يضطر الآلاف من السوريين إلى الاستيقاظ باكراً كل صباح من أجل الاصطفاف في طابور طويل للحصول على الخبز، وهو حال أبومحمد ونجليه الكبيرين، الذين يستيقظون كل يوم لصلاة الفجر في دمشق، ثم يتبادلون الأدوار في التوجه لشراء الخبز، وذلك وفق تصريح صحيفة The Washington Post الأمريكية، في تقرير لها السبت 26 ديسمبر/كانون الأول.
وتخضع سوريا لعقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أدت إلى تجميد الأصول الأجنبية المملوكة للدولة ومئات الشركات والأفراد. وتحظر واشنطن بالفعل الصادرات إلى سوريا واستثمار الأمريكيين هناك، فضلاً عن المعاملات المتعلقة بمنتجات النفط والغاز.
ظروف مأساوية
في حديث له مع الصحيفة الأمريكية، قال أبومحمد إنهم يضطرون للانتظار في الصفوف لمدة لا تقل عن 3 ساعات، مما يجعل من الصعب الوصول إلى العمل أو المدرسة في الوقت، وكثيراً ما يتغيب الصبيان عن الصفوف الدراسية الأولى، وأحياناً يتغيبون عن اليوم الدراسي بأكمله.
في مقابلة عبر الهاتف، أوضح أبومحمد: "ذات يوم وقفت 7 ساعات، وفي اليوم التالي 8 ساعات، ثم 6 ساعات. وتضرر عملي. أنا بحاجة للعمل، وللعيش".
أبو محمد، الذي رفض الكشف عن اسمه بالكامل خوفاً من مضايقات الأجهزة الأمنية، هو واحد من عدد يتزايد سريعاً من السوريين الذين يعلقون في طوابير شراء خبز تبدو بلا نهاية.
ربما تكون أزمة الخبز أكثر دلالات الانهيار الاقتصادي في سوريا وضوحاً وألماً، إذ شهدت سوريا انخفاض كمية الخبز المدعوم التي يمكن لمعظم العائلات شراؤها بمقدار النصف أو حتى أكثر.
فيما تضاعف سعر الخبز المدعوم منذ أكتوبر/تشرين الأول، على الرغم من الوعود الرسمية في الربيع بأنَّ ارتفاع أسعار الخبز "خط أحمر" لا يمكن تجاوزه.
الأمر أسوأ في الريف
وأوضح أبومحمد، وهو عامل مصنع وأب لخمسة أطفال، أنه يحتاج من ثلاثة إلى أربعة أكياس من الخبز يومياً.
إذ يشتري كيسين من الخبز الخشن منخفض الجودة من مخبز حكومي، وهي الحصة الكاملة المسموحة له في ظل نظام الدعم، ثم ينتظر في الصفوف في المخابز الخاصة للحصول على أرغفة أخرى ذات جودة أعلى.
وفي حالات الاضطرار اليائسة، يدفع 10 أضعاف السعر الرسمي البالغ نحو 50 سنتاً لشراء المزيد من الأرغفة منخفضة الجودة- هذا إن وجدها- ممن يسميهم "تجار الأزمة" في السوق السوداء.
في خارج المدن الكبرى، الحرمان أسوأ من ذلك، قال أحد سكان مدينة طرطوس الساحلية، في مقابلة عبر فيسبوك: "الرجل الفقير الذي يعيش في القرية لم يعُد لديه غاز، بل خشب فحسب. ولا يتوفر له الخبز".
أزمة خانقة
في مقابلة مع صحيفة الوطن الموالية للحكومة في وقت سابق من هذا الشهر، سعى وزير الزراعة السوري حسن قطنا إلى تبديد السخط العام بالقول: "لنعد إلى صناعة الخبز في منازلنا بدلاً من انتظار المُقدَّم من الحكومة".
في الوقت نفسه، أدت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة- الناتجة عن الحرب وسوء الإدارة والعقوبات الأمريكية والتأثير غير المباشر للانهيار المالي في لبنان المجاور- إلى تدمير قيمة الليرة السورية؛ مما جعل استيراد القمح باهظ التكلفة. وعطلت الأزمة أيضاً إنتاج وتسويق المحاصيل.
وأشارت بعض التقارير الإعلامية ومنشورات على فيسبوك موالية للحكومة إلى عدم وجود أزمة خبز على الإطلاق. وقوبلت هذه بالغضب. وأعرب مواطن طرطوس، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام منه، عن غضبه تحديداً من الوزراء الذين "يجلسون مكتوفي اليدين يسخرون من الناس ويعتقدون أنَّ كل شيء على ما يرام".
مساعدات روسية
إذ ذكرت وكالة إنترفاكس الروسية، 17 ديسمبر/كانون الأول، أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قال إن بلاده ورَّدت 100 ألف طن من القمح إلى سوريا كمساعدات إنسانية منذ بداية 2020 وتعتزم تقديم المزيد.
يعاني اقتصاد سوريا ضغوطاً ناجمة عن الصراع المعقد متعدد الأطراف الذي وصل إلى عامه العاشر، إضافة إلى أزمة مالية في لبنان المجاور.
وتدعم روسيا، وهي من أكبر مصدري القمح في العالم، الرئيس السوري بشار الأسد لكن بياناتها الجمركية الرسمية لا تظهر أي إمدادات كبيرة من القمح لسوريا.
وكالة إنترفاكس، نقلت عن لافروف قوله "فيما يتعلق بأهداف إعادة بناء الاقتصاد السوري، اتخذنا بالفعل قرارات مهمة جداً في الأسابيع القليلة الماضية ستحسِّن بشكل ملحوظ قدرة سوريا على تنظيم هذا العمل بطريقة منهجية".
كما أضاف أن خطوات ملموسة في هذا الصدد قيد البحث حالياً، لكنه لم يكشف عن تفاصيل.
فيما قال وزير الاقتصاد السوري في أكتوبر/تشرين الأول إن بلاده تحتاج لاستيراد ما يتراوح بين 180 ألف طن و200 ألف طن من القمح شهرياً، واتهم "ميليشيات" تمنع المزارعين من بيع القمح إلى الدولة بالمسؤولية عن النقص.