أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، عن الاستعداد لانطلاق الاستثمار السعودي في العراق وذلك خلال اجتماع افتراضي مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وذلك بعد اتفاق الحكومتين السعودية والعراقية على تشجيع رجال الأعمال السعوديين للاستثمار في الأراضي العراقية.
وقوبل إعلان الكاظمي برفض كبير داخل الأوساط السياسية العراقية الشيعية، بينما أشارت الفصائل المسلحة العراقية والمدعومة من إيران إلى شكوكها الكبيرة تجاه نية المملكة العربية السعودية الاستثمار في العراق.
الاستثمار سعودي في العراق
وكشفت حسب بعض المصادر الحكومية العراقية، التي تحدثت لـ"عربي بوست" أن "رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ما زالا مصرّين على المضي قدماً في تمهيد الطريق أمام الاستثمار السعودي في العراق".
ويقول مصدر حكومي عراقي لـ"عربي بوست" إنه "من المفترض أن يزور وفد سعودي بغداد في الأسابيع المقبلة، لبحث ما توصلت إليه الحكومة العراقية بشأن تأمين الاستثمارات السعودية في العراق".
وبحسب المصدر نفسه، فإن الكاظمي كان قد طرح على الجانب السعودي التفاهم مع الجهات الفاعلة الرافضة للاستثمار السعودي في العراق، للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف.
وأشار المتحدث إلى أن "الكاظمي عرض على المستثمرين السعوديين التفاهم مع الجماعات السياسية والمسلحة من خلال دفع الأموال للسماح لهم بالاستثمار، لكن لم يعلق الجانب السعودي على الأمر إلى الآن".
استعمار وليس استثماراً
كشفت مصادر حكومية عراقية لـ"عربي بوست" عن زيارة وفد سعودي إلى بغداد قريباً بغرض بحث عدد من المستثمرين السعوديين مع الكاظمي، مشروع الاستثمار الزراعي السعودي في أربع محافظات عراقية".
وتحدث المصدر ذاته عن المخاوف الأمنية بشأن هذا المشروع السعودي في العراق، لكن الكاظمي حاول طمأنتهم ووعدهم بتذليل جميع العقبات، وأعلن موافقته التامة لهذا المشروع.
ومن المفترض أن تستمر المملكة العربية السعودية في زراعة مليون هكتار في المناطق الصحراوية التابعة لأربع محافظات عراقية، وهي: محافظة المثنى، الأنبار، النجف وكربلاء.
ورفضت الأحزاب السياسية الشيعية الاستثمار السعودي في العراق بشدة، محذرة من النوايا السعودية من وراء هذه الاستثمارات، خاصة أنها تأتي في ثلاث محافظات شيعية.
وأعلن فاعلان نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق وائتلافه البرلماني "دولة القانون"، الرفض التام لمشروع الاستثمار السعودي في العراق، واصفاً الأمر بأنه استعمار وليس استثماراً.
من جهتها رفضت عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، أكبر الفصائل المسلحة الشيعية فى العراق الموالية لإيران، الاستثمار السعودية في العراق.
وقال قيادي بارز في عصائب أهل الحق لـ"عربي بوست": "لدينا شكوك ومخاوف أمنية من رغبة السعودية في الاستثمار فى المحافظات الشيعية، خاصة أن تاريخنا مع المملكة مليء بالأمور التي أضرت بالشعب العراقي من قبل".
استغلال سياسي
رأى أغلب السياسيين الشيعة أنه من غير المستبعد أن يكون هناك استغلال سياسي من وراء الاستثمار السعودي في العراق، بعيداً عن رغبة ضمنية من الجانب السعودي في ضرب الاستثمارات الإيرانية في العراق.
ويقول النائب البرلماني نعيم العبودي في تصريح لـ"عربي بوست" إنه "لا يمكن تفسير الرغبة السعودية الشديدة في الاستثمار في العراق، بعيداً عن الصراع السعودي الإيراني، ناهيك عن مخاوفنا من الأضرار بمصالح الشعب العراقي، من خلال استغلال هذا المشروع السعودي الذي من المفترض أن يمتد لـ50 عاماً، سياسياً".
وأضاف العبودي في حديثه: "إذا كانت حكومة الكاظمي تريد الاستثمار واستصلاح الأراضي الصحراوية والاستفادة اقتصادياً أمامها المستثمرون العراقيون، فلماذا الإصرار على الاستثمار السعودي الذي تحيط به الشكوك".
في الجهة المقابلة، يرى البعض من مؤيدي الاستثمار السعودي في العراق أن مخاوف الساسة الشيعة نابعة من رغبتهم فى الحفاظ على الاستثمار الإيراني في العراق، هذه الأخيرة التي تُعد المصدر الرئيسي لإيران للحصول على العملة الأجنبية، بعد العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران.
وقال أحد مستشاري الكاظمي لـ"عربي بوست" إن "المخاوف والاتهامات التي تحدث عنها السياسيون والنواب محض هراء، وتحرض على الطائفية ليس أكثر، فالحديث بين الحكومتين السعودية والعراقية بخصوص الاستثمار السعودي في العراق جاءت نتيجة عدداً من اتفاقيات التعاون، وإشراك المملكة في إعادة إعمار العراق".
ويضيف مستشار الكاظمي قائلاً: "أعلن الكاظمي من أول يوم له في منصبه، خطته لانفتاح العراق على محيطه العربي، كما أن إعادة إحياء العلاقات السياسية والاستثمارات مع السعودية جزء من هذه الخطة، والمملكة تُريد مساعدة العراق كبلد جار وشقيق، وليس لها أي أطماع سياسية أو أيديولوجية كما يشيع البعض".
