أخبار تم تداولها مؤخراً تفيد بوجود محادثات بين حكومة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وبعض المستثمرين من المملكة العربية السعودية، لتنفيذ عدة مشاريع استثمارية داخل العراق.
أثار الأمر حفيظة الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران، باعتبار أن الرياض العدو الإقليمي للجمهورية الإسلامية، فأصدر فصيل "أصحاب الكهف"، وهي جماعة شبه عسكرية موالية لإيران، تأسست في الأشهر القليلة الماضية، بياناً يطالب فيه جميع المواطنين العراقيين بالإبلاغ عن أي تواجد لمستثمرين من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة، داخل نطاق محافظاتهم، وحدد مبلغ 50 ألف دولار لمن يمدهم بتلك المعلومات.
لكن الأمر غير مقتصر على كون جمع معلومات عن مستثمرين من بلدان تعتبر معادية للفصائل المسلحة الموالية لإيران، فمنذ عدة أعوام والقطاع الخاص والاستثمار في العراق يعاني الكثير من المعوقات، منها الابتزاز الواضح من قبل بعض العشائر العراقية، والإتاوات المفروضة على المستثمرين بأمر من الفصائل المسلحة.
اقتحام مسلح
في الأيام القليلة الماضية، فوجئ المهندسون والعاملون في مشروع سكني في مدينة تكريت باقتحام مسلح للموقع من قبل قوة سمتها القوات الأمنية العراقية "قوة مسلحة مجهولة"، وتم احتجاز العاملين بالمشروع لعدة ساعات، بعد أن تم احتجازهم في مكان غير معلوم، ومنعهم من استخدام هواتفهم المحمولة.
يشرح السيد حردان نوري، رئيس مشروع "بيتي" السكني الذي تم اقتحامه، لـ"عربي بوست"، تفاصيل الواقعة، فيقول: "حوالي الساعة 10 صباحاً، فوجئنا بعدد كبير من سيارات الدفع الرباعي، وعلى متنها مسلحون ملثمون، قاموا بالاعتداء بالضرب والسب على كل من في الموقع".
يضيف: "عندما علمت قوات الأمن العراقية بالواقعة، حضرت بعد عدة ساعات، لكن كانت القوة المسلحة المجهولة قد غادرت الموقع وبصحبتها العاملون بالمشروع"، يقول مصدر أمني عراقي لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "عندما وصلنا إلى الموقع، لم نجد أحداً، لا العاملين ولا المسلحين، وعلمنا أنه تم اختطافهم، ومن ثم تم الإفراج عنهم في اليوم التالي، دون الكشف عن هوية المختطفين أو مطالبهم".
أضاف المصدر الأمني العراقي موضحاً، لـ"عربي بوست": "هذه ليست المرة الأولى، المسلحون إما ينتمون لإحدى العشائر في تلك المنطقة، أو من الفصائل المسلحة، ويريدون الأموال من أجل السماح للعاملين باستكمال المشروع".
بدوره أسرع السيد نوري، رئيس المشروع، بإيصال الأمر إلى مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، "الكاظمي وعد ببيئة آمنة للاستثمار في العراق، لكن لم يحدث أي جديد، لقد تعرضنا للابتزاز، إما أن تدفع ملايين الدولارات أو توقف العمل بالمشروع".
شركات تفكر في الانسحاب
لم تكن حادثة المشروع السكني الأولى من نوعها، ففي نفس الشهر تقريباً، أعلنت شركة بتروناس الماليزية أنها تفكر في الانسحاب من حقل الغراف النفطي في محافظة ذي قار، بعد مضايقات من العشائر.
مصدر مسؤول عراقي داخل الشركة تحدث لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، قال: "تعرضت الشركة لمئات المضايقات من العشائر في المنطقة، مرة يقولون لنا إنهم يريدون توظيف أبنائهم، ومرة يطلبون الأموال لتركنا نعمل في أمان، وإذا رفضنا كلا الخيارين نتعرض للتهديد المسلح من وقت لآخر".
في محافظة ذي قار، قام العديد من أبناء المحافظة بالاحتجاج أمام شركات النفط، مطالبين بحقهم في التوظيف، دون النظر إلى احتياجات الشركات من العمالة المدربة.
يقول مصدر في شركة نفط ذي قار، لـ"عربي بوست": "العشائر تريد تعيين أبنائها بالقوة في الشركات، والمستثمر يريد عمالة مدربة ماهرة، إنه جاء للاستثمار وليس لفتح مشروع خيري لتدريب العمال".
"هذه الأراضي ملكنا"
في محافظة البصرة، حاصر فصيل مسلح، بالتعاون مع بعض عشائر المنطقة، شركة النفط الحكومية هناك، بحجة أن الأرض المقام عليها المشروع التابع للشركة ملك لأبناء العشائر.
مصدر أمني عراقي تحدث لـ"عربي بوست"، يقول: "كانت الذريعة تلك المرة أن الأراضي المقام عليها المشروع تعود ملكيتها إلى أجداد أبناء هذه العشيرة، التي استعانت بفصيل مسلح معروف لوضع أيديهم على المشروع، وعند التفاوض مع الحكومة، طلبوا مليار دولار تعويضاً، بجانب تعيين بعض أبناء المحافظة في المشروع".
عجز الحكومة
كان قد أعلن مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون المالية عن تعطل أكثر من 6 آلاف مشروع بكلفة 100 مليار دولار ما بين عامي 2009 و2019.
أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، تحدث لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، بخصوص هذه المسألة قائلاً: "هناك تمادٍ من قبل العشائر والفصائل المسلحة في عرقلة أي مشروع استثماري في أغلب محافظات العراق، والسبب في هذا التمادي عجز الحكومات السابقة عن حل هذا المأزق"، يضيف المستشار المالي موضحاً: "حكومة السيد الكاظمي تعمل على حل الأمر، ولابد أن تساعد الأحزاب السياسية التي لديها كلمة مسموعة لدى العشائر والفصائل المسلحة في إيجاد حل أيضاً".
كان قد تناول الكاظمي هذا الأمر في مؤتمر صحفي، في الأشهر القليلة الماضية، معترفاً بأن القطاع الخاص والاستثمار في العراق يعاني من الكثير من الابتزاز، معلناً أن الحكومة تقوم باللازم لمعاقبة الأطراف التي تقف وراء هذا الابتزاز وهذه المساومات.
لكن، هناك من يرى أن حكومة الكاظمي إلى الآن ما زالت عاجزة عن حل هذا الأمر، يقول المصدر الأمني العراقي لـ"عربي بوست": "حكومة الكاظمي نفسها تعرضت للابتزاز في الأيام الأخيرة أكثر من مرة، وجلست للتفاوض مع إحدى العشائر على مبلغ المساومة، الأمر خارج عن السيطرة".
هروب المستثمرين
أبوالفضل، واحد من رجال الأعمال العراقيين، الذي قرر منذ سنتين الهروب باستثماراته من العراق إلى إيران، بعد أن تعرض للابتزاز من قبل فصيل مسلح.
يقول أبوالفضل الذي يمتلك مشروعاً لتربية الدواجن، لـ"عربي بوست": "قمت بافتتاح مشروعي في إحدى محافظات العراق، وبعد ثلاثة أشهر من افتتاح المشروع، اقتحم فصيل مسلح المشروع، وطالبوني بتعيين أبناء المنطقة، ودفع إتاوة قيمتها مليون دولار".
لم يجد أبوالفضل أمامه سوى الموافقة على تعيين بعض أبناء المحافظة، ومحاولة التفاوض على المبلغ المالي المطلوب منه، يقول أبوالفضل: "أعطوني ورقة بأسماء من يريدون تعيينهم، وجميعهم لا علاقة لهم بتربية الدواجن، ولا الأمور الإدارية، لا علاقة لهم بشيء، سوى أنهم ينتخبون قائمة ما فى الانتخابات، هذه القائمة تابعة لحزب سياسي له علاقة قوية بالفصيل المسلح".
ما أشار إليه أبوالفضل يحدث في العراق منذ عام 2003، تعمل الأحزاب السياسية والقوائم الانتخابية العراقية على تقديم الوظائف للمؤيدين لها، مقابل التصويت لهم في الانتخابات البرلمانية، ويحدث الأمر على نطاق أوسع داخل الحكومة العراقية فيما يعرف بنظام المحاصصة، الذي عانى منه العراقيون لسنوات طويلة، وكان إلغاء المحاصصة على قائمة مطالب انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019، التي خرج فيها المحتجون للمطالبة بالقضاء على الفساد السياسي والإداري.
يروي أبوالفضل، رجل الأعمال العراقي، لـ"عربي بوست"، أنه إذا وافق على هذا الابتزاز، سيتكرر الأمر مرات ومرات، فيقول: "أقوم بتعيين عمالة غير ماهرة، ودفع إتاوات، فما الذي يتبقى لي؟ أنا مستثمر أريد استثمار أموالي، وليس التبرع بها لأبناء المحافظة".
لم يجد أبوالفضل أمامه سوى مغادرة العراق تماماً، والهروب بأمواله إلى إيران، ويقول: "ذهبت إلى إيران، وقمت بتنفيذ مشروعي الآن، وأنا الآن أقوم بتصدير الدواجن إلى العراق، بدون التهديد والابتزاز، أعلم أنه شيء مخزٍ، لكن ليس بيدي شيء لأفعله، يجب على الحكومة العراقية أن تتحرك وتحمي الاقتصاد العراقي".
يعاني العراق حالياً من أزمة اقتصادية كبيرة، بعد انخفاض أسعار النفط، ووباء كوفيد-19، مما جعل الحكومة عاجزة عن سداد رواتب الموظفين بالدولة. كما توقفت الدولة العراقية عن استكمال مشاريع إعادة إعمار المناطق المحررة من تنظيم الدولة الإسلامية، لأسباب اقتصادية.
الأمل الوحيد لانتشال الاقتصاد العراقي من هذا المصير، الذي يشبه مصير لبنان حالياً، هو الاستثمار الأجنبي، وإحياء القطاع الخاص، وهذا لن يتم في ظل بيئة غير آمنة، ومناخ مليء بالفساد والابتزاز، مما جعل العراق مكاناً يتجنبه المستثمرون، سواء الأجانب أو العراقيون أنفسهم.