بعد أن أنهت الشابة الإيرانية فرشته (36 عاماً) دوامها، وفي طريق عودتها إلى المنزل فوجئت برسالة نصية على هاتفها المحمول، تطلب منها القدوم إلى مركز الشرطة.
تقول فرشته "انتابني القلق، كانت الرسالة بسبب الحجاب، وأنا لم أقم بخلع حجابي في أي مكان عام".
في اليوم التالي ذهبت فرشته، المقيمة في العاصمة طهران، إلى مركز الشرطة المحدد مسبقاً في الرسالة النصية، "هناك رأيت المئات والمئات من الرجال والنساء، جميعهم جاؤوا من أجل تلك الرسالة".
كانت الرسالة التي تتحدث عنها فرشته تطالبها بالحضور إلى مركز الشرطة، للتوقيع على قرار بالالتزام بقواعد الحجاب، نظراً لارتكابها مخالفة أثناء قيادتها لسيارتها.
الجميع سيتم معاقبته
قد يتبادر إلى ذهن المرء، للوهلة الأولى، أن الأمر خاص بالنساء، ومخالفتهن لقواعد الحجاب في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن الجميع سيُعاقب بحسب مصدر في الشرطة الإيرانية، تحدَّث لـ"عربي بوست" قائلاً "جميع سائقي السيارات الذين شوهدوا يقودون سيارات وبجانبهم نساء من دون حجاب، يتم استدعاؤهم إلى مراكز الشرطة لتوقيع إقرار بالالتزام".
وبحسب ما ورد في وسائل الإعلام المحلية فإنه بمجرد تلقي الرجل أو المرأة لهذه الرسالة النصية من قِبل الشرطة سيكون أمامهم 10 أيام فقط للذهاب إلى مركز الشرطة، وتوقيع تعهّد بعدم تكرار هذه المخالفة.
تقول فرشته لـ"عربي بوست"، إنها تم إبلاغها في مركز الشرطة أنه في حالة تجاهل هذه الرسالة فسيتم حجز سيارتها، وإذا ذهبت ووقعت وخالفت الأمر مرة ثانية فسوف تحجز الشرطة سيارتها.
تضيف فرشته متهكمة "في كل الأحوال سيأخذون سيارتي، وهذا آخر ما ينقصني في تلك الأيام".
السيارة ليست مكاناً عاماً
حسين، صحفي إيراني مقيم بالعاصمة طهران، يروي لـ"عربي بوست" تفاصيل ما حدث معه، مفضّلاً استخدام اسم مستعار لأسباب أمنية.
قال: "فؤجتُ بالرسالة النصية من الشرطة، التي تطالبني بالحضور إلى مركز الشرطة لمخالفة قواعد الحجاب، وعندما ذهبتُ وجدت أمامي مئات من الطوابير، فتجاهلت الأمر وعُدت إلى المنزل".
لم ينتبه حسين أنه بتجاهل الرسالة النصية من قِبل الشرطة لمدة 10 أيام سيتم حجز سيارته، فيقول "بعد إلحاح من زوجتي، لخوفها من أمر الاستدعاء، ذهبت إلى مركز الشرطة في اليوم الحادي عشر، وقال لي الضابط المسؤول سيارتك سيتم حجزها من قِبل الشرطة، توسلت إليه بأنني لم أنتبه إلى أمر المدة الزمنية فقال لي اذهب إلى القضاء".
تم إرسال تلك "الرسالة البغيضة"، كما وصفها حسين، بسبب زوجته، التي خلعت حجابها لمدة ساعتين داخل السيارة، في طريقهم لقضاء عطلة نهاية الأسبوع.
ويتساءل حسين بدهشة أن السيارة ليست مكاناً عاماً، ليتم تطبيق عقوبات مخالفة الحجاب، "هذه سيارتنا ونحن أحرار نفعل ما نشاء، لن ينتهي العالم إذا خلعت زوجتي الحجاب في سيارتنا لساعات من الزمن".
لكن، على الجهة المقابلة، ترى الشرطة الإيرانية أن السيارة مكان عام، ولا يجوز فيه خلع الحجاب.
فقد ذكر مصدر في الشرطة الإيرانية لـ"عربي بوست"، بوضوح، أن السيارة ليست بالمكان الخاص، فأي امرأة تسير في الطريق وهي في سيارتها أو سيارة أجرة بدون حجاب فالجميع يمكنه رؤيتها، "لذلك لا يمكن تجاهل قواعد الحجاب في السيارات"، على حد تعبيره.
لماذا تم استدعائي
علي رضا، مصمم أزياء، ويعيش في العاصمة طهران، وتلقّى نفس الرسالة مثله مثل حسين وفرشته، لكن المختلف أن علي رضا ليس لديه زوجة، وأخته لم يتجاوز عمرها 10 سنوات.
يقول علي رضا ساخراً لـ"عربي بوست"، "للأسف لا تستخدم أي امرأة سيارتي، فوالدتي تعيش في محافظة أخرى، وأنا أعيش في العاصمة، ولا تعرف القيادة من الأساس، وأختي مازالت طفلة، فلماذا أتلقّى مثل هذه الرسالة".
عندما ذهب علي رضا إلى مركز الشرطة ليؤكد للضابط أن سيارته لا تقودها أي امرأة، ولا يقودها من الأساس أحد غيره فوجئ بالرد، الذي يؤكد له أن كاميرات المراقبة وكاميرات المرور سجلت رقم سيارته وعلامتها التجارية، ولونها وكل شيء بالتحديد، وكانت تقودها امرأة بمفردها، ومن دون حجاب.
لم يجد علي رضا أمامه سوى التوقيع على الإقرار بعدم مخالفة قواعد الحجاب مرة ثانية، خشية أن يتورّط في مواجهة مع قوات الشرطة، "كنت أريد الخروج من مركز الشرطة في أسرع وقت، كنت موجوداً في غرفة الضابط الضيقة، وبها حوالي 30 شخصاً آخر".
وأضاف ساخراً "ألم تسمع السلطات عن وباء كورونا، ومنع التجمعات؟".
يأتي هذا في الوقت الذي تطبّق فيه الولايات المتحدة سياسة "الضغط الأقصى" على إيران، بفرض عقوبات اقتصادية واسعة النطاق، وهو ما يُلحق الضرر بالإيرانيين العاديين، فيقوم المتشددون في طهران أيضاً بتشديد الخناق على المواطنين من خلال قمع الحريات الاجتماعية.
ويشعر بعض الإيرانيين بأن سلطات الدولة ترتكب خطأ بإضافة المزيد من الضغط النفسي، مشيرين إلى أنه قد يدفعهم إلى حافة التمرد.
الشرطة تستعين بالخبرة الصينية
في مؤتمر صحفي، قال نائب وزير الصحة الإيراني على رضا رئيسي، إن الحكومة استعانت بنظام التعرف على الوجه لمراقبة ارتداء الكمامة، منعاً لانتشار فيروس كورونا، فتعتبر إيران من أكثر الدول تضرراً في المنطقة.
وكانت قد أعلنت السلطات الأمنية المعنية بمراقبة القواعد العامة ومراقبة الحجاب، أن الشرطة الإيرانية تستعين بنظام التعرف على الوجه لتحديد المخالفين لقواعد الحجاب بشكل أكثر دقة، بحيث لا يكون هناك مجال للخطأ.
يقول أحد العاملين بمجال حقوق الإنسان والحريات لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، لأسباب أمنية، إن نظام التعرف على الوجه أصبح موجودا في إيران على نطاق ضيق للغاية، بعد مظاهرات العام الماضي، لكن في الأيام الأخيرة تم تحديثه وتوسيعه، عن طريق الشركات الصينية التي تعمل في البلاد.
وأضاف "في الأساس تمت الاستعانة بهذه التقنية من أجل سهولة القبض على المشاركين في الاحتجاجات والمظاهرات المحتمل حدوثها في أي وقت، لكن استعانت شرطة الأخلاق به لمراقبة الحجاب في الشوارع والسيارات".
وأضاف "من الغريب أن وزارة الصحة لم تستخدمه إلى الآن لضمان أمن وسلامة المواطنين"، على حد تعبيره.
الغرامات المالية لمخالفة قواعد الحجاب
منذ أن تم فرض الحجاب الإلزامي على النساء في إيران، بعد الثورة الإسلامية عام 1979، تراقب السلطات الإيرانية التزام النساء بالحجاب في كل مكان، فمن حق وحدة الشرطة الإيرانية الخاصة بفرض الآداب العامة والحجاب أن تستوقف أي سيدة في الشارع لسوء حجابها، ومنحها غرامة مالية، واقتيادها إلى مركز الشرطة للتوقيع على إقرار بعدم مخالفة قواعد الحجاب مرة ثانية.
في العامين الماضيين نشطت الحركات المدنية النسائية المناهضة للحجاب الإلزامي، وكان هناك العديد من الحوادث لفتيات شوهدن يخلعن حجابهن في الشوارع احتجاجاً على الإلزام بالحجاب، وبعد أن تمت السيطرة على هذا النوع من الاحتجاج بدأت حركات مماثلة في الظهور، حيث تقوم النساء بخلع الحجاب داخل السيارات.
وهذا قد يُفسر إلى حد ما سبب تشديد السلطات الأمنية الإيرانية على قواعد الحجاب حتى في السيارات.
بالعودة إلى فرشته، فلم ينته الأمر عند حضورها إلى مركز الشرطة، والتوقيع على قرار الالتزام بقواعد الحجاب، بل تم إرسالها إلى مركز اجتماعي لتلقي بعض الدروس عن أهمية الحجاب.
"ذهبت إلى ندوة لمدة 3 ساعات، للاستماع إلى أهمية الحجاب، وأهمية التزام المرأة بالزي الإسلامي"، هكذا قالت.