بعد هجر دام 13 سنة، أخلت مصر يوم الجمعة 25 ديسمبر/كانون الأول 2020، مقتنياتها من مقر قنصلية مصر في غزة، عبر شاحنات حملت مكاتب وأجهزة ومعدات، ونُقلت إلى القاهرة عبر معبر رفح البري، وبالتالي تكون مصر قد أنهت رسمياً مهمة بعثتها في القطاع عقب أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007.
قنصلية مصر في غزة
كشف مصدر فلسطيني حكومي من قطاع غزة، لـ"عربي بوست"، أن "نقل قنصلية مصر في غزة هو قرار إداري بحت وليس سياسياً، إذ انتهى عقد الإيجار للمقر مع نهاية عام 2020، ولعدم استخدام المقر من قبل البعثة المصرية قررت تسليمه لأصحابه لتقنين المصروفات وليس أكثر".
ولإتمام مهمة قنصلية مصر في غزة أرسلت القاهرة وفداً إدارياً إلى قطاع غزة، الأربعاء 24 ديسمبر/كانون الثاني 2020، ضَّم ممثلين عن وزارة الخارجية المصرية وقطاعات أخرى، أشرف على نقل المعدات عبر شاحنات وصولاً إلى معبر رفح جنوب القطاع.
وكان مقر قنصلية مصر في غزة المؤجر الواقع في حي الرمال غرب القطاع في شارع يحمل اسم "السفارة المصرية"، يُستخدم كقنصلية مصرية حتى عام 2007، وعقب أحداث الانقسام الفلسطيني وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة أغلقت البعثة المصرية مقرها في غزة وانتقلت إلى رام الله بالضفة الغربية.
الرواية الرسمية المصرية لم تبتعد كثيراً عن المصدر الحكومي، إذ أكد مصدر باسم الخارجية المصرية في تصريحات صحفية نقلتها قناة العربية، أن "وضع التمثيلية المصرية في قطاع غزة لم يطرأ عليه أي تغيير، وما حدث أن وفداً ذهب للمقر لتفقد المتعلقات والأثاث الموجود منذ فترة وتم نقل جزء منه"، موضحاً أن "مقر قنصلية مصر في غزة مغلق منذ أحداث القطاع قبل 14 عاماً، ولا يوجد تمثيل دبلوماسي مصري في غزة في هذا التوقيت".
واستناداً للرواية المصرية حول قنصلية مصر في غزة، استبعد عبدالله الأشعل، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، أن تحمل الخطوة المصرية أية رسائل سياسية، مؤكداً أن مصر تعتمد سفارتها في رام الله كتمثيلية لها في الأراضي الفلسطينية.
وقال الأشعل في حديث خاص لـ"عربي بوست"، إنه "رغم تحسن العلاقات بين حماس والنظام المصري الحالي، فإن الحديث عن سفارة مصرية تمثل الدولة المصرية في قطاع غزة أمر مستبعد ما دامت هناك تمثيلية رسمية لدى السلطة الفلسطينية، مؤكداً أن وجود لجنة اتصال على مستوى جهاز المخابرات المصرية بغزة لا يُعد تمثيلاً رسمياً".
ورفض عادل الله عبدالرحمن ممثل الجالية المصرية في قطاع غزة التعقيب على أمر قنصلية مصر في غزة، أو الإجابة عن سؤال حول تأثُّر الجالية المصرية في قطاع غزة "والتي أعدادها لا تعد ولا تحصى" وفق تعبيره، من إغلاق القنصلية بشكل كامل، كما رفضت حركة حماس التعقيب على الأمر، ولم تصدر بياناً حول الموضوع.
رسالة احتجاج
من جهته، يرى حسام الدجني، الكاتب والمحلل السياسي، أن خطوة إغلاق قنصلية مصر في غزة تفهم ضمن سياقين، الأول السياق الطبيعي بأن القرار إداري بحت في ظل اعتماد السفارة المصرية برام الله كتمثلية رسمية لمصر في الأراضي الفلسطينية.
أما السياق الثاني، وفق قول الدجني لـ"عربي بوست"، فهو رسالة احتجاج مصرية على حركة حماس، بعد ذهابها إلى تركيا لإجراء حوارات المصالحة الفلسطينية الأخيرة، أو للاحتجاج على سلوك الحركة تجاه العروض المصرية للمصالحة أو لنقاشات إنجاز صفقة تبادل للأسرى بين حماس وإسرائيل.
وكان وفد من المخابرات المصرية قد زار قطاع غزة عدة مرات لمناقشة إنجاز صفقة تبادل أسرى مع قيادة حركة حماس في القطاع، كما عقدت لقاءات بين الحركة والمخابرات المصرية في القاهرة خلال الشهر الجاري.
ويؤكد الدجني أنه لا يُمكن لأي دبلوماسي أن يُفسر ما حصل على أنه إجراء إداري ومتعلق بانتهاء عقد الإيجار، وإلا لمنحت حماس أرضاً لمصر لإقامة مقر لقنصليتها، كما فعلت مع قطر لإنشاء مقر اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة.
وتزداد ضرورة وجود قنصلية مصر في غزة، بالنظر إلى وجود آلاف المصريين في القطاع، ونظراً للارتباط الجغرافي، وتوسع المشاريع المتبادلة بين القطاع ومصر، منها حركة التجارة بتوريد مليون لتر من الوقود لمحطة كهرباء غزة في 2017، تلاها تدفق البنزين بصورة منتظمة عبر بوابة صلاح الدين بكميات تسد عجز احتياجات سكان القطاع.
والرسالة الأخطر التي تريد مصر توجيهها إلى حماس، برأي الدجني، أن "الرسالة السياسية المتعلقة بمستقبل غزة، يفسرها البعض بأنها تأتي في سياق توجه مصري للتعاطي مع غزة عبر البوابة الأمنية فقط".
تحسن ملحوظ
تشهد العلاقة بين النظام المصري وحركة حماس التي تحكم قطاع غزة منذ 2007 تحسناً ملحوظاً بعد عدة لقاءات جمعت قيادة الحركة مع المخابرات المصرية.
وتوالت زيارات وفود حماس إلى القاهرة، بدأت بزيارة يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في قطاع غزة إلى مصر، في يوليو/تموز 2017، تلتها زيارات وفود أمنية وفنية، فضلاً عن أول زيارة خارجية لإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة على رأس وفد من الداخل والخارج، في يونيو/حزيران سنة 2017.
وحاولت حماس من خلال الزيارة تحسين علاقتها بالنظام المصري والانفتاح عليه بعد تعثر بدأ منذ وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي للحكم، والانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي، الذي شهد قطاع غزة في حكمه انفراجاً كبيراً على صعيد السفر والتجارة.
ويلعب النظام المصري دور الوساطة بين حماس والسلطة في ملف المصالحة الفلسطينية، والوساطة بين حماس وإسرائيل لتهدئة الأوضاع في قطاع غزة، ومؤخراً تنشط الوساطة المصرية لإنجاز صفقة تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل.