قالت صحيفة The Guardian البريطانية، الأربعاء 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، إن تسريباً نادراً لقائمة سجناء من أحد معسكرات الاعتقال الصينية بيَّن كيف يستهدف برنامج بيانات حكومي أقلية الإيغور المسلمة ويجعلها عرضة للاعتقال، بسبب تجاوزات تشمل مجرد كونهم شبَّاناً صغاراً في السن، أو التحدث إلى شقيق يعيش في الخارج.
بحسب الصحيفة، تأتي قاعدة البيانات التي حصلت عليها منظمة "هيومن رايتس ووتش" (HRW) لتلقي ضوءاً جديداً على كيفية استخدام السلطات في منطقة شينجيانغ لشبكةٍ متشعبة واسعة النطاق، مما يمكن وصفه بـ"الشرطة التنبؤية"، والتي تتعقب الحسابات الشخصية للأفراد ونشاطهم على شبكة الإنترنت وتفاصيل حياتهم اليومية.
معلومات خاصة عن معتقلي الإيغور
تحتوى القائمة المسرَّبة على المعلومات الخاصة بأكثر من 2000 معتقل من الإيغور، كانوا محتجزون في محافظة أقسو بإقليم شينجيانغ بين عامي 2016 و2018، ويبدو أنهم جميعاً قد خضعوا للاعتقال بعد أن أشارت إليهم "منصة العمليات المشتركة المتكاملة" (IJOP).
منصة العمليات هي قاعدة بيانات ضخمة تجمع بين البيانات الشخصية المستمدة من المراقبة الآلية عن الإيغور عبر شبكة الإنترنت والمعلومات التي يجري إدخالها يدوياً في تطبيق مفصّل من قبل مسؤولين عن الأمر.
تتضمن القاعدة معلوماتٍ تشمل كل ما يتعلق بالشخص، من خصائصه الجسدية إلى لون سيارته وتفضيلاته الشخصية، لدخول المنزل من الباب الأمامي أم الخلفي، بالإضافة إلى البرامج التي يستخدمونها عبر الإنترنت وجهات الاتصال المعتادة.
تعليقاً على ذلك، تقول مايا وانغ، وهي باحثة في الشؤون الصينية في منظمة هيومن رايتس ووتش، إن "القائمة [المسربة] من أقسو توفر مزيداً من الاطلاع المتعمق على الدور الكبير الذي تضطلع به التكنولوجيا في إدارة القمع الصيني الوحشي لمسلمي شينجيانغ من الإيغور الأتراك".
محتجزون "دون ذكر الأسباب"
معظم المدرجين في القائمة لم يرد في أسباب احتجازهم سلوكيات غير قانونية أو عنيفة، بل اقتصرت أسباب اعتقال الإيغور على "الإبلاغ عنهم من قبل منصة العمليات المشتركة المتكاملة"، دون مزيد من المعلومات حول الكيفية التي اتخذت بها السلطات بشأنهم هذه القرارات ذات التبعات والآثار المؤلمة.
تشمل التصرفات المدرجة سبباً للاعتقال كونَ المعتقل "غير جدير بالثقة في العموم" أو "مولوداً بعد الثمانينيات". ويبدو أن أحد الرجال قد اعتُقل لعدم دفع إيجار أرضه، وآخرون لإقدامهم على الزواج من أكثر من واحدة.
يُذكر أن بكين كانت قد أنكرت في البداية وجود المعسكرات من الأصل، قبل أن تزعم مؤخراً أنها جزء لا غنى عنه من جهود محاربة التطرف والإرهاب.
معتقلة بسبب مكالمة هاتفية مع شقيقتها
مع ذلك، فإن التفاصيل الواردة في القائمة تكشف عن شبكة واسعة النطاق من استهداف المعتقلين والإيقاع بهم، وتقول وانغ: إن "ذلك يتناقض مع ادعاءات السلطات الصينية بأن تقنياتها (المتطورة) و(التنبؤية)، مثل منصة العمليات المشتركة المتكاملة تحافظ على شينجيانغ آمنة من خلال (استهداف) المجرمين (بدقة)".
لم يقتصر الأمر على ذلك، فمن بين الأسماء التي توردها القائمة ضمن المعتقلين من الإيغور: إحدى السيدات التي ترد تحت اسم "السيدة تي"، والتي اعتقلت، بحسب القائمة، بسبب "روابطها ببلدان موقفها حساس"، وذلك بعد أن سجلت منصة العمليات المشتركة المتكاملة أنها تلقت أربع مكالمات من أختها التي تعيش في الخارج، مع الإشارة إلى مدة هذه المكالمات بالدقائق والثواني.
إذ تحدثت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أخت السيدة تي للتحقق من المعلومات الواردة في الوثائق، لتقول الأخت إن الشرطة كانت قد استجوبت السيدة تي بشأن عائلتها في الخارج في وقت قريب من تاريخ احتجازها.
كما تشير إلى أنه لم يحدث اتصال بينها وبين أختها منذ ذلك الحين، رغم أنها سمعت من مصدر آخر أن السيدة تي تعمل الآن في مصنع بدوام كامل، ولا يُسمح لها بالعودة إلى المنزل إلا في عطلات نهاية الأسبوع. وتشتبه الأخت في أن هذا العمل جزء من برنامج العمل القسري المفروض في معسكرات الاحتجاز.
ثاني تسريب لقوائم المعتقلين من الأقلية المسلمة
من جهة أخرى، يشكّل هذا التسريب ثاني التسريبات التي تورد قوائم بأسماء معتقلين، بعد ما يُعرف بـ"قائمة كاراكاكس"، التي كُشف عنها في وقت سابق من هذا العام، وأبانت عن الطريقة التي تُصدر بها السلطات حكمها بشأن إبقاء شخص قيد الاعتقال أم تركه. ويبدو الآن أن قائمة أقسو تكشف عن طريقة الاشتباه التي تعمل بها السلطات في المقام الأول، وخاصة الدور الذي تضطلع به منصة العمليات المشتركة المتكاملة في ذلك.
مع أن ثمة تسريبات سابقة من وثائق رسمية تتناول هيكلية عمل منصة العمليات المشتركة المتكاملة وشبكة معسكرات الاعتقال في الإقليم بوجه عام، فإن هذه التفاصيل الواردة في قائمة أقسو توفر نظرة نافذة غير مسبوقة حول كيفية عمل المنظومة على أساس يومي.
بخصوص ذلك، تقول وانغ: "رغم أننا سبق أن أجرينا مقابلات مع أشخاص من الإيغور قالوا إنهم اعتقلوا بعد أن أبلغت عنهم منصة العمليات المشتركة المتكاملة، فإن هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها وثائق رسمية تشرح كيف تدير المنظومة عملية الاشتباه في الأشخاص واعتقالهم، على مستوى كل فرد".
تضيف وانغ: "القائمة توضح لنا كيفية عمل المنظومة على أرض الواقع، وعلى مستوى الأفراد، وليس فقط الكيفية التي جرى تصميمها للعمل بها".
جدير بالذكر أن جماعات حقوقية عدة كانت قد وصفت الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان في شينجيانغ، والتي تشمل احتجاز أكثر من مليون شخص في معسكرات الاعتقال وإعادة التأهيل والعمل القسري والتعقيم الجماعي للنساء، وفرض قيود عدة على ممارسة الدين والثقافة واللغة، باعتبارها جرائم إبادة جماعية لثقافة الأقلية المسلمة.