عام جديد يطوي صفحاته ولا تزال الأوضاع أزمة مدينة بنغازي الليبية غير مستقرة بسبب جرائم الجنرال حفتر، إذ لا يمر يوم واحد دون أن تقع فيه تطورات جديدة تُغير خارطة المشهد الأمني والسياسي وتتبدل فيه مناطق النفوذ والسيطرة والتحالفات، ليبقى المدنيون وحدهم ضحايا الصراع.
وعاشت مدينة بنغازي، التي يسيطر عليها نظام الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، خلال هذا العام فوضى متصاعدة وانعداماً للأمن وقتلاً وخطفاً في مختلف مناطقها، ما جعل الواقع المعيشي والإنساني بها كارثي، ويهدد حياة المدنيين.
النساء ضحايا جرائم الجنرال حفتر
لم تكن عملية اغتيال الناشطة الحقوقية حنان البرعصي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 آخر أبرز الأحداث الأمنية التي شهدتها مدينة بنغازي خلال هذه السنة، بل قامت مجموعة مسلحة باستهداف سيارة ومزرعة عضو لجنة الحوار الليبي في تونس عزة الصيد، يوم الجمعة 14 ديسمبر/كانون الأول 2020 بمدينة البيضاء (200 كيلو متر شرق مدينة بنغازي).
وكشف مصدر لـ"عربي بوست" أن "الهجوم نفذته جماعات تتبنى جرائم الجنرال حفتر، وذلك بواسطة سيارة مفخخة، بسبب تصريحات عزة الصيد أثناء ملتقى الحوار الليبي في تونس، والذي قالت فيه إن الحرب على طرابلس كانت خطأ من الجنرال حفتر".
وفي 17 يونير/حزيران 2019 اختطفت ميليشيات 106 التابعة لصدام حفتر، نجل الجنرال خليفة حفتر، سهام سرقيوة النائب ببرلمان طبرق من منزلها في منتصف الليل بعد رفضها الحرب على العاصمة طرابلس.
سرقيوة بدورها ضحية جرائم الجنرال حفتر، إذ اختطفت وضُرب ابنها وزوجها بالرصاص، ووُضعا بمستشفى ومنعت عنهما الزيارة حسب ما أكده شقيق سرقيوة والذي قال إن "أفراد أسرته مُنعوا من زيارة المستشفى للاطمئنان على زوج شقيقته وابنها اللذين تعرضا للاعتداء أثناء اقتحام المنزل دون أي تفسير".
خطف وفوضى ببنغازي
وكشف مصدر أمني في بنغازي لـ"عربي بوست" أنه "بعد أيام من الاجتماع الأمني الذي عقده خليفة حفتر مع قيادات أمنية وعسكرية في بنغازي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من أجل ضبط الأمن والحد من الاعتداءات المسلحة والخروقات الأمنية التي تشهدها المدينة في الآونة الأخيرة، سجلت بين شهري سبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني 2020 العديد من حالات القتل والخطف في بنغازي، وسط غياب تام للأجهزة الأمنية".
واختطفت مجموعة مسلحة في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 الشاب سفيان الفرجاني من أمام محلات نادي خالد بن الوليد بمنطقة الحدائق، وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 أيضاً اختطف مجهولون رئيس قسم شـؤون المساجد بمكتب الأوقاف ببنغازي، أيمن الدرسي.
بالإضافة إلى ذلك قامت مجموعة مسلحة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 باختطاف المواطن خالد الفرجاني، ونقلته إلى مكان مجهول واعتدت عليه بالضرب وكسرت يديه، واستولت على سيارته، وهواتفه الخاصة، ثم رمته جانب إحدى الطرقات، حسب ما كشفه مصدر مطلع لـ"عربي بوست".
وأضاف المصدر ذاته أن "جرائم الجنرال حفتر من خطف واعتداء وسطو مسلح طالت حتى العسكريين، إذ تعرض العميد ناصر العريبي، التابع لحرس المنشآت النفطية، إلى اعتداء مسلح من قبل إحدى الميليشيات في بنغازي، بعدما قامت مجموعة مسلحة بالاعتداء على منزله بمنطقة أرض شبنة وسرقة سيارته قبل أن تلوذ بالفرار".
وأشار المصدر ذاته إلى أن أسرتي الشابين معتز بن حريز ورفيقه أحمد الساحلي تُواصل البحث عن ابنيهما، اللذين مازال مصيرهما مجهولاً، بعدما اختطفا من إحدى مزارع منطقة سيدي فرج التي داهمتها مجموعة مسلحة مجهولة الهوية في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
بالإضافة إلى ذلك تعرض الطبيب منذر بن شتوان لمحاولة سطو مسلح في بنغازي، بعد مطاردته من قبل مسلحين مجهولين بحسب تغريدة له عبر حسابه بتويتر، إذ قال "إن مجموعة مسلحة تستقل ثلاث سيارات معتمة الزجاج، أغلقت الطريق عليه بعد عملية مطاردة استمرت خمس دقائق"، مشيراً إلى أن "المسلحين حاولوا الاستيلاء على سيارته وسرقة مقتنياته الشخصية، إلا أنهم أفرجوا عنه بعد ما لاحظوا وجود والدته برفقته".
