على وقع كل التحضيرات الإقليمية الجارية لبدء المفاوضات الأمريكية-الإيرانية بعد انتهاء مرحلة الرئيس دونالد ترامب، يلتقط سعد الحريري، الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية إشارات إيجابية خارجية لتمرير تشكيلته الحكومية، بعيداً عن عرقلة رئيس الجمهورية وصهره.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر مقربة من الحريري، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حصل على ضوءٍ أخضر أمريكي حول مبادرته بلبنان، التي عطّلتها إدارة ترامب.
مصادر "عربي بوست" أكدت أنه بالتوازي مع الزيارات التي يقوم بها الحريري لعدد من العواصم العربية لحشد دعم لموقفه، فإن الرئيس ماكرون يعمل على إنضاج مقترحات جديدة في المبادرة الفرنسية، أبرزها المضي قدماً بتذليل العقبات في ملف تشكيل الحكومة العالق بين رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره الوزير جبران باسيل من جهة، وسعد الحريري من جهة ثانية.
من جهتها أكدت مصادر دبلوماسية فرنسية أن ماكرون سيحاول خلال زيارته المقررة إلى السعودية، منتصف فبراير/شباط 2021، إقناع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بدعم السعودية لمبادرته في لبنان، مقابل ذلك استطاع الحريري الحصول على دعم القاهرة وأبوظبي.
زيارة الحريري للقاهرة
في زيارات الحريري الخارجية، يبدو جلياً أن هناك قراراً عربياً تُشكل فيه مصر والإمارات "رأس حربة"، لدعم مبادرة ماكرون حول لبنان، لذا فإن الحريري الذي حصل على وعدٍ تركي خلال لقائه الشهر الماضي الرئيس رجب طيب أردوغان، حصل أيضاً على وعد مصري-إماراتي بتذليل العقبات، ومحاولة تأمين دعم عربي وإقليمي لحكومته.
ويؤكد مصدر سياسي لـ"عربي بوست"، مطلع على تفاصيل اللقاء الذي جمع سعد الحريري بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ أيام في القاهرة، أن الاجتماع تم بحضور كل من وزير الخارجية المصري سامح شكري، ورئيس المخابرات عباس كامل، وكانت مخرجاته إيجابية.
وبحسب المصدر نفسه، فخلال الاجتماع الذي عقده الحريري مع السيسي، أبدى هذا الأخير دعمه للمبادرة الفرنسية، وقال إن "ماكرون ينسق خطواته مع القاهرة بشكل مستمر، وعلى لبنان ألا يخسر هذه الفرصة، لأنه لا يملك أصلاً ترف المفاضلة، في ظل انكفاء المبادرات الدولية والعربية، لا بل حالة اليأس من الملف اللبناني، والتي أدت لهجرة دبلوماسية عربية ودولية من بيروت".
وبحسب المصدر ذاته فإن السيسي أوضح للحريري الموقف المصري تجاه لبنان، لكن عليه أن يُمهد الأجواء للعرب، عبر إبعاد حزب الله عن المشهد السياسي في الحكومة، والتّوصل مع الحزب لاتفاق حول التخلي عن فكرة المشاركة في الحكومة القادمة بشكل مباشر.
وأضاف المصدر ذاته أن السيسي نصح الحريري بعدم القبول بشروط العرقلة الموضوعة من قبل الرئيس وصهره، وأن العزلة عليهما باتت واقعة عربياً وإقليمياً، كما أن "شروط ثلث الحكومة التي يطرحها عون لا يمكن القبول بها، لأنه يطلب أسر الحكومة التي ستكون مسؤولة عن استحقاقات مهمة سياسية واقتصادية"، يقول السيسي، نقلاً عن مصدر "عربي بوست".
وحول الموقف المصري من ابتعاد السعودية عن الملف اللبناني فإن السيسي أوضح للحريري أنه قال سابقاً لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أحد اللقاءات، إن المطلوب من السعودية أن تتعامل مع سعد الحريري كما تتعامل مع رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، فالمملكة تعتبر أن الكاظمي على تماسّ وتنسيق مع إيران، لكنها تدعمه، فلماذا تسري هذه القاعدة على الكاظمي ولا تسري على الحريري؟
ويؤكد مصدر "عربي بوست" أن وفداً مصرياً التقى منذ فترة في بيروت بوفد من حزب الله، في إطار الدخول المصري على خط المبادرة الفرنسية، وأن اللقاء أخذ طابعاً سياسياً لمناقشة أبعاد الأزمة وضرورة تشكيل حكومة "مهمات" تساعد اللبنانيين على اجتياز هذه المرحلة الصعبة والخطيرة، وأنه من الضروري أن يقوم الحزب بالضغط على حلفائه المعرقلين لسحب فتيل الأزمة، والسعي لإنجاز الحكومة قبل فوات الأوان.
