يعيش لبنان أزمة اقتصادية خانقة تسببت في انهيار العملة الصعبة بالبلاد، وتضارب الأسعار، وغلاء المعيشة، فوُضع المواطن في خندق التقشف، ووقف عدد كبير أمام السفارات بحثاً عن سبل الهجرة، واضطر المستثمر إلى ربط أحزمته ومغادرة البلاد دون رجعة.
فمنذ بداية عام 2020، تأزمت أوضاع الشركات الكبرى والمطاعم والفنادق في لبنان، وزاد الأمر سوءاً مع إعلان العلامات التجارية العالمية التابعة لشركة "الشايع" إغلاقها النهائي دون عودة، مع نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2020.
تقبّل اللبنانيون الوضع بشكل عام، عندما بدأت الشركات المحلية بالإقفال واحدةً تلوَ الأخرى، فالأمر كان متوقّعاً، بسبب الوضع الاقتصادي الاستثنائي، ولكن مع اختلاف العوامل، أهمها ارتفاع سعر صرف الدولار، ووباء كورونا، وانفجار مرفأ بيروت أُعلِنَ، رسمياً، عن دخول الاقتصاد اللبناني حالة الموت السريري.
طوابير قبل الإقفال
"رقم 40، تفضلوا صار دوركن". هكذا ينتظر عشرات من اللبنانيين في طوابير طويلة أمام محلات تجارية شهيرة وسط البلاد، وذلك للاستفادة من الخصومات التي طرحتها علامات تجارية قبل الإقفال النهائي وتوديع لبنان للأبد.
ومقابل هذه الطوابير الطويلة رُصَّت رفوف شبه خالية من البضائع؛ الأمر الذي دفع فروع بعض العلامات مثل: "أديداس" و"إيتش آند إم" و"فيكتوريا سيكريت" إلى الإقفال قبل أكتوبر/تشرين الأول 2020.
وأمام الرفوف الفارغة، اضطر عدد من اللبنانيين إلى لملمة بقايا الملابس والأحذية والعطور، بعد أسبوع ماراثوني، تَسابق فيه الجميع للظفر بقطعة خُتمت عليها علامة إحدى الماركات العالمية الشهيرة.
تقول إحدى المواطنات اللبنانيات التي التقاها "عربي بوست" أمام أحد المحلات التجارية وسط البلد، إن الوضع أصبح محزناً، فاللبناني أمامه خيار أن يطلب من المغتربين تزويده باحتياجاته من العلامات التجارية، لكن حتى هذا الخيار لم يعد ممكناً في ظل أزمة الدولار، التي منعت من الأداء بالعملة الصعبة.
الخبير الاقتصادي الدكتور سامر الحجّار، أرجع سبب توجُّه المؤسسات والشركات إلى الإقفال التام إلى عدّة نقاط، أهمها غياب عناصر الاستقرار في البلد وهي مادية واقتصادية وسياسية وأمنية، كل هذه العناصر يحتاجها المستثمر للاستمرار في عمله.
أما السبب الثاني، حسب المتحدث ذاته، فهو انخفاض القدرة الشرائية عند المواطنين بعدما فقد معظم الموظفين ما بين 60 و70% من رواتبهم بعد انهيار الليرة اللبنانية، فضلاً عن العاطلين عن العمل نتيجة الأزمة الاقتصادية.
والسبب الثالث برأي الخبير الاقتصادي، فيتجلى في اختلاف رؤى الحكومات اللبنانية المتعاقبة خلال السنوات الماضية، وهذا ما زاد من قلق المستثمرين الأجانب والمحليين، فالتجأوا إلى أسواق أخرى غير اللبنانية.
السياحة.. المسمار الأخير في نعش اقتصاد لبنان
تُعتبر الحركة السياحية في لبنان عجلة القطاع الاقتصادي حيث هي ركيزته الأساسية، بسبب قلّة نشاط القطاعين الزراعي والصناعي، وعدم استثمارهما بالشكل الصحيح، لذا فتراجُع الحركة السياحية أدى إلى القضاء على الجزء الأكبر من الاقتصاد اللبناني.
مازن أبو درغام، مدير مكتب وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال، كشف في تصريح لـ"عربي بوست"، أن كورونا كانت، بعد انفجار بيروت، السبب الرئيسي في إقفال عدد من العلامات التجارية بلبنان، فالفيروس ساهم في إغلاق المطارات وتقليص عدد السياح.
ويعتقد أبو درغام أن انفجار مرفأ بيروت كان له الأثر الأكبر على الشركات والمطاعم، بسبب الأضرار الكبيرة التي أُلحقت بهم.
وحسب الأرقام الرسمية لوزارة السياحة اللبنانية، فإن نسبة السياح القادمين إلى لبنان تراجعت في الأشهر التسعة الماضية، بـ82% مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2019.
وكشف المتحدث أن لبنان كان يجني من السياحة أكثر من 10 مليارات دولار، الرقم الأكبر الذي حققه سنة 2010، مقابل مليون و600 ألف سائح، بـ6 مليارات دولار سنة 2019. أما 2020 فقد عرفت دخول نحو 200 ألف سائح فقط، معظمهم من المغتربين.
أبو درغام قال إنَّ تباين الأرقام انعكس سلباً على لبنان، الذي له مورد دخل واحد للعملة الصعبة وهو السائح والمغترب، وبهذه الحالة، حسب المتحدث، عاد لبنان أكثر من ألف سنة إلى الوراء ووصل لنقطة اللاعودة، لأن الأزمة لن تُحَل في يوم أو يومين ولكن تحتاج سنوات.
أزمة الدولار حسب أبو درغام، أيضاً، كانت بمثابة "خنجر في صدر الاقتصاد اللبناني"، لأن الشركات الكبيرة المستثمرة أصبحت تُمارس المضاربة، وتستورد بثمن السعر الحالي ثم ترفع أسعارها، في المقابل المواطن لم يعد من أولوياته شراء العلامات التجارية بقدر ما أصبح همُّه الأساسي تأمين الأكل والشرب والأساسيات.
ما الحل؟
إقفال الشركات الأجنبية في لبنان له تأثيرات سلبية، منها ارتفاع نسبة البطالة، والركود الاقتصادي، وتغيُّر القيمة النقدية لليرة اللبنانية مقابل العملات الصعبة، خصوصاً الدولار، دون تناسي تأثير تفشي فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي كما في لبنان.
وأمام الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، فإن الحل حسب رأي الخبراء ليس مستحيلاً، لكنه يتلخص في 4 أساسيات: تأمين الاستقرار الأمني، والمالي، والنقدي، والسياسي، الأمر الذي تقع مسؤوليته على عاتق الحكومة الجديدة.
إضافة إلى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور سامر الحجّار، أنه من الضروري أن يشهد لبنان توحيد عملة التعامل لدى المتاجر الكبرى، لأن هناك عدة أسعار نقدية متداولة، سعر السوق السوداء، وسعر المصارف، والسعر الرسمي، إضافة إلى الحد من "تهريب" الشركات الأجنبية وإعادة استقطابها.
أيضاً، يرى المتحدث أنه يجب تطوير حالة الاستقرار بالساحة اللبنانية، ودعم الشركات وحثها على الاستمرار، خصوصاً المتوسطة والصغرى منها، التي تستطيع إعادة إنعاش الوضع الاقتصادي في لبنان.
واعتبر المتحدث أن الأيام القادمة على لبنان أيام حاسمة، إما أن تحاول الحكومة خلالها إنقاذ الوضع الاقتصادي، وإما أن يبقى الوضع على ما هو عليه وتزداد الأوضاع سوءاً.