تعذيب وقتل
كشف مصدر لـ"عربي بوست" أنه من "أبرز جرائم الجنرال حفتر وصلت إلى القتل تلك التي تمت خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بعد العثور على المواطن خليفة صالح القذافي، الملقب بخليفة تشيكو، مقتولاً داخل سيارته من نوع "مرسيدس" بطريق البحر في منطقة الصابري، وعليه آثار رصاصة في رأسه".
وبالإضافة إلى صالح القذافي، كشف المصدر ذاته أن المواطن عارف النوال، قُتل أيضاً من قبل مجموعة مسلحة هاجمت منزله بحي السيدة عائشة بمنطقة الهواري في مدينة بنغازي، وذلك فجر يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وقامت برميه بوابل من الرصاص وأردته قتيلاً أمام أسرته.
وأوضح مصدر الموقع أن "الهجوم على منزل المواطن عارف النوال وقتله كان بسبب معارضته لاستيلاء المجموعة على مقر في حي السيدة عائشة ومضايقتها لأهالي الحي"، فيما أشار المصدر ذاته، إلى أن "المجموعة التي قتلت النوال، تابعة لما يعرف بكتيبة 106 التي يقودها خالد حفتر نجل خليفة حفتر".
من جهة أخرى كشفت مصادر من مدينة بنغازي لـ"عربي بوست" أن كتيبة طارق بن زياد اختطفت الشاب موسى ذياب الورفلي، بعد رجوعه إلى البلاد قادماً من تركيا، بعد ما فُرضت عليه عقوبات دولية من الاتحاد الأوروبي في سبتمبر/أيلول 2020، بتهم الاتجار بالبشر والخطف واغتصاب وقتل المهاجرين واللاجئين.
موسى ذياب الورفلي كان يُسيطر على مركز تجميع المهاجرين في مدينة بني وليد (150 كم جنوب مدينة مصراته)، التي تربط طرق الصحراء بنقاط التهريب على طول الساحل الليبي، وكان قد تلقى وعوداً من قبل ميليشيات حفتر بعدم التعرض له في حال عودته من تركيا.
ورجح المصدر ذاته أن عملية الاختطاف كانت بسبب الضغط على مدينة بني وليد لدعم ميليشيات حفتر في عمليات التحشيد العسكرية التي تقوم بها في جنوب سرت والجفرة، وذلك استعداداً لهجوم عسكري على مدينة مصراتة حال عدم الوصول لتوافق في الحوار السياسي الذي يجري في تونس.
تقشف الشعب وغنى آل حفتر
على الرغم من تراجع وتيرة الحرب، فإن جرائم الجنرال حفتر وصلت إلى حد انتهاك حقوق المواطنين، والقيام بجرائم ضد الإنسانية وحقوق الإنسان، إذ رصد "عربي بوست" فيديو لأحد قياديي ميليشيات حفتر يقوم بتهديد المطالبين بحقوقهم البسيطة والمتمثلة في السيولة والكهرباء وغيرهما من الاحتياجات، متوعداً كل من ينوي الخروج في مظاهرة بالقتل والتهجير متهماً إياهم بالخيانة.
لم تتوقف الحالة التي تمر بها المنطقة الشرقية عند مرحلة القتل والاعتقال والخطف وشح السيولة وغلاء الأسعار والانسداد السياسي وملف الجرحى فقط، بل وصلت لحد الاستهزاء عندما أهدى صدام حفتر، نجل الجنرال حفتر خلال حفل زفافه الذي وصف بالأسطوري سيارات فارهة وهواتف باهظة ومبالغ مالية لشعراء أحيوا الحفل قبل أيام بمدينة إجدابيا.
وأهدى صدام حفتر 50 شاعراً سيارات من نوع "تويوتا هايلوكس 2020" وهواتف سامسونغ A21، بقيمة إجمالية بلغت 13 مليون دينار ليبي، ومدير مكتب صدام حفتر، هو من أشرف على توزيع الهدايا فور انتهاء حفل الزفاف الذي أقيم قرب منزل الأصهار الجدد.
مقابل ذلك نشر أسامة بوحلاق العفوري، أحد وجهاء قبيلة العواقير، فيديو نشره على صفحته في فيسبوك يقول فيه إنه ينتقد فيه جرائم الجنرال حفتر مستنكراً إطلاق "جيش حفتر أو كتائب حفتر على الجيش الوطني".
وأضاف العقوري أن "هذا ليس ما تم الاتفاق عليه مع حفتر؛ داعياً نجلي الجنرال المتقاعد خالد وصدام إلى أخذ خطوة إلى الوراء"، قائلاً: "صدام اللي يذلنا نخرج عليه.. يا أولاد حفتر نحن معكم في مركب واحدة، نحن اللي معانا معاه، واللي يذلنا نطلعوا عليه. نحن لا نُذل".
وعقب نشر العقوري للفيديو تلقى تهديدات من بعض الشخصيات التابعة لصدام حفتر، الأمر الذي جعل قبيلة العواقير تعلن استعدادها تسليم أسامة بوحلاق العقوري شرط تقديم استدعاء رسمي، دون اللجوء للقبض عليه عن طريق ملثمين أو سيارات معتمة.