زيارة الحريري لأبوظبي
كشف مصدر لـ"عربي بوست" أن الحريري بعد زيارته للقاهرة حطّ رحاله في العاصمة الإماراتية أبوظبي، حيث التقى مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد على مائدة عشاء مطولة، إذ أكد بن زايد للحريري استعداد الإمارات التوسط لدى السعودية لدعم حكومته القادمة، لكن هل يضمن الحريري عدم قيام حزب الله بعمليات عدائية تجاه الخليج؟
وأكد طحنون بن زايد استعداد أبوظبي أيضاً الاستثمار في لبنان بمشاريع من دون تقديم منح أو مساعدات مجانية كما كان يحصل سابقاً، لأن هذه الإيجابية يجب أن تقابلها إيجابية من كافة الأطراف، شرط أن يتوفر الاستقرار السياسي، والمدخل للاستقرار يكون بتشكيل حكومة تلبي تطلعات المجتمع الدولي بعيداً عن الإملاءات الإقليمية والحزبية والطائفية.
وعلى حسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست"، فإن مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد أكد للحريري أن سفيراً إماراتيا جديداً سيصل قريباً لبيروت لتسلّم مهامه الدبلوماسية.
الحريري في بيروت
تؤكد مصادر مقربة من الحريري، أن زيارات الحريري لكل من مصر والإمارات وقبلها تركيا هدفها جمع الدعم وتأمين الغطاء الإقليمي والدولي لبنان، وأن هذه الزيارات مستمرة وستشمل باريس التي وصلها اليوم الثلاثاء 9 فبراير/شباط 2021، وأيضاً بعض العواصم الأخرى.
وأكد المصدر ذاته أن زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري إلى العاصمة الفرنسية جاءت بعد تحديد مواعيد له على مستويات دبلوماسية وسياسية فرنسية رفيعة المستوى، وسيلتقي مساء اليوم الثلاثاء في قصر الإليزيه الرئيس إيمانويل ماكرون.
وأكد المصدر ذاته أن الحريري سيكون في بيروت نهاية الأسبوع الجاري على أبعد تقدير، لأنه مضطر أن يوجّه كلمة يوم 14 فبراير/شباط 2021، بمناسبة مرور 16 عاماً على اغتيال والده الرئيس الراحل رفيق الحريري.
زيارات ماكرون للخليج
مقابل ذلك كشفت مصادر "عربي بوست"، أن الجميع يرصد التحضيرات الفرنسية لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى كل من السعودية والإمارات، منتصف الشهر، فبراير/شباط 2021، بعدما تبين أنها ستبدأ من عاصمة الإمارات العربية المتحدة أبوظبي، قبل التوجّه إلى الرياض في موعد أقصاه ما بين 19 و21 فبراير/شباط 2021، بانتظار تأكيد المعلومات الرسمية التي ستصدر عن قصر الإليزيه بداية الأسبوع الجاري.
وقالت المعلومات المتوفرة لـ"عربي بوست" إنّ ماكرون يستكمل هذه الجولة للوقوف على آخر المواقف التي ستلاقي نتائج زيارة موفده إلى طهران، خصوصاً أنه يبحث في كيفية تسويق خطته التي عرضها على الجانب الأمريكي، ليؤدي دور الوسيط في انضمام الممكلة العربية السعودية ومعها الإمارات العربية المتحدة إلى المفاوضات حول مستقبل الملف النووي الإيراني، وهو ما يفرض البحث، بما يعني الأزمة اللبنانية وموقعها في هذه الخطة.
وأضاف المصدر ذاته أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طلب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ألا تتخلى بلاده عن لبنان وتتركه لمصيره، وبالتالي انتقال السعودية من حالة النأي بالنفس السلبية عن لبنان إلى مرحلة الانخراط الإيجابي في دعم مساعي الإصلاح والإنقاذ، التي يسعى الحريري والفرنسيون لتفعيلها.