يبدو أن اقتراح وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، ذهب أدراج الرياح، ولن ير النور، بعدما أغلق الرئيس الأمريكي جو بايدن الباب نهائيًا.
وكان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، صرح في لقائه مع قناة سي إن إن الأمريكية يوم 1 فبراير/شباط،، بتصريحات رأى الكثير من الخبراء والمحللين أنها بمثابة انفراجة للأزمة التي يمر بها الاتفاق النووي الإيراني، أو ما يعرف رسمياً بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة".
قال وزير الخارجية جواد ظريف، مقدماً حلاً للنزاع الأمريكي الإيراني، الذي يدور حول من يعود أولاً إلى الصفقة النووية، إن هناك آليات تسمح بما يسمى العودة المتزامنة، والتنسيق عودة كل من الطرفين، بضمانة أوروبية، ليكون هذا حلاً لحالة الجمود الدبلوماسي التي أحاطت بالاتفاق النووي.
رفض بايدن
لكن في حديثه لشبكة سي بي إس، بعد حوار ظريف بأيام، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه لن يخفف العقوبات المفروضة على إيران، حتى تتخذ الخطوة الأولى نحو تقليل التخصيب. وهو ما يعني رفض واشنطن لاقتراح العودة المتزامنة.
في المقابل، قال المرشد الأعلى الإيراني الذي كان قد أظهر موافقته على مقترح ظريف في السابق، أن إيران ستعود للوفاء بالتزاماتها بموجب الإتفاق النووي، إذا رفعت الولايات المتحدة جميع العقوبات.
وشدد على أن "هذه هي السياسة النهائية للجمهورية الإسلامية بإجماع من مسئولي الدولة".
تناولت بعض التقارير الاعلامية نقلا عن مصادر في إدارة بايدن، أن الإدارة من الممكن أن تبحث السبل المطروحة لتقليل الضغط الاقتصادي عن إيران، لكن خامنئي أكد على أن القرار النهائي هو رفع جميع العقوبات لتعود إيران إلى الاتفاق النووي.
وقال وزير الخارجية جواد ظريف بعد فشل اقتراحه بالعودة المتزامنة ورداً على تصريحات خامنئي، في لقاء مع جريدة همشهري الايرانية "لا يوجد حالياً اتفاق بالإجماع في إيران للحكم على التفاوض مع الولايات المتحدة"
ما هي العودة المتزامنة؟
منذ تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه في 20 يناير/كانون الثاني، وكان الجدل حول من سيعود أولاً إلى الاتفاق النووي، طوال الأسابيع الماضية، تمسكت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بشرط رفع واشنطن لجميع العقوبات التى تم فرضها من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وحينها ستعود إلى الامتثال الكامل لبنود الاتفاق النووي لعام 2015، دون تعديل أو إضفاء أي بنود جديدة على الاتفاق الأصلي.
في الوقت ذاته، اشترطت إدارة بايدن امتثال إيران الكامل أولاً، كي تعود الولايات المتحدة الأمريكية للصفقة النووية، ما خلق نوعاً من الجمود حول مسألة عودة كلا الطرفين إلى الاتفاق.
ليأتي اقتراح جواد ظريف ويعطي بصيصاً من الأمل لانفراجة قريبة للاتفاق النووي، الذي تم تدميره من قبل إدارة دونالد ترامب.
مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الإيرانية تحدث لـ"عربي بوست"، عن اقتراح جواد ظريف بشأن العودة المتزامنة، فيقول: "طوال الأسابيع الماضية، كانت المناقشات بين الخارجية الإيرانية والاتحاد الأوروبي، مكثفة، لإيجاد حل لأزمة الاتفاق النووي، وفي النهاية توصل السيد ظريف إلى العودة المتزامنة والتي ستكون بإشراف السيد جوزيف بوريل".
وبحسب المصدر، فإن الاقتراح الذي تمت مناقشته بين الجانب الإيراني والأوروبي، يتضمن التنازل مؤقتاً عن شرط إيران رفع العقوبات المفروضة عليها بشكل كامل، وأن يتم العودة إلى الاتفاق النووي على مراحل متعددة، وبخطوات متوازية من قبل الطرفين.
رفع محدود للعقوبات الخاصة بصادرات النفط
ناقش ظريف مع المسؤولين في الاتحاد الأوروبي إمكانية رفع محدود عن العقوبات الخاصة بصادرات النفط الإيرانية، على سبيل المثال، مقابل عكس إيران لبعض الخطوات التي اتخذتها والتي كان من شأنها تخفيف التزامات طهران ببنود الاتفاق النووي.
كان الاقتراح يتضمن رفعاً جزئياً للعقوبات المفروضة على طهران على مراحل، يقابله عكس للخطوات التى اتخذتها إيران لتخفيف التزاماتها ببنود خطة العمل الشاملة المشتركة.
كما تمت مناقشة تفعيل خط ائتمان أوروبي لإيران، وتسهيل استيراد إيران للأدوية، والمستلزمات الطبية، والسلع الإنسانية الأساسية، وانتهاءً بإقناع بعض الشركات الأوروبية بالتجارة مع إيران بشكل مباشر وقانوني، دون الخوف من الوقوع تحت طائلة العقوبات الأمريكية.
موافقة خامنئي وإشراف الاتحاد الأوروبي
جاء اقتراح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بالتزامن مع تصريحات للمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، تفيد بأن إيران ليست في عجلة من أمرها، للعودة إلى الاتفاق النووي بشكل كامل، كما قد صرح سابقاً، بأهمية لعب الأوروبيين دوراً في حالة العودة مرة ثانية إلى الاتفاق النووي.
يقول المصدر المسؤول في وزارة الخارجية الإيرانية لـ"عربي بوست": "وافق الاتحاد الأوروبي على اقتراح ظريف، قبل الإفصاح عنه بعدة أيام، كما اشترطت إيران إشراف الاتحاد الأوروبي على تنفيذ هذه الخطة".
وبحسب مصادر إيرانية مطلعة على سير هذه المناقشات، فإن جواد ظريف قد ناقش اقتراحه بالعودة المتزامنة مع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وحصل على الموافقة منه.
يقول مصدر حكومي إيراني لـ"عربي بوست": "لا يمكن للسيد ظريف اقتراح هذا المقترح علانية دون أخذ الموافقة عليه من المرشد الأعلى، لكن لم يتم الإفصاح لا عن موعد أو تفاصيل اجتماع ظريف آية الله خامنئي".
الاتحاد الأوروبي يحاول دفع واشنطن للعودة الكاملة
بعد أيام قليلة من تصريحات جواد ظريف، التي تضمنت المقترح الجديد للعودة المتزامنة للاتفاق النووي، قال محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني، معلقاً على الأمر: "أن السيد ظريف أساء فهم الأمر".
تصريح واعظي فتح الباب أمام تكهنات بعدم رضا الرئيس روحاني عن هذا المقترح، فقد شدد روحاني -خاصة في الأيام الأخيرة- على ضرورة قيام إدارة بايدن برفع العقوبات بشكل كامل، لكي تتمكن طهران من العودة إلى الاتفاق النووي.
مصدر مقرب من السيد واعظي تحدث لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، يقول: "اقتراح ظريف لم يلقَ ترحيباً كبيراً من إدارة السيد روحاني، التي تريد رؤية أي إنجاز ملموس لها، قبل مغادرتها في الصيف المقبل، رفع العقوبات بشكل كامل، بمثابة انتصار طال انتظاره للسيد روحاني، والوقت ضيق لتحقيقه".
في نفس الوقت، تحدثت مصادر دبلوماسية إيرانية، لـ"عربي بوست"، عن رغبة الاتحاد الأوروبي في دفع واشنطن لرفع العقوبات النووية عن طهران، والعودة الكاملة للاتفاق النووي من قبل كلا الطرفين.
وبحسب المصادر، فإن الاتحاد الأوروبي وعلى رأسه السيد جوزيف بوريل، الذي كان على اتصال مباشر بوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في الآونة الأخيرة، يجري اتصالات مكثفة مع إدارة بايدن، لمناقشة إمكانية رفع العقوبات النووية عن إيران، لضمان العودة الكاملة دفعة واحدة، دون الحاجة إلى تنفيذ العودة على مراحل.
عامل الوقت
كل يوم جديد يمر دون أن تتخذ إدارة بايدن أي خطوة تجاه تأمين العودة إلى الاتفاق النووي، يقلل من إمكانية إنقاذ الصفقة النووية، فمن المفترض ووفقاً للقانون الذي أقره البرلمان الإيراني في وقت سابق، بحلول يوم 21 فبراير/شباط، ستتوقف الحكومة الإيرانية عن التنفيذ الطوعي للبروتوكول الإضافي، ما يعني وقف عمليات التفتيش الدولية للمنشآت النووية الإيرانية.
يقول المحلل السياسي المقيم بطهران حسين جوادي، لـ"عربي بوست": "خطوة وقف التنفيذ الطوعي للبروتوكول الإضافي، تعني نهاية الاتفاق النووي بشكل كامل، كانت طهران مترددة في اتخاذ هذه الخطوة طوال أربع سنوات من بعد انسحاب ترامب من الصفقة، نظراً لحساسية هذه الخطوة، لذلك يجب على إدارة بايدن العمل سريعاً".
يقول المصدر بوزارة الخارجية الايرانية، لـ"عربي بوست": "عامل الوقت مهم جداً، وقد أبلغنا فريق إدارة بايدن من خلال الاتصالات غير المباشرة بهذا الأمر، لذلك فإن اقتراح السيد ظريف الأخير، هو الفرصة الوحيدة الآن لإنقاذ الصفقة النووية".
وبحسب المصدر ذاته، فإن بعض القادة الإيرانيين طلبوا أن تكون المفاوضات بين إدارة بايدن وإدارة روحاني علانية، في المستقبل القريب، في حالة الموافقة على اقتراح وزير الخارجية جواد ظريف.
يقول المصدر: "يريد فريق إدارة بايدن إشراك جميع التيارات السياسية المختلفة في إيران في المفاوضات القادمة حول رفع العقوبات وعكس خطوات طهران، لضمان استمرار تنفيذ هذه التعهدات في ظل الإدارة الإيرانية الجديدة، الأمر مقبول، لكنه ليس أهم شيء الآن".
إلى الآن، لا يبدو أن إدارة بايدن قد اتخذت قرارها بشأن اقتراح وزير الخارجية الإيراني، فبعد تصريحات جواد ظريف قالت الخارجية الأمريكية إن الوقت لم يحن للنظر في مثل هذا الاقتراح.
علقت بعض المصادر الدبلوماسية التي تحدث لـ"عربي بوست" على تصريحات الخارجية الأمريكية الأخيرة، بأن الكرة الآن في ملعب الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ولا يوجد لدى إيران أكثر من ذلك لتفعله.