تدخل الفصائل المسلحة
وكما رفضت القوى السياسية الشيعية الاستثمار السعودي في العراق، كان للفصائل المسلحة المدعومة من إيران نفس الرأي والمخاوف، لكنها لم تكتف بالرفض فقط، إذ تدخلت لمنع الحكومة العراقية من الموافقة على مشروع الاستثمار السعودي لاستصلاح الأراضي العراقية.
يقول سياسي شيعي بارز مقرب من إيران لـ"عربي بوست" إن "طهران أيضاً ترفض الاستثمار السعودي في العراق، وتراه تهديداً لمصالحها الاقتصادية ولن تقبل به مهما كلفها الأمر، لذلك أصدرت أوامر وأرسلت الأموال للفصائل المسلحة لشراء الآلاف من الأراضي الصحراوية على طول الحدود مع السعودية، لمنع الأخيرة من المضي قدماً في مشروعها الاستثماري في هذه المحافظات".
وأشار المتحدث إلى أن "وزارة الزراعة العراقية عقدت العديد من الصفقات في الأيام القليلة الماضية لبيع الأراضي إلى عملاء في الفصائل المسلحة العراقية، وبأسعار مرتفعة، لكن بعد الكثير من الفحص والتدقيق والاتصال بالخبراء، أجبرت الفصائل المسلحة بشكل غير مباشر الوزارة على بيع الأراضي الصحراوية بسعر رخيص (مليون دينار أي ما يعادل 670 دولاراً أمريكياً) للكيلومتر مربع من الأراضي الغنية بالمياه الجوفية".
وقال المتحدث لـ"عربي بوست": "أستطيع أن أؤكد بكل يقين، أننا لن نرى أي استثمار سعودي في العراق في المستقبل، لن يحدث ذلك أبداً".
مقابل ذلك وبعد إعلان الكاظمي عن مشروع الاستثمار السعودي في العراق، والرفض الكبير الذي قوبل به، أعلنت وزارة الموارد المائية فى بيان صحفي أن التخزين المستدام للمياه الجوفية في الأراضي التي تطمح المملكة العربية السعودية الاستثمار بها فى المحافظات العراقية الأربع المحددة قليل للغاية ولا يسمح بالتوسع في الاستثمار الزراعي.
وبحسب مصدر حكومي عراقي تحدث لـ"عربي بوست" فإن "وزارة الموارد المائية قد تعرضت لضغوط وتهديدات لإصدار هذا البيان فالجميع الجميع يعلم أن هذه ليست الحقيقة، فتلك الأراضي تم فحصها من قبل المختصين والخبراء قبل عرضها أمام الاستثمار، على أساس طلبت السعودية استصلاح هذه الأراضي".
لا نحتاج للمال السعودي
وبالعودة إلى مسألة شراء الفصائل المسلحة مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية الحدودية مع السعودية قال قائد بارز في كتائب حزب الله العراقية لـ"عربي بوست": "لا نريد المال السعودي المشبوه، نحن سنستثمر هذه الأراضي بأموال عراقية خالصة، سنقوم بزراعة كافة أنواع المحاصيل الزراعية، وستكون هناك مشاريع لتربية الدواجن والأبقار، وفي المستقبل سنُشيد المصانع على هذه الأراضي".
من جهته كشف مصدر شبه عسكري أنه من المفترض أن "تعمل هذه المشاريع الكبيرة على تقليل نسب البطالة بين صفوف الشباب العراقي، كما أنه سيتم إشراك بعض مقاتلي الفصائل المسلحة، الذين يرغبون فى العمل المدني وترك السلاح لفترة من الوقت".
معبر "عرعر"
وبالتزامن مع الحديث عن الاستثمار السعودي في العراق، تمت إعادة فتح معبر عرعر الحدودي بين العراق والمملكة العربية السعودية بعد الإغلاق الذي دام لمدة 30 عاماً.
وترى حكومة الكاظمي أن إعادة فتح معبر عرعر فرصة كبيرة لفتح أبواب التبادل التجاري بين البلدين، بينما يرى آخرون أن المعبر مهدد بالإغلاق مرة ثانية.
وكشف مدير معبر عرعر، العميد حبيب كاظم في حديثه لـ"عربي بوست" أن "الأمور تسير بشكل جيد، وتقوم الحكومة العراقية بتأمين الطرق المؤدية من وإلى المعبر، ما يشير إلى تعاون تجاري مثمر مع السعودية فى المستقبل".
من جهته يرى مصدر أمني تحدث لـ"عربي بوست" أن "هناك تعطلاً لحركة التجارة بين العراق والسعودية إلى الآن بسبب العديد من المخاوف الأمنية، خاصة بعد الرفض الكبير للمشروع السعودي الزراعي في العراق، كما أن الكثير من القوى السياسية والمسلحة تخشى من هذا الانفتاح على المملكة، وهذا يعرض المعبر لخطر الإغلاق في أي وقت، ولن تستطيع الحكومة حمايته".
من جهته يقول النائب البرلماني محمد البلداوي عن كتلة صادقون التابعة لعصائب أهل الحق في البرلمان العراقي لـ"عربي بوست" إن "هذا المعبر يمكن استغلاله لأغراض ليست فقط تجارية وإنما سياسية أيضاً، ونخشى أن تكون مسألة الاستثمار وفتح المعبر تحمل وراءها أهدافاً استراتيجية إقليمية ضد مصالح الشعب العراقي".