كشفت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، أن شركة مملوكة للدولة في السعودية رفعت دعوى قضائية في محكمةٍ كندية ضد رئيس المخابرات السعودية السابق سعد الجبري، بدعوى اختلاس مليارات الدولارات، في قضيةٍ تسلِّط الضوء على نزاعٍ ملكيٍّ مرير.
الشركة السعودية للرقابة الشاملة للتكنولوجيا والأمن (Tahakom)، وهي شركة تابعة لصندوق الثروة السيادي السعودي، رفعت دعوى مدنية في محكمة أونتاريو العليا ضد سعد الجبري، الذي فرَّ من السعودية ويعيش الآن في كندا.
تفاصيل الدعوى
فيما تسلِّط الدعوى المرفوعة ضد الجبري الضوءَ على الصدام الذي وقع في أعلى مستويات النظام الملكي السعودي، وتفرض تدقيقاً غير مسبوقٍ في محكمةٍ غربية على المعاملات التجارية المُبهَمة للعائلة الملكية.
وتزعم الدعوى أن محمد بن نايف تواطأ مع الجبري لتلقي ما لا يقل عن 1.2 مليار دولار من الأموال المُختَلَسة. وبحسب الدعوى، قام محمد بن نايف بتحويل 55 مليون دولار على الأقل إلى الجبري كرشاوى، ولم يُذكَر اسم محمد بن نايف، الذي لا يزال مُحتَجَزاً في السعودية، كمُدَّعى عليه في الدعوى المرفوعة في المحكمة الكندية.
وكان الجبري كبير مساعدي الأمير محمد بن نايف، الذي عزله الملك سلمان من منصب وليّ العهد في عام 2017، لصالح ابنه الأمير محمد بن سلمان. واحتجزت السلطات السعودية محمد بن نايف العام الماضي، واتَّهَمَته بالتخطيط لانقلاب.
فيما تتهم الدعوى الجبري أيضاً بتكليف عائلته وأصدقائه بمسؤولية الشركات لضمان السيطرة عليها، مع الحفاظ على مظهرٍ من الانفصال عنها. وتقول الدعوى: "بينما كانت يد الجابري مخفية، كانت بصمات أصابعه في كلِّ مكان".
وفي إحدى الحالات، تقول الدعوى القضائية إن الجبري نقل عقارين في جينيف وفيينا، تُقدَّر قيمتهما معاً بنحو 400 مليون دولار، من شركةٍ تابعة لشركة Tahakom إلى كيانٍ يسيطر عليه في نهاية المطاف. وتزعم الدعوى قائلةً: "كانت هذه مجرد عملية سرقة صريحة نُفِّذَت من خلال سلسلةٍ مُعقَّدة من المعاملات الاحتيالية التي نُظِّمَت من أجل إثراء الجبري وعائلته والمتآمرين معه".
تجميد أصول الجبري
كما أمرت محكمة أونتاريو العليا، يوم الجمعة 22 يناير/كانون الثاني، بتجميد الأصول المملوكة للجبري في جميع أنحاء العالم، وأمرته بالكشف عن أصوله علناً، أو مواجهة عقوبة مُحتَمَلة بالسجن، وفقاً لوثائق المحكمة التي اطَّلَعت عليها صحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
وأمرت المحكمة والبنوك وشركات المحاماة والمحاسبين في كندا وسويسرا وتركيا والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بالكشف عن أيِّ سجلاتٍ تتعلَّق بأصول الجبري، وطلبت مساعدة السلطات القضائية لإنفاذ أمر الكشف عن هذه السجلات.
وتصف الدعوى المكاسب المزعومة التي حصل عليها الجبري بطريقةٍ غير مشروعة، وبعضها مُسجَّلٌ لأفرادٍ آخرين من عائلة الجبري، بأنها تشمل 26 عقاراً في السعودية، تُقدَّر قيمتها معاً بأكثر من 43 مليون دولار، ووحدات سكنية فاخرة في فنادق ماندارين أورينتال وفور سيزونز في بوسطن، والعديد من العقارات في كندا.
في قلب المعركة القانونية الحالية تكمن مزاعم شركة Tahakom بأنها تعرَّضَت للاحتيال في ظلِّ سلطة الجبري. وتزعم أن مجموعةً من الرجال بقيادة الجبري أهدرت 11 مليار دولار من أموال الدولة أثناء عملها في وزارة الداخلية. وتتَّهِم الجبري بتحويل الأموال من الشركات التي تموِّلها وزارة الداخلية لأنشطة مكافحة الإرهاب لنفسه ولعائلته وشركائه.
ودعمت الشركات المبادرات الأمنية السعودية من خلال شراء معدَّاتٍ للشرطة، وتأمين الهواتف، ودفع المال للقادة الأجانب، ونقل العملاء السعوديين حول العالم على متن طائراتٍ خاصة.
تعليق دفاع الجبري
وقالت حملةٌ تُدافع عن عائلة الجبري إن العائلة "ستكافح بقوةٍ ضد مزاعم الفساد المُكرَّرة، وهي واثقةٌ من من أنها ستنجح في إلغاء هذه التهم". وقالت في بيانٍ صدر رداً على القضية: "ترحِّب العائلة بفرصة المواجهة ضد محمد بن سلمان في محافل قضائية محايدة"، ولم يكن من الممكن الوصول إلى محمد بن نايف للتعليق، منذ احتجازه في الرياض العام الماضي.
ويقول أنصار الجبري إن ما أثاره كان العمل المعتاد الذي قام به في المملكة العربية السعودية، وحظي بمباركة الملك الراحل عبدالله، والأمير محمد بن نايف، الذي كان وزيراً للداخلية آنذاك. وجادلت عائلة الجبري بأن الحكومة السعودية تلاحقه، لأنه يعرف أسرار العائلة الملكية، بما في ذلك تفاصيل حول الحياة الشخصية لمحمد بن سلمان، وكيف كان يتلقَّى الأموال وينفقها منذ أن أصبح ولياً للعهد، وما فعله من أجل بسط سلطته.
نفوذ كبير في السعودية وخارجها
فيما كان محمد بن نايف من قبل أحد أكثر أفراد العائلة الحاكمة في السعودية نفوذاً، علاوة على كونه حليفاً موثوقاً للولايات المتحدة، وعُرِفَ بدوره في المساعدة في محاربة تنظيم القاعدة. وكانت إقالته من منصبه آخر خطوات الصعود السريع لابن عمه الأصغر، محمد بن سلمان، إلى السلطة.
وينسب المسؤولون الأمريكيون السابقون للجبري، الذي ظلَّ لسنواتٍ في جانب محمد بن نايف في وزارة الداخلية، الفضل في المساعدة في وقف الهجمات الإرهابية على الأهداف الغربية. وعُزِلَ من منصبه قبل عدة أشهر من عزل رئيسه، ما دفعه إلى السفر إلى كندا.