركات رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي يميناً وشمالاً حتى الآن في إيجاد حل أزمة التعديل الوزاري في تونس، خصوصاً أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد مازال متشبثاً بموقفه بعدم استقبال وزراء جدد تُلاحقهم شبهات الفساد وتضارب المصالح.
وكشفت مصادر "عربي بوست" أن رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي، الذي يتوقع محللون أن يكون ضحية هذا المأزق الدستوري، استقبل عدداً من أساتذة القانون الدستوري، وطالبهم بحلول دستورية تُمكّنه من تجاوز أداء اليمين أمام الرئيس.
أيضاً، وحسب المصادر ذاتها، فإن المشيشي حاول طرق باب المحكمة الدستورية، بحثاً عن شرعية دستورية لتمرير تعديله الوزاري الأخير.
محاولات "يائسة" للمشيشي
وفي ظل انسداد أي أفق لحل الأزمة، وغياب المحكمة الدستورية (الهيئة الوحيدة المخولة للبتّ في مثل هذا الخلافات)، بدأ رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي البحث عن خيارات ومساعٍ أخرى للضغط على رئيس الجمهورية، ومنح شرعية "دستورية" وقانونية للتعديل الوزاري الذي أجراه.
وقدّم المشيشي بداية هذا الأسبوع الجاري، طلب استشارة إلى المحكمة الإدارية حول دستورية التعديل الوزاري، "على الرغم من أن رأي هذه المحكمة غير ملزم، وأن كل ما يمكن أن تُقدمه هو رأي قانوني حول الخلاف الذي احتدم بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بشأن التعديل الوزاري"، وفق ما أكده الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية عماد الغابري لـ"عربي بوست".
من جهة أخرى، استقبل أمس الأربعاء، 10 فبراير/شباط 2021، رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي عدداً من الخبراء وأساتذة القانون الدستوري، لاستشارتهم حول دستورية التعديل الذي أجراه، وكذلك دستورية موقف رئيس الجمهورية منه.
وفي هذا السياق يؤكد المحلل السياسي، بسام حمدي، أن "تحركات هشام المشيشي الأخيرة هي بمثابة رقصة الديك المذبوح، لأن رئيس الوزراء بات على وعي تام بأنه ارتكب خرقاً دستورياً في إجراء التعديل، بعدم احتكامه لأحكام الفصل 94 من الدستور، والذي ينص على أن رئيس الوزراء يُصدر الأوامر الفردية التي يوقعها بعد مداولة مجلس الوزراء، وتسمى الأوامر الصادرة عن رئيس الحكومة أوامر حكومية".
أيضاً، وحسب ما فسر المتحدث ذاته في تصريح لـ"عربي بوست"، فإن رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي احتكم إلى النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، الذي يأتي في منزلته القانونية عن دستور البلاد.
وأضاف حمدي أن مثل هذه الاستشارات بخصوص أزمة التعديل الوزاري في تونس لن تقدم لهشام المشيشي الحل، لأن المحكمة الإدارية وأساتذة القانون الدستوري يقدمون آراءهم في الأزمة الدستورية فقط التي تسبَّب فيها، ولن يمنحوه صك غفران على الخطأ الذي ارتكبه.
وكشفت مصادر "عربي بوست"، أن أغلب أساتذة القانون الدستوري نصحوا المشيشي بضرورة حل أزمة التعديل الوزاري في تونس عبر التفاوض مع رئاسة الجمهورية، لأن مرور الحكومة لأداء مهامها بالقوة دون أداء اليمين سابقة خطيرة، يمكن اللجوء إليها مستقبلاً، ويمكنها أن تمس من التجربة الديمقراطية التونسية وتشكل خرقاً للدستور.
سعيد متشبث بموقفه
وفي تطور مفاجئ، دعا رئيس الجمهورية قيس سعيد، أمس الأربعاء، 10 فبراير/شباط 2021، نواباً ممثلين لعدد من الكتل النيابية في البرلمان (باستثناء قلب تونس والحزب الدستوري الحر وائتلاف الكرامة) لبحث سبل الخروج من الأزمة.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر مطلعة، فإن رئيس الجمهورية سيقدم تحفظاته على التعديل الوزاري، بالإضافة إلى تحفظه على أسماء الوزراء الذين تتعلق بهم شبهات فساد، والذين يرفض استقبالهم لأداء اليمين.
