أعاد حدث تطبيع المغرب علاقاتها مع إسرائيل فرضية عودة عبدالإله بنكيران أميناً عاماً لحزب العدالة والتنمية، خصوصاً بعد الانتقادات التي طالت الأمين العام الحالي سعد الدين العثماني، الذي وقّع بصفته رئيساً للحكومة على اتفاق التطبيع مع إسرائيل.
وساعات بعد توقيع اتفاق التطبيع، خرج بنكيران في ظهور إعلامي، دافع فيه عن خيارات "خصمه" العثماني، الأمر الذي اعتبره أعضاء الحزب أن أمينهم السابق يُحاول تعبيد طريق عودته، ويخطب ود القيادات الغاضبة منه داخل الأمانة العامة.
ورغم انتقاد بنكيران لتسيير الأمانة العامة لهذه المرحلة، فإنه تشاطر الموقف مع العثماني بخصوص التوقيع على التطبيع، معتبراً أن الوطن وقضاياه الكبرى أولى من الحزب والمناصب الانتخابية.
مصادر من قيادات العدالة والتنمية أكدت لـ"عربي بوست" أن العثماني اختار الصمت، ورفض تبرير التزامه بمسؤولية دستورية ملقاة على عاتقه كرئيس حكومة يعمل تحت إمرة مؤسسة ملكية، واكتفى بتبسيط موقفه لبعض قواعد حزبه، طالباً منهم التفريق بين صفته الحزبية والأخرى الحكومية.
عودة عبد الإله بنكيران
منذ إعفائه من رئاسة الحكومة، في مارس/آذار 2017، رفض عبدالإله بنكيران اعتزال السياسة، وظلَّ يتابع الوضع في البلاد، وحتى عندما نُشر خبرٌ مفاده اعتزاله السياسية خرج ببيان رسمي، يقول فيه إنه "لن يُعتبر ميتاً قبل أن يموت".
رغبة عودة عبدالإله بنكيران على رأس حزب العدالة والتنمية لا يُصرح بها علناً، فهو يعرف أن النظام الداخلي لحزبه يمنعه من ذلك، فلا مكان داخل الحزب لمرشح يقدم نفسه وبرنامجه عملاً بحديث "إنا لا نولي أمرنا هذا من طلبه"، لكنَّ المؤتمرين المصوّتين هم من يُرشحون بعض الأسماء للتنافس حول منصب الأمين العام.
مُقابل ذلك كان بنكيران يُلمح دائماً أنه سيكون في خدمة الحزب وأعضائه، متى كانوا في حاجة إليه، وفي ظهوره الإعلامي الأخير صرّح قائلاً: "كنت سأغادر الحزب، لكنني فكرت أنه قد يكون في حاجة إليّ يوماً ما".
بنكيران وفي اتصال مع "عربي بوست" ترك جميع الخيارات مفتوحة بشأن عودته لقيادة الحزب، وقال جواباً عن سؤال مدى إمكانية عودته أميناً عاماً لحزب العدالة والتنمية إن "الموضوع لا يحتاج التعليق الآن"، خصوصاً أن الخيار يبقى مطروحاً أمام المؤتمرين وليس بيده.
من جهته قال لحسن الداودي، الوزير السابق في حكومة عبدالاله بنكيران، والقيادي في حزب العدالة والتنمية وأحد مؤسسيه في حديثه مع "عربي بوست"، إنه "لا شيء يمنع عودة عبدالإله بنكيران لقيادة الحزب، إلا أن ذلك يبقى رهيناً بإرادة المؤتمرين، فنحن في العدالة والتنمية لا نرشح أنفسنا والأستاذ بنكيران يعي ذلك جيداً".
ولا يزال عددٌ من أعضاء الحزب يرون أن فرضية عودة عبدالإله بنكيران أصبحت مُمكنة، خاصة أن الذي منعه من الاستمرار على رأسه هو عدم سماح القانون الداخلي بالاستمرار في القيادة لأكثر من ولايتين متتاليتين، لكن هذا المانع زال اليوم، وأصبح بإمكانه العودة إذا ما اختاره مناضلو الحزب.
