لا حكومة قبل الانتخابات الأمريكية.. عراقيل في وجه الحريري

عربي بوست
تم النشر: 2020/10/22 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/22 الساعة 12:01 بتوقيت غرينتش

على وقع الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة اللبنانية كان لافتاً ما أعلنه نائب رئيس البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن تخصيص البنك مبلغ مليار دولار لدعم الاقتصاد اللبناني المتهاوي، شريطة التزام الحكومة المقبلة بالمعايير الدولية والإسراع بالإصلاحات، لذا فإن مراقبين وصفوا خطوة البنك الدولي في إطار الإشارة الأمريكية، بدعم حكومة الحريري في ظل تفاهم فرنسي – أمريكي على تسهيل مهمة سعد الحريري وإنقاذ المبادرة الفرنسية.

شنَّ رئيس الجمهورية ميشال عون هجوماً على رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وما أن انتهى رئيس الجمهورية ميشال عون من كلمته التي ألقاها الأربعاء 21 أكتوبر/تشرين الأول، حتى خرج رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ليؤكد أن خيار سعد الحريري هو الأنسب لرئاسة الحكومة في الفترة الحالية، تلاه مباشرة بيان للحزب التقدمي الاشتراكي يؤكد تسمية الحريري في الاستشارات بناء على الاتفاق الذي سبق أن تم بينهما برعاية فرنسية. 

لم تمر ساعات حتى استدعى الرئيس اللبناني ميشال عون، سعد الحريري لتكليفه بتشكيل الحكومة، وبعد سجال طويل تمت تسمية الرجل لتكليفه بالمهمة الصعبة، لكن ظروفاً استثنائية في انتظاره.

عراقيل بانتظار الحريري بعد تكليفه بتشكيل الحكومة

تؤكد مصادر مقربة من الحريري أنه سيواجه عقدتين أساسيتين في عملية تشكيل الحكومة، الأولى في عقدة الثنائي الشيعي -حزب الله وحركة أمل- والتي ترتبط بوزارة المال وتسمية الوزراء الشيعة والموقف من برنامج صندوق النقد الدولي، وهي أمور وإن شهدت نقاشاً ما في كواليس مشاورات التكليف، بيد أن أياً منها لم يحسم بعد.

علماً أنه من الأرجح أن يجد الطرفان مخارج مرضية لكلا الطرفين، بعيداً عن الإحراجات ومن دون تجاوز القواعد العامة التي يتمسك بها الرئيس الحريري، وبحسب المصادر فإن الحريري سينهي المشكلة بطلب مجموعة مرشحين اختصاصيين للوزارات الشيعية.

فيما العقدة الثانية -بحسب المصدر- فهي عقدة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وهي عقدة تنقسم لشقين: 

الأول إصرار عون على المشاركة في تشكيل الحكومة مع الرئيس المكلف، وهذا ما أشار إليه في المؤتمر الصحفي الذي عقده، ويؤكد المصدر أنه ليس من الصعب على المراقبين التنبه إلى خطاب الرئيس عون، فهو رسم خارطة طريق للعلاقة مع الرئيس المكلف دستورياً وسياسياً، لا سيما بعدما خرجت لعبة التكليف من تأثيره، الأمر الذي قد يمهد لاشتباك سياسي حاد في مرحلة التأليف، وفق قاعدة خلط الأوراق.

فيما الشق الثاني، وهو إصرار التيار الوطني الحر على الحصول على وزارات الطاقة والخارجية كحصة مسيحية لأن الثنائي الشيعي استطاع الحفاظ على مكتسبات وزارة المال وتسمية الوزراء الشيعة في الحكومة، ويؤكد المصدر أن دوائر الرئاسة والتيار الوطني الحر تحضر لحملة تحت شعار الحفاظ على الموقع المسيحي والدور المسيحي في البلد والذي سيروج خلال الحملة أن تحالفاً سنياً شيعياً درزياً اتفق على مكتسباته دون المسيحيين.

حزب الله بين التأجيل والترسيم.. إيران في الحسابات

مرَّر حزب الله تكليف الحريري لكنه لن يمرر التشكيلة الحكومية بسهولة، وبحسب مصادر في حزب الله أكدت لـ "عربي بوست" أن المسألة ليست في أنهم متمسكون بالرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة، فهو ليس الأفضل لإدارة شؤون البلد، لكن موقعه اليوم في ظل هذا الجوّ المتأزّم على الصعد كافة، خصوصاً الأزمة الاقتصادية الحانقة تجعله الأكثر حظوظاً لتولّي رئاسة الحكومة.

وأشارت المصادر إلى أن العقدة الاساسية بموضوع الاستحقاق الحكومي ليست عند الثنائي الشيعي. فالرئيس نبيه بري قدّم للرئيس الحريري ما لم يقدمه لأحد، كما أن الحزب كان منفتحاً على كل الحلول، واليوم على الحريري أن يكون على قدر الاختبار الصعب.

وأضاف أن قيادة الحزب تواصلت مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل من أجل البحث في موضوع الاستحقاق الحكومي، غير أنه مصرّ على موقفه بعدم تسمية الرئيس الحريري، وتؤكد المصادر أن موقف الحزب من عدم تسمية الرئيس الحريري يأتي انطلاقاً من تماهي الحزب مع حليفه الوزير جبران باسيل ومنعاً لأي استغلال في بث روح الخلاف بين الجانبين.

لا حكومة قبل الانتخابات الأمريكية 

حزب الله من جهته، وعلى الرغم من السير مع باسيل بعدم تسمية الحريري، استطاع تحشيد أصوات كتل نيابية موالية له لتسمية الرجل، كتيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي والكتلة الأرمنية، بالإضافة للنواب جهاد الصمد ونهاد المشنوق وميشال ضاهر، ما حقق للحريري مجموعة أصوات تكفيه عن كتلة حزب الله.

يؤكد مصدر دبلوماسي أن حزب الله مرَّر الإستشارات وقبِل بتكليف الحريري برئاسة الحكومة، لكن الحزب لن يمرر تشكيل الحكومة قبيل انتهاء الاستحقاق الرئاسي الأمريكي ليبني على الشيء مقتضاه، حيث يفضِّل الإيرانيون أن ينتظروا بضعة أيام إضافية، أي حتى 3 نوفمبر/تشرين الثاني على الأقل، ليعرفوا مع مَن سيتعاطون في البيت الأبيض، بدءاً من يناير/كانون الثاني 2021، بايدن أم ترامب. وفي تقديرهم أنّ هناك مجالاً لاستعادة مرحلة أوباما في الشرق الأوسط. 

ويؤكد أن أي حكومة مقبلة ستكون مرتبطة بمفاوضات ترسيم الحدود في الجنوب اللبناني بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، وسط إشارات تفيد بأن هذه المفاوضات ستكون أسرع مما يعتقد البعض. وأن المسؤولين الأمريكيين يؤكدون في كل لقاءاتهم وجوب تحقيق إنجازات سريعة في عملية الترسيم، على ألا تتجاوز الأسابيع القليلة، لذا فإن حزب الله حريص على فهم المرحلة القادمة قبيل تشكيل أي حكومة في لبنان.

الحكومة القادمة قد تكون مضطرة إلى حسم كثير من المسائل التي يعتبرها حزب الله أكثر من مصيرية بالنسبة إليه.

طوني عيسى- محلل سياسي

أبرزها مفاوضات ترسيم الحدود وهواجس تسييسها لتصل لمرحلة تطبيع لبناني مع اسرائيل بالإضافة لملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وهