اخترقت مجموعة من القراصنة الإلكترونيين حسابات جمعية القرض الحسن، التابعة لحزب الله، إذ أعلنت المجموعة التي تطلق على نفسها اسم "سبيدرز" (Spiderz)، حصولها على تسجيلات الكاميرات المثبتة بفروع المؤسسة في مختلف الأراضي اللبنانية.
إضافة إلى ذلك نشر مجموعة القراصنة لوائح بأسماء المقترضين والمودعين في كل فروع جمعية القرض الحسن، التي تُعد أهم مصرف لحزب الله في لبنان، ومصدراً رئيساً من مصادر تمويله وتبييض أمواله، والمُدرجة على قوائم العقوبات الأمريكية.
كما كشفت عملية اختراق حسابات جمعية القرض الحسن عن تفاصيل متعلقة بقيمة القروض في حسابات الجمعية، ونسبة السداد، ومعلومات شخصية عن المقترضين، وميزانية الأفرع والمؤسسة لعَامي 2019 و2020.
تفاصيل اختراق حسابات جمعية القرض الحسن
كشفت الوثائق المسربة بعد عملية اختراق حسابات جمعية القرض الحسن، أن البيانات المسرّبة أكدت وجود نحو 23 فرعاً تُنتشر في مناطق نفوذ حزب الله، إضافة إلى عدد الدائنين الذي بلغ 203126 شخصاً، تم الكشف عن أسمائهم وتفاصيلهم وعناوينهم.
أما عدد المودعين في حسابات جمعية القرض الحسن فوصل إلى 115440، 55% منهم يتركّزون في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، و8 أسماء منهم يعدون من كبار المودعين بمبلغ يفوق 500 ألف دولار، و30 مودعاً بما يفوق 200 ألف دولار، و340 مودعاً بما يفوق 50 ألف دولار.
وأكدت المعلومات المسربة وجود ملف باسم "رصيد الحسابات المحرّرة"، يُظهر حسابات تعود إلى عامي 2018 و2019، وهذا يكفي لتوريط كل من كُشف عن اسمه في ملف العقوبات التي يعمل عليها الكونغرس الأمريكي على فرضها ضد أي كيان أو فرد متعاون مع حزب الله.
أيضاً، تم الكشف عن إيصالات صادرة عن مصارف محلية، وملفٍ اسمه "بنك" يخص -على ما يبدو- تعاملات الجمعية مع المصارف، وهو الأهم من بين الملفات المسرّبة في عملية اختراق حسابات جمعية القرض الحسن.
وجاء في التفاصيل المسربة، أن المصارف المذكورة بالملف هي كل من بنك بيبلوس، وبنك صادرات إيران، والبنك اللبناني الكندي، وبنك الشرق الأوسط وإفريقيا، والبنك اللبناني السويسري، وجمال ترست بنك، وفينيسيا بنك، وسوسييتيه جينيرال، وبنك الكويت، والعالم العربي، وبنك الاعتماد اللبناني، وبنك لبنان والخليج، وبنك الموارد.
جمعية تحت إشراف إيراني
يقول الصحفي والمحلل السياسي علي الأمين، إن "جمعية القرض الحسن شكّلت أذرعاً للتمدّد والنفوذ داخل البيئة الشيعية، وبقيت مرتبطة مالياً وإشرافياً بالحرس الثوري الإيراني، وهي كالمُؤسسات التي كانت تخضع بشكل علني لمُشرفين إيرانيين مباشرين".
وأضاف المتحدث أن "الإشراف الإيراني المباشر على هذه المؤسسات اللبنانية التي يرعاها حزب الله تراجع في الشكل من دون أن تفقد قيادة الحرس الثوري الإيراني دورها القيادي الفعلي، وهو أمر فرضته مقتضيات مرحلة ما بعد اتفاق الطائف سنة 1990 وانتهاء الحرب الأهلية، إذ عمدت إيران الى إدراج هذه المؤسّسات وما سواها تحت إشراف حزب الله".
وأكد المحلل السياسي في حديثه لـ"عربي بوست"، أنه "خلال بداية تسعينيات القرن الماضي، بدأ تحويل المؤسسات من فروعها الأم بإيران، إلى جمعيات ومؤسسات تجارية وشركات بلبنان، من دون معرفة طبيعة النشاط أو التوجّهات والأهداف التي قامت من أجلها، لكنه تم تأسيسها بالدرجة الأولى لترسيخ النفوذ الإيراني وتعزيزه في لبنان عبر ما يُعرف بولاية الفقيه، كعنوان للسيطرة والتحكّم الكامل بالبيئة الشيعية على وجه الخصوص".
وأشار المتحدث إلى أن "الاختراق الإلكتروني لحسابات جمعية القرض الحسن التي يُشرف عليها لأكثر من ربع قرن، حسين الشامي، أحد القيادات المُؤسِّسة لحزب الله، كشف عن حجم الأعمال المالية في هذه المؤسّسة، والطبيعة التجارية والمالية لها، إذ أظهرت الأرقام المُسرّبة وجود مئات الآلاف من الحسابات الدائنة والمدينة فيها، إضافة إلى التعاملات المالية للقرض الحسن مع عدد من البنوك اللبنانية على الرغم من صدور بيانات نفي من معظم هذه البنوك، في حين أن بعض المطلعين على النظام المصرفي اللبناني أكدوا أنّ هذه المؤسّسة كانت لها في السابق حسابات مصرفية، ولكن تمّ إغلاقها في معظم البنوك المتعاملة بعدما فُرضت العقوبات الأمريكية على حزب الله ومؤسساته".
زلزال مرتقب
خلقت عملية اختراق حسابات جمعية القرض الحسن حالة من الخوف داخل لبنان، إذ إن نشر أسماء المودعين والمتعاملين مع المؤسسة والمصنفة أنها إرهابية منذ عام 2000، سيتسبب في وضع الأسماء المسربة على لوائح العقوبات الأمريكية، ومنعهم من السفر إلى الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي، ما سيزيد العزلة أكثر على لبنان.
وكشف مصدر دبلوماسي أن لجنة العقوبات في الكونغرس الأميركي تسلمت ملفاً مفصلاً عن نشاطات حزب الله المالية وطرق تهربه من العقوبات المفروضة عليه عبر مؤسسات متعددة، أبرزها جمعية القرض الحسن، التي يدير الحزب فيها نشاطه المالي مع شبكة مالية داعمة لأنشطته.
وقال المصدر لـ"عربي بوست"، إن "لدى واشنطن معلومات مفصلة حول كيفية تمكن حزب الله من الالتفاف على العقوبات الأمريكية، من خلال ضغطه على المصرف المركزي والمصارف اللبنانية الأخرى، كما أن المسؤولين الأمريكيين باتوا يدركون أن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، سهَّل لحزب الله أنشطته المالية عبر ابتكار حلول كثيرة تتيح للحزب الالتفاف على العقوبات، والاستفادة من المصارف عبر جمعيات الواجهات التي تدور في فلكه".
وبحسب المصدر ذاته فإن "ملف القرض الحسن وما قد يتمخض عنه لن يمر مرور الكرام عند الإدارة الأمريكية المتابعة لسير العقوبات على الحزب ومؤسساته وحلفائه، وإن رداً مزلزلاً سيُواجه به بعد هذه الفضيحة".
وكشف المصدر ذاته أنه في 30 يونيو/حزيران 2020، تقدَّم رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن القومي في مجلس النواب الأمريكي، النائب جو ويلسون، باقتراح قانون لمكافحة تبييض الأموال الذي يقف خلفه حزب الله، كما طالب بفرض عقوبات على المؤسسات المصرفية اللبنانية التي لها فروع في المناطق الخاضعة لسيطرة الحزب.
وبحسب المصدر ذاته فإن الاقتراح ذكر فروع كل من محافظة النبطية، وإطار بلديات حارة حريك، والشياح، والحدث في الضاحية الجنوبية، إضافة إلى كل من الهرمل، وبعلبك وتمنين الفوقا وصور.
ويرى المصدر ذاته أن تطبيق عقوبات على لبنان، وفق هذا القانون، إذا تمّ إقراره، سيؤدي واقعياً إلى تعطيل جزء كبير من النشاط الاقتصادي والمالي في مناطق حزب الله، إضافة إلى فكّ ارتباط القطاع المصرفي بالحزب بنسبة عالية.
ضحايا الاختراق
تأتي قضية اختراق حسابات جمعية القرض الحسن لتطرح مجموعة أسئلة متعلقة بمصير المودعين في الجمعية والمصارف المتعاونة معها، الذين يُعدون ضحايا الصف الأول لهذه العملية.
وحسب مطلعين على تفاصيل الملف، فإن تداعيات الاختراق سيدفع ثمنها المودعون بشكل مباشر، إذ يُخشى أن تكون ودائع المستفيدين في خطر بعد هذا الاختراق، إذ يمكن أن تتخذ المؤسسة الجمعية من عملية القرصنة التي تعرضت لها حجة لعدم إعادة هذه الودائع، لا سيما أن القرض الحسن مؤسسة لا تخضع للرقابة، وهي خارج النظام المصرفي اللبناني، والمستفيدون منها لا توجد لديهم أي شبكة تأمين تحميهم.
أيضاً وبعد اختراق حسابات جمعية القرض الحسن، هناك تخوف كبير من العقوبات الأمريكية على المصارف المتعاونة مع القرض الحسن، الأمر الذي سيضطر المصرف المركزي إلى اتخاذ قرار بإقفال هذه المصارف، والذي يُفسر أن دائرة الخطر ستشمل عملاء المصارف الأخرى وليس فقط مشتركي ومُودعي القرض الحسن.
إضافة إلى ذلك تخشى الأوساط السياسية أن تكون عملية اختراق حسابات جمعية القرض الحسن مادة لفرض عقوبات على مجموعة جديدة من اللبنانيين ظهرت بياناتهم في عملية الاختراق؛ مما يؤدي إلى منع سفر وإغلاق حسابات خارجية، وضرر في قطاعات تجارية لبنانية.
أزمة اقتصادية
يؤكد الخبير الاقتصادي، خالد أبو شقرا، أن "الأرقام الكبيرة لجمعية القرض الحسن، والتي تم الكشف عنها في التسريب، تُظهر الحجم الكبير بقيمة القروض عن عام 2019، والتي بلغت نحو نصف مليار دولار، واستفاد منها نحو 197 ألف مقترض، أما معدل الإقراض الشهري فبلغ نحو 40 مليون دولار".
وبعيداً عن أهداف جمعية القرض الحسن، تساءل أبو شقرا في حديثه مع "عربي بوست"، كيف ستكون هناك شبكة مالية بهذا الحجم والضخامة تدير مقدرات بملايين الدولارات لآلاف اللبنانيين، خارج المنظومة النقدية والمصرفية وغير خاضعة لقانون النقد والتسليف اللبناني ورقابة المصرف المركزي.
ويرى المتحدث أن "خطورة ظاهرة تحوُّل الجمعيات إلى بنوك تُعتبر نظاماً مصرفياً مُتفلتاً من أي قيود رقابية وتنظيمات حمائية داخل النظام المصرفي الشرعي، وهي تنمو على ازدواجية التدفقات المالية الكبيرة لمن يدورون في فلك حزب الله، إضافة إلى استغلالها حاجة المواطنين الماسَّة إلى القروض سهلة المنال.
إضافة إلى ذلك، وحسب المتحدث نفسه، فإن كثيراً من "المودعين عمدوا مؤخراً إلى سحب ودائعهم من المصارف، وتحديداً بعد فرض العقوبات على جمال ترست بنك صيف سنة 2019 بتهمة تمويل حزب الله".
ومن المرجح، حسب المتحدث، أن يكون قسم غير قليل من المودعين قد عمد إلى توظيف أمواله في مؤسسة القرض الحسن للاستفادة من الفوائد أولاً، وللمساهمة بتمويل النشاطات المالية لحزب الله ثانياً.
أمّا من جهة أخرى، فإن تشدُّد المصارف التجارية بعدم إعطاء القروض لمن لا يملك دخلاً ثابتاً ومستقراً، دفع كثير من المواطنين للتوجه إلى الجمعيات المالية للحصول على قرض مقابل رهن الذهب أو غيره من الأصول العينية.
وليس من المستبعد، بحسب المحلل الاقتصادي أبو شقرا، أن "تكون ميزانية القرض الحسن قد زادت بنسبة كبيرة سنة 2020، نتيجة توقُّف المصارف كلياً عن الاقتراض، هذه المنفعة المشتركة بين المودعين والمقترضين رفعت ميزانية القرض الحسن إلى مستويات قياسية".
ما هي جمعية القرض الحسن؟
تأسست جمعية القرض الحسن على يد حزب الله تحت شعارات خيرية، وحصلت على ترخيص وخبر رسمي من وزارة الداخلية اللبنانية سنة 1987، وانتشرت ضمن البيئة الشيعية المؤيدة لحزب الله وبات لها نحو 35 فرعاً في المناطق الخاضعة لسيطرته بضاحية بيروت الجنوبية ومناطق الجنوب اللبناني ومحافظة البقاع الشرقية، ويصل عددُ زبائها إلى نحو 300 ألف، بينهم نحو 200 ألف مقترض وقرابة 100 ألف مودع.
وحسب مصادر "عربي بوست"، فإن الجمعية كانت تتهيأ مؤخراً لإطلاق خدمة الصرافات الآلية مطلع الشهر القادم، كما أن هذه الجمعية المصرفية هي مصرف بلا ترخيص، إذ إنها لا تدفع ضرائب على الأرباح، ولا تخضع للقوانين المالية، خصوصاً قانون النقد والتسليف، كما لا تخضع لأيّ سلطة رقابية مالية مثل مصرف لبنان أو هيئة التحقيق الخاصة أو لجنة الرقابة على المصارف.