وبحسب حسن حمورو، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، فإن "عودة عبدالإله بنكيران سيكون لها دور في إعادة تقوية العقيدة السياسية للحزب، وصد محاولات تغييرها لصالح هوية غريبة لا تتناسب مع المسار الذي راكمه الحزب منذ دخوله غمار المشاركة السياسية".
ويضيف المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست" أن "عودة عبدالإله بنكيران هي بيد المؤتمر، وأعضاء المجلس الوطني، وليس بيد شخص آخر، رغم أن روح الحزب مازالت تظهر في خطاب بنكيران ومواقفه".
من جهته قال أنس حيوني، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية وأحد قياداته الشابة في تصريح لـ"عربي بوست" إن "الحزب الذي ترك بنكيران قيادته لم يعد كما كان، بل فقد جزءاً كبيراً من شعبيته ومصداقيته، وهو ما يتقاطع مع تصريحات بنكيران، الذي لم يتردد في مرات عديدة من التعبير عن معارضته لقرارات قيادة الحزب، الشيء الذي يعتبره موالون له تعبيراً منه على استعداده لتحمل المسؤولية من جديد".
على عكس ذلك، يرى امحمد جبرون، مؤرخ ومحلل سياسي في حديثه مع "عربي بوست" أن "مرحلة بنكيران قد انتهت، وأن جيل الشباب داخل حزب العدالة والتنمية هو الذي ينبغي أن يقود الحزب".
وأشار المتحدث إلى أن "عودة عبدالإله بنكيران اليوم أصبحت شبه مستحيلة بعد التطورات التي عرفها المشهد السياسي في المغرب في السنوات الأخيرة، فضلاً عن كونه لن يكون مدعوماً من طرف القيادات الوازنة في الحزب".
صديقي اللدود
ساعات قليلة بعد توقيع سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بصفته رئيساً للحكومة على اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل، خرج عبدالإله بنكيران لصدّ نيران الانتقاد لزميله في الحزب، ورفيقه زمن النضال، رغم الخلاف الهادئ بين الطرفين.
بنكيران رفض لقاءات إعلامية، واختار الظهور في بث مباشر تابعه الآلاف على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مُخففاً الحمل على العثماني، ومبرراً توقيعه مع إسرائيل الذي "يخدم المصلحة السيادية للوطن، التي تبقى أكبر من الحزب"، حسب قوله.
وبعث بنكيران خلال ظهوره الإعلامي رسائل، أولها تمثلت في الحديث بشكل مباشر عن وجود جفاء بينه وبين العثماني، معلناً اختلافه الشديد مع تدبير الأمانة العامة للحزب لهذه المرحلة، أما الرسالة الثانية فقد وجهها لقواعد الحزب لإخماد غضبها من العثماني.
ودافع بنكيران عن العثماني بعد الاستياء الذي غمر جُل أعضاء حزب العدالة والتنمية من توقيع أمينه العام على اتفاق التطبيع مع إسرائيل، خصوصاً أن الحزب حمل لسنوات شعار "التطبيع خيانة".
توقيع العثماني تسبب في حراكٍ غير مسبوق داخل "العدالة والتنمية"، الأمر الذي اعتبره مصدر "عربي بوست" أنه سيخدم أسهم بنكيران على حساب العثماني، ويُعبّد أمامه الطريق لإمكانية العودة لقيادة الحزب، ولم لا رئاسة الحكومة.
بنكيران قال إن "العثماني كرئيس حكومة لا يُمكنه أن يخالف قرارات الملك، لكن كان على الأمانة العامة، باعتبارها أعلى هيئة في الحزب، أن تعلن رأيها الواضح بشأن التطبيع قبل توقيع رئيس الحكومة".
وبحسب مصدر قيادي من العدالة والتنمية تحدث لـ"عربي بوست"، فإن "حديث بنكيران مباشرة مع قواعد الحزب خلال بث مباشر تابعه الآلاف، الهدف منه توجيه رسالة إلى الأمانة العامة وإلى الدولة، كونه مازال قادراً على الإمساك بقيادة الحزب، وأن كلمته لا تزال مسموعة، وأنه يمكن الاعتماد عليه في أصعب الأوقات".
ولم يترك بنكيران فرصة خروجه دون التلميح بامكانية عودته قائلاً: "كنت سأعلن استقالتي من الحزب، لكنني فكرت أنه قد يكون يوماً في حاجة إليّ"، وهي عبارة قريبة إلى ما سبق أن صرح به في لقاء مع شباب الحزب، إذ قال "إذا أردتم عودتي فأنتم تعرفون ما عليكم فعله".
الانقسام مستمر
ظهور عبدالإله بنكيران، الذي دافع فيه عن توقيع سعدالدين العثماني قرار التطبيع مع إسرائيل استقبلته الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بترحيب شديد، خصوصاً أن الأمين العام السابق أبان عن "موقف قوي ومسؤول، ما يؤكد أنه من طينة الرجال الكبار"، حسب البلاغ الصادر عن الأمانة العامة للحزب.
ويرى مصدر قيادي من العدالة والتنمية أن "ظهور بنكيران ضرب بها عصفورين بحجر واحد، أولهما تأكيد استمرار شعبيته بين القواعد، وثانيهما إعادة الجسور بينه وبين الأمانة العامة، التي أصبحت مدينة اليوم له، بالإضافة إلى أنه حصل على رضا قياديين آخرين في الحزب للدفاع عنه".
عبدالعزيز أفتاتي، القيادي في حزب العدالة والتنمية، وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية قدم في حديثه مع "عربي بوست" ما سمّاها بخارطة الطريق التي يجب أن يتبعها الحزب من أجل استعادة المبادرة ومواجهة التطبيع.
وحسب خارطة أفتاتي فعلى حزب العدالة والتنمية فك الارتباط مع الحكومة، وتكليف نائب الأمين العام سليمان العمراني بتسيير الحزب إلى حين عقد مؤتمر استثنائي وانتخاب قيادة جديدة، الأمر الذي رفضه بنكيران.
رفض بنكيران لعقد مؤتمر استثنائي للحزب يعود حسب قيادي من العدالة والتنمية إلى براغماتية بنكيران، الذي لا يريد أن يقود حزباً منقسماً، خاصة أن المؤتمر العادي سيكون مباشرة بعد تنظيم الانتخابات.
وبحسب المصدر ذاته، فإن نتيجة الانتخابات ستحدد بشكل كبير موقع بنكيران والعثماني داخل الحزب، ففي حالة إذا ما تصدر العدالة والتنمية الانتخابات سيكون من الصعب إذا لم نقل من المستحيل عودة عبدالإله بنكيران، إذ من المحتمل جداً أن يُعيَّن سعدالدين العثماني رئيساً للحكومة، أما في حالة فشل الحزب في تصدر الانتخابات فإن الفرصة ستكون مواتية لبنكيران وأنصاره من أجل العودة لقيادة الحزب، إذ سيتأكد بالملموس صدق تحليله واختلافه مع تدبير العثماني للمرحلة.
هكذا ينتخب العدالة والتنمية أمينه العام
على عكس باقي الأحزاب السياسية التي يقدم فيها المرشحون برامجهم ويتنافسون عليها، فإن قوانين حزب العدالة والتنمية تمنع أي عضو من إعلان ترشحه، كما تمنع "الكولسة" القبلية (اختيار الأمين العام في الكواليس قبل الوصول إلى صناديق الاقتراع).
وتنص المادة 38 من النظام الداخلي لحزب العدالة والتنمية أن اختيار الأمين العام يكون بترشيح من أعضاء المجلس الوطني المنتهية ولايته، ومن أعضاء المجلس الوطني الجديد المنتخبين في المؤتمر، وفق مرحلتي الترشيح والتداول، بانتخاب من المؤتمر الوطني.
ويقوم أعضاء المجلس الوطني المنتهية ولايته والمنتخبون الجدد بترشيح عدد من الأعضاء الذين يرون فيهم القدرة لتولي منصب الأمين العام عبر التصويت السري.
وبعد حصر لائحة المرشحين، التي غالباً لا تتجاوز 3 مرشحين من الذين حصلوا على أغلب الأصوات يتم منح المؤتمرين الكلمة من أجل التداول بشأنهم، وترجيح من هو الأقدر على قيادة الحزب، قبل المرور لمرحلة التصويت النهائي.