قدمت دراسة جديدة حول المناعة في مواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد، نتائج متفائلة جداً، بعد أن أثبتت أنها قد تمتد لسنوات، وربما حتى لعقود، وذلك في سياق خطط التطعيم الشامل الذي تستعد عدد من بلدان المعمورة لتطبيقه، إذ تُظهِر البيانات الجديدة أنه بعد ثمانية أشهر من الإصابة بالعدوى لا يزال معظم الأشخاص الذين تعافوا يتمتعون بما يكفي من الخلايا المناعية لدرء الفيروس والوقاية من المرض.
وفق تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية، الخميس 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فإن معدل الانخفاض البطيء على المدى القصير يشير إلى أن هذه الخلايا قد تستمر في الجسم لفترة طويلة جداً.
قد تثلج الصدور
صحيحٌ أن البحث المنشور على الإنترنت لم يخضع لمراجعة الأقران، ولم يُنشر في مجلة علمية، لكنه يعد الدراسة الأشمل والأطول أمداً للذاكرة المناعية لفيروس كورونا حتى الآن.
في هذا السياق، يقول شين كروتي، عالم الفيروسات في معهد لا هويا لعلم المناعة، الذي شارك في عمل الدراسة الجديدة: "من المرجح أن يحول هذا القدر من الذاكرة المناعية دون إصابة الغالبية العظمى من الناس بالمرض بدرجة تستلزم العلاج في المستشفى لسنوات عديدة".
من المرجح أن تثلج هذه النتائج صدور الخبراء القلقين من أن المناعة ضد الفيروس قد تكون قصيرة الأمد، وأنه قد يتعين إعطاء اللقاحات بشكل متكرر للسيطرة على الجائحة.
دراسات أخرى
توصل البحث إلى نتيجة حديثة أخرى، تفيد بأن الناجين من فيروس سارس الناجم عن سلالة أخرى من فيروس كورونا، ما زالوا يحملون بعض الخلايا المناعية المهمة بعد 17 عاماً من التعافي.
تتوافق النتائج مع الأدلة المشجعة التي ظهرت في المختبرات الأخرى، إذ أظهر الباحثون في جامعة واشنطن، بقيادة عالمة المناعة ماريون بيبر، في وقت سابق أن بعض خلايا "الذاكرة المناعية" التي أُنتجت بعد الإصابة بفيروس كورونا تستمر لمدة ثلاثة أشهر على الأقل في الجسم.
في حين وجدت دراسة نُشرت الأسبوع الماضي أيضاً أن الأشخاص المتعافين من فيروس كورونا يتمتعون بخلايا مناعية قاتلة وقوية ووقائية، حتى في حالة غياب الأجسام المضادة.
في هذا الصدد، يقول ديبتا بهاتشاريا، أخصائي المناعة في جامعة أريزونا، إن هذه الدراسات "تخلص جميعها إلى النتيجة ذاتها بنسبة كبيرة، وهي أنه بمجرد تجاوز الأسابيع القليلة الأولى الحرجة من الإصابة بالمرض تصبح بقية الاستجابة المناعية تقليدية جداً".
نتائج متوقعة
من جانبها قالت أكيكو إيواساكي، عالمة المناعة في جامعة ييل، إنها لم تتفاجأ من استجابة الجسد طويلة الأمد لأن "هذا هو ما يفترض أن يحدث". ومع ذلك، فقد أراح البحث قلبها، وأعربت عن ذلك قائلة: "هذه أخبار مثيرة".
على جانبٍ آخر، لم يتمتّع عدد صغير من المصابين في الدراسة الجديدة بمناعة طويلة الأمد بعد الشفاء، وربما يرجع ذلك إلى الاختلافات في كميات فيروس كورونا التي تعرضوا لها.
إذ تقول جينيفر غومرمان، أخصائية المناعة في جامعة تورنتو، إن اللقاحات يمكنها التغلب على هذا التباين الفردي.
وقالت: "سيساعد ذلك في تركيز الاستجابة، لكي لا نفاجأ بالتباين ذاته الذي نراه بين المصابين".
قلق العلماء
في الأشهر الأخيرة، أثارت تقارير عن انخفاض مستويات الأجسام المضادة قلقاً من أن المناعة ضد فيروس كورونا قد تختفي في غضون بضعة أشهر، ما يترك الناس عرضة للفيروس مرة أخرى.
لكن العديد من علماء المناعة أشاروا إلى أنه من الطبيعي أن تنخفض مستويات الأجسام المضادة. علاوةً على ذلك، فإن الأجسام المضادة هي مجرد فرع واحد من جهاز المناعة.
فرغم وجود حاجة إلى الأجسام المضادة في الدم لصد الفيروس ودرء أي احتمالية للإصابة بالعدوى مرة أخرى، وهي حالة تُعرف باسم المناعة المعقِّمة، إلا أن الخلايا المناعية التي "تتذكر" الفيروس تكون غالباً هي المسؤولة عن منع الإصابة بالمرض.
ويقول أليساندرو سيت، أخصائي المناعة في معهد لا هويا لعلم المناعة والقائد المشارك في الدراسة: "لا تحدث المناعة المعقِّمة كثيراً، لأنها ليست القاعدة السائدة".
في كثير من الأحيان يصاب الناس بمسبب مرض معين للمرة الثانية، ليتعرف الجهاز المناعي على الطفيل ويقضي على العدوى بسرعة. أما فيروس كورونا على وجه الخصوص، فهو بطيء في إحداث الضرر، ما يمنح الجهاز المناعي متسعاً من الوقت لبدء العمل.
وأردف سيت مطمئناً: "قد يهزم جهازك المناعي المرض بسرعة كافية، بحيث لا تظهر عليك أية أعراض، ولا تصبح مُعدياً حتى".