هجوم جديد شنَّه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الجمعة 4 ديسمبر/كانون الأول 2020، عندما وصف ماكرون بـ"المصيبة" التي يجب على فرنسا التخلص منها.
تصريحات الرئيس التركي تأتي في أعقاب الإجراءات التي اتخذتها باريس في حق مجموعة من الجمعيات الإسلامية في فرنسا، وقرار السلطات المحلية بمراقبة ومداهمة مجموعة من المساجد ودور العبادة الخاصة بالمسلمين في فرنسا، والتهديد بإغلاقها.
انتقادات جديدة من أردوغان لماكرون
فقد صرَّح أردوغان للصحفيين لدى مغادرته جامع آيا صوفيا في إسطنبول بعد صلاة الجمعة، حسب ما نقلت عنه قناة "تي آر تي" الرسمية: "إن ماكرون مصيبة لفرنسا، وبرئاسة ماكرون تمر فرنسا بفترة خطيرة جداً. آمل في أن تتخلص فرنسا من مشكلة ماكرون في أسرع وقت ممكن".
فيما سبق للرئيس التركي أردوغان أن انتقد تصريحات للرئيس الفرنسي حول الإسلام، معتبراً إياها "استفزازاً صريحاً وتفتقد للاحترام".
انتقادات أردوغان جاءت بعد ما قاله ماكرون، في خطاب له يوم الجمعة 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بكون الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم، وعلى باريس التصدي لما وصفها بـ"الانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام موازٍ وإنكار الجمهورية الفرنسية".
فقد اعتبر أردوغان في كلمة بفعالية بالمجمع الرئاسي، حديث الرئيس الفرنسي عن إعادة هيكلة الإسلام بأنه "وقاحة وقلة أدب"، إذ قال بهذا الخصوص: "تصريح ماكرون بأن الإسلام متأزم، في مدينة ذات كثافة سكانية مسلمة، هو استفزاز صريح، فضلاً عن كونه قلة احترام".
بسبب قرارات باريس ضد المسلمين بفرنسا
أطلقت الداخلية الفرنسية، الخميس 3 ديسمبر/كانون الأول، حملة تفتيش تستهدف عشرات المساجد وقاعات تأدية شعائر الدين الإسلامي، بذريعة "اتباع هذه الأماكن تعاليم متطرفة".
إذ قال وزير الداخلية جيرالد درمانين، في تصريحات لإذاعة "آر تي إل" الفرنسية، إن حملة التفتيش "جزء من حملة على المتطرفين الإسلاميين في أعقاب سلسلة من الهجمات"، حسبما نقل موقع قناة "فرانس 24".
كما هدد درمانين قائلاً: "إذا وجدنا أن أياً من هذه المساجد والقاعات تشجع على التطرف؛ فسنقوم بإغلاقها".
بينما لم يحدد الوزير مواقع هذه المساجد والقاعات، إلا أن مذكرة تم إرسالها إلى قوات الأمن واطلعت عليها بعض وسائل الإعلام، تفيد بأنّ الأماكن المستهدفة تقع في 16 عنواناً بالعاصمة باريس و60 عنواناً آخر موزعة في جميع أنحاء البلاد، حسب المصدر ذاته.
إغلاق التجمع ضد الإسلاموفوبيا
كما قرر مجلس الوزراء الفرنسي إغلاق جمعية "التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا" (CCIF) المناهضة للعنصرية والتمييز ضد المسلمين في البلاد، وهي من القرارات التي جعلت أردوغان ينتقد ماكرون.
إذ أعلن وزير الداخلية الفرنسية جيرالد دارمانان، عبر تويتر، أن الجمعية تم حلها بناء على تعليمات الرئيس إيمانويل ماكرون، وقرار مجلس الوزراء. وزعم دارمانان أن الجمعية كانت تمارسه دعاية "إسلامية" منذ عدة أعوام.
كانت جمعية "التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا" (CCIF) أعلنت الشهر المنصرم أن وزير الداخلية الذي رضخ لضغوط اليمين المتطرف، أرسل إخطاراً إليها بشأن بدء إجراءات الحل.
بينما أشارت في بيان إلى أنها نقلت معظم أعمالها إلى الخارج، عقب توقيف أنشطتها في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولفتت إلى أن إقدام الإدارة الفرنسية على خطوة حل الجمعية لا قيمة له في ظل نقل مقر الجمعية الرئيسي إلى خارج البلاد.
أضافت: "ستواصل الجمعية تقديم الدعم القانوني لضحايا الإسلاموفوبيا، وستتم إحاطة الهيئات الدولية بجميع مراحل مكافحة التمييز من أجل المساواة في فرنسا".
في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعلن الوزير أنهم يعتزمون غلق مسجد وعدد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني الإسلامية بالبلاد، ومن بينها منظمة "بركة سيتي"، و"التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا"(CCIF).
تقلبات صادمة في موقف ماكرون من المسلمين
تُظهر مواقف ماكرون من المسلمين تقلبات لافتة، فالرجل صدم فرنسا، عندما غازل الناخبين المسلمين الجزائريين في انتخابات 2017، بقوله إن "الاستعمار جريمة ضد الإنسانية"، وإن الدولة ينبغي أن تكون محايدة تجاه الدين.. وهو ما يأتي في صلب العلمانية.. فعلينا واجب ترك كل شخص يمارس دينه بكرامة". بالإضافة إلى ذلك دعا ماكرون إلى تدريس الشؤون الدينية في المدرسة.
بل إنه أيد البوركيني، وهو لباس البحر الذي ترتديه النساء المسلمات المتدينات.
ولكن اليوم انقلب ماكرون على مواقفه، حيث يسعى لمنع أحواض السباحة من أن تخصص أوقاتاً منفصلة للنساء المسلمات، قبيل نحو 16 شهراً من رئاسيات 2022.
الأسوأ أنه أيَّد نشر الصور المسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولم يسعَ للنأي بنفسه وحكومته عنها، وكان من الممكن أن يكتفي بإدانتها مع التأكيد على أنه لا يستطيع منعها في إطار حرية التعبير.
لكن اليوم ماكرون الذي جاء بأصوات المسلمين، وقدم نفسه على أنه الرجل الذي سيصالح فرنسا مع مسلميها ويتبرأ من تاريخها الاستعماري يدخل في مواجهة عبثية مع ملياري مسلم، لن تفيد إلا المتطرفين على الجانبين.