أثار إعلان السلطة الفلسطينية إعادة علاقاتها الأمنية والمدنية مع إسرائيل، في 17 من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، صدمة لدى الشارع والفصائل الفلسطينية، لاسيما في ظل الإعلانات المتعددة التي خرجت بها المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية في الأشهر الماضية، بأن قرار وقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل لا رجعة عنه، وتحديداً بعد إقرار وتنفيذ أجزاء كبيرة من خطة السلام الأمريكية، المعروفة باسم "صفقة القرن".
قرار العودة المفاجئ جاء أثناء انعقاد جلسات المصالحة بين حركتي فتح وحماس في القاهرة، الأمر الذي أدى إلى توقفها بشكل مباشر، ومغادرة الوفود في اليوم التالي، فيما أصدرت الفصائل الفلسطينية بيانات متلاحقة تستنكر فيها ما أقدمت عليه السلطة الفلسطينية، واعتبرت قرار العودة للعلاقة مع إسرائيل طعنة جديدة لما تم الاتفاق عليه في اجتماع الأمناء العامين في بيروت، بداية سبتمبر/أيلول الماضي، وكذلك لقاءات المصالحة في إسطنبول والقاهرة.
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف، أبدى استغرابه في حديث لـ"عربي بوست" من قرار السلطة، مشيراً إلى أن القرارات التي اتخذتها مؤسسات منظمة التحرير خلال الفترة الماضية جاءت بعد خطوات إدارة ترامب المنحازة بشكل سافر للاحتلال، وكذلك انتهاك الأخير للاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين خلال السنوات الماضية، كما أنه من الناحية الفعلية لم يقدم الاحتلال ما يثبت أنه تراجع عن انتهاكاته للاتفاقيات الموقعة، وبالتالي من حق الجميع أن يطرح السؤال عن سبب العودة لتجديد العلاقات مع الاحتلال.
تغازل الإدارة الأمريكية الجديدة
التحول المفاجئ في قرار السلطة جاء بعد أيام قليلة من فوز المرشح الأمريكي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية، والذي ترى فيه السلطة أنه سيعيد توازن السياسة الأمريكية في العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسيلزم إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة، وذلك بعكس إدارة ترامب الحالية، التي أقرت "صفقة القرن"، وبسببها قطعت السلطة الفلسطينية علاقاتها مع إدارة ترامب منذ 3 سنوات، وكذلك أوقفت اتصالات مع إسرائيل في مايو/أيار الماضي.
المحلل السياسي طلال عوكل يقول إن إرسال الرسالة من إسرائيل للسلطة الفلسطينية هام، إذا إنه جاء كرسالة للإدارة الأمريكية الجديدة وللدول العربية المطبعة معها، أنها تريد السلام، ولن تقف حجر عثرة أمام أي جهد دولي لإعادة المفاوضات مع الفلسطينيين، بالإضافة إلى أن إسرائيل أرادت أن توجه الضربة القاضية لجهود المصالحة، التي كانت تسير بشكل جيد ومغاير في القاهرة.
وبيّن عوكل أن قرار العودة اتُّخذ، ويبقى الآن النظر للخطوات التي ستقوم بها إسرائيل لتبرهن على صدق ما ذكرته في رسالتها للسلطة الفلسطينية، بشأن الالتزام بالاتفاقيات معها، لافتاً إلى أن السلطة تعول بشكل كبير على إدارة بايدن في إلزام إسرائيل بتلك الاتفاقيات.
وتَوافَقَ المحلل السياسي مصطفى الصواف مع سابقه، في أن إسرائيل أرادت برسالتها للسلطة الفلسطينية إيقافاً فورياً لمسار المصالحة الداخلية، بالإضافة للقضاء على أي اتفاقيات فلسطينية داخلية، كما جرى في بيروت وإسطنبول.
وشدد الصواف على أن العقيدة التي تحكم عقل السلطة الفلسطينية والرئيس عباس قائمة على استمرار التنسيق الأمني مع إسرائيل، لأنها تعلم أن وَقْفَهُ بشكل جاد وحقيقي يعني انهيار السلطة الفلسطينية، وخسارة قياداتها لمناصبهم وامتيازاتهم.
وكان رئيس لجنة الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، حسين الشيخ، قد أعلن في تغريدة له عبر تويتر في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أن قرار العودة للعلاقات مع إسرائيل جاء بعد تسلم السلطة الفلسطينية لرسالة مكتوبة من إسرائيل، تتضمن التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، وذلك على ضوء الاتصالات الدولية التي أجراها الرئيس محمود عباس خلال الفترة الماضية، ووصف الشيخ قرار العودة بـ"الانتصار العظيم".
من جانبه، اعتبر القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل، في حديث لـ"عربي بوست"، قرار السلطة الفلسطينية بأنه ضربة قاضية لمسار المصالحة الداخلية، ومغازلةً للإدارة الأمريكية الجديدة.
وأشار المدلل إلى أن ذلك القرار بحاجة لوقفة جادة من الفصائل الفلسطينية، وكذلك أعضاء المجلس المركزي واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والذين لم تتم مشاورتهم في قرار العودة.
السلطة تخدع الشعب
أما أبو مجاهد، الناطق باسم لجان المقاومة الفلسطينية، فذكر خلال لقاء مع "عربي بوست" أن قرار السلطة المفاجئ يدلل بما لا يدع مجالاً للشك أن السلطة الفلسطينية تمارس الخداع ضد الشعب الفلسطيني وفصائله، وتتخذ من مسار المصالحة عصا لتهديد إسرائيل في حال أخلت بالاتفاقيات معها.
وأوضح أن قرار وقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل كان قراراً منذ البداية مخالفاً لعقيدة السلطة الفلسطينية، منوهاً إلى أن الأخيرة انقلبت على مخرجات اجتماع الأمناء العامين الذي جرى في بيروت، وكذلك الاجتماعات المتعددة لمنظمة التحرير.
وتساءل أبو مجاهد: "لماذا تطالبنا السلطة الفلسطينية بالتشاور معها في قرار الحرب، وهي لا تشاور أحداً في قرار العودة للعلاقات مع الاحتلال؟"، مشيراً إلى أن قرار السلطة سيعيد العلاقات الوطنية إلى نقطة الصفر، بعد أن قطعت مسافات جيدة خلال الأشهر الأخيرة.
في النهاية، لا يبدو أن السلطة الفلسطينية ستجني من قرار عودتها للعلاقة مع إسرائيل سوى إعادة أموال المقاصة، والتي تحتاجها بشكل عاجل للخروج من الأزمة المالية التي تعصف بها منذ أشهر، فيما تبقى الثمار السياسية بعيدة المنال حتى اللحظة.