واستبعدت المصادر ذاتها أن يتراجع الرئيس عن موقفه الرافض للتعديل الوزاري في تونس، وأيضاً لن يتراجع عن قراره الرامي لاستقبال وزراء تتعلق بهم شبهات فساد، من منطلق عدم دستورية الإجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء وفق تقديره.
أزمة التعديل الوزاري في تونس
ورغم المأزق الذي يعيشه رئيس الوزراء وحكومته أمام إصرار رئيس الجمهورية على موقفه الأمر الذي تسبب في أزمة التعديل الوزاري في تونس، لا يبدو أن هشام المشيشي أو حزامه البرلماني يفكرون في التراجع عن التعديل أو تعويض الوزراء الذين تتعلق بهم شبهات فساد.
وفي هذا السياق، أكد الناطق الرسمي باسم حزب قلب تونس (جزء من الحزام البرلماني للحكومة)، الصادق جبنون، لـ"عربي بوست"، أنه "لا مجال لحل أزمة التعديل الوزاري في تونس سوى بأداء اليمين الدستورية للوزراء أمام رئيس الجمهورية، لأن غير ذلك يعني الخضوع لرغبة رئيس الجمهورية، الذي تدخل في صلاحيات رئيس الوزراء التي يكفلها له الدستور، ومنها إجراء تعديل وزاري".
واعتبر المتحدث أن مسايرة الرئيس قيس سعيّد تُعتبر بمثابة فرصة تُقدم لرئيس البلاد لبدء تغيير نظام الحكم، من نظام شبه برلماني إلى نظام رئاسي.
وأضاف جبنون أن حزب قلب تونس يدعم التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الوزراء، وموقف رئيس الجمهورية قيس سعيد من هذا التعديل هو موقف مبدئي، لأنه لا ضمان أن قيس سعيد لن يطالب بإقالة رئيس الحكومة، إذا تمت الموافقة على تبديل الوزراء الذين يقول إنهم تتعلق بهم شبهات فساد وتضارب مصالح.
وأضاف المتحدث أن "أزمة التعديل الوزاري في تونس وما يسعى سعيد لتنفيذه يتجاوز التعديل الوزاري، ويصل إلى الرغبة في بناء نظام حكم جديد، شبيه بذلك الذي كان يحكم في الاتحاد السوفييتي، غير أن سعيد يرغب اليوم في تأسيس نظام رئاسي تدعمه لجان شعبية، ولا وجود فيه للأحزاب".
السيناريوهات المتوقعة
وأمام تعمّق أزمة التعديل الوزاري، وتشبث الرئيس التونسي بموقفه، يبدو أن الشارع التونسي سيكون له خيار آخر لمحاولة الضغط على قيس سعيد، إذ دعا عدد من الصفحات المقربة من حركة النهضة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إلى التظاهر ضد ما وصفته بـ"تعطيل الرئيس لدواليب الدولة، واستهداف الشرعية والتجربة الديمقراطية في تونس".
وفي ظل هذا الانسداد لحل توافقي بين رئيسي الجمهورية والوزراء وفشل الوساطات وتفاقم أزمة التعديل الوزاري في تونس، يشير المحلل السياسي بسام حمدي في حديثه مع "عربي بوست" إلى أنه لا يوجد سوى خيارين دستوريين أحلاهما مر أمام هشام المشيشي للخروج من الأزمة، أولهما تقديم استقالته إلى رئيس الجمهورية، وهو السيناريو الذي يُحبذه قيس سعيد حتى يستعيد ورقة تكليف رئيس حكومة جديد، أما الخيار الثاني فهو سحب الثقة من المشيشي في البرلمان، ومن ثم تكليف رئيس حكومة جديد، ولِمَ لا إعادة تكليفه مرة أخرى بتكوين حكومة جديدة.
من جهته يرى المحلل السياسي عبيد خليفي في تصريح لـ"عربي بوست"، أنه وأمام هذا المأزق السياسي الذي تسببت فيه أزمة التعديل الوزاري في تونس ليس أمام المشيشي سوى المجازفة والمرور بقوة في تفعيل التعديل الوزاري، وبالتالي انهيار الدولة إدارياً وهيكلياً، أو المرور إلى وساطة سياسية ربما يقوم بها اتحاد الشغل وغيره من المنظمات الوطنية، ولكن المبادرة ستكون مرتكزة على التضحية بهشام المشيشي، وهو طموح قيس سعيد الذي "غدر به المشيشي وخان الأمانة، وطعنه في الظهر… صحيح أن المأزق خطير، ولكن تعودنا في تونس على الخروج منها بأخف الأضرار".