استدعت إسبانيا، الإثنين 21 ديسمبر/كانون الأول 2020، سفيرة المغرب لدى مدريد، كريمة بنيعيش، على خلفية تصريحات حكومية تتعلق بقضية مدينتي "سبتة ومليلية" التابعتين للإدارة الإسبانية، اللتين تطالب الرباط باسترجاعهما.
عودة المطالب بسبتة ومليلية
جاء استدعاء السفيرة المغربية، بعدما تحدث رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، يوم السبت الفائت، في مقابلة مع قناة "الشرق"، عن إمكانية أن "يفتح الملف (سبتة ومليلية) في يوم ما".
وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية قالت إن "كاتبة الدولة المكلفة بالشؤون الخارجية في إسبانيا كريستينا غالاش، استدعت سفيرة المغرب وأخبرتها أن الحكومة تتوقع من جميع شركائها احترام سيادة ووحدة أراضي إسبانيا".
كما طالبت غالاش سفيرة المغرب بتقديم توضيحات بخصوص تصريحات العثماني، فيما لم يصدر موقف رسمي من الرباط بشأن استدعاء سفيرته.
كان لموقف إسبانيا الرافض للاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء المتنازع عنها مع جبهة "البوليساريو" سببٌ في إحياء مطلب استرجاع مدينتي سبتة ومليلية لدى عدد من المغاربة.
يُذكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعترف، يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مُعلناً في ذات الوقت توصل الرباط وتل أبيب إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين الجانبين.
وعلى الرغم من أن المغرب لا يقوم بخطوات فعالة من أجل استرداد مدينتي سبتة ومليلية، فإنه في السنوات الأخيرة تعالت أصوات عدد من الجمعيات المغربية من أجل دفع الدولة نحو التحرك وعدم التخلي عن مدينتي سبتة ومليلية.
في هذا السياق، كشف إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، أن "10 جمعيات مغربية تستعد لتنظيم أسبوع الوحدة الترابية في فبراير/شباط 2021 من أجل مطالبة الدولة بفتح موضوع سبتة ومليلية مع الجارة الإسبانية".
السدراوي أضاف في حديثه مع "عربي بوست" أن "إسبانيا منزعجة من القرار الأمريكي القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء، وتحاول التواصل مع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن من أجل تجميد هذا الاعتراف، وذلك لأنها تُريد استمرار نزاع المغرب مع جبهة "البوليساريو" حتى لا يتفرغ لمستعمرات الشمال، ويطالب باسترجاع سبتة ومليلية".
قضية سبتة ومليلية
تحتل إسبانيا مدينتي سبتة ومليلية منذ قرون، وتُعتبران من أقدم المستعمرات في العالم، إذ إنهما تخضعان للحكم الذاتي، كما أن الدستور الإسباني يعتبر المدينتين جزءاً من تراب إسبانيا ولهما ممثلون في البرلمان.
من جهته لا يعترف المغرب بسيادة إسبانيا على سبتة ومليلية، لكنه لم يضع الملف على طاولة اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة. ويبلغ عدد سكان مليلية حوالي 70 ألف نسمة.
تعتبر مدينتا سبتة ومليلية أيضاً من أولى المستعمرات في شمال إفريقيا، فمدينة سبتة استعمرت سنة 1415 ميلادية، أي قبل سقوط غرناطة، وذلك من طرف البرتغال، هذه الأخيرة التي تنازلت عن المدينة للإسبان سنة 1668 بمقتضى معاهدة لشبونة مقابل اعتراف إسبانيا باستقلال البرتغال، فيما احتلت مليلية من قبل الإسبان سنة 1497 ميلادية.
يرى المؤرخ المغربي الراحل محمد حكيم بنعزوز، وهو حفيد إحدى العائلات الموريسكية التي طُردت من الأندلس، في حوار سابق مع جريدة "التجديد"، أن "احتلال سبتة جاء في سياق رد الفعل على الوجود الإسلامي الطويل في الأندلس".
أشار بنعزوز إلى أنه سقوط مدينة غرناطة، آخر الممالك الإسلامية، قام البرتغاليون باحتلال مدينة سبتة سنة 1415، وهذا كان إبرازاً للقوة أمام الغرناطيين الذين كانوا لا يزالون يقاومون من أجل البقاء.
من جانبه، يؤكد المؤرخ والمفكر المغربي امحمد جبرون ما ذهب إليه محمد حكيم بنعزوز، وقال في تصريح لـ"عربي بوست" إن "احتلال مدينتي سبتة ومليلية جاء في ظرفية اتسمت باختلال موازين القوى بين الشمال والجنوب، أو ما سُمي حروب الاسترداد".
جبرون أوضح أن "البرتغاليين سيطروا على سبتة لأسباب استراتيجية عسكرية وأخرى دينية، فالمدينة هي قاعدة متقدمة للنصارى، الذين كانوا يرغبون في منع المسلمين من العودة إلى الأندلس مرة أخرى، فضلاً عن الخلفية الدينية، إذ كان مشروع نشر المسيحية في شمال إفريقيا واحداً من الأبعاد والخلفيات الأساسية عند البرتغاليين".
كذلك أكد المؤرخ المغربي أن "سبتة تُعتبر واحدة من المدن المغربية التاريخية العظيمة، ولا تقل أهمية عن مدينة فاس ومراكش من الناحية العلمية، إذ نجد مثلاً أن عدداً من العلماء المغاربة وعائلات مغربية عريقة يحملون اسم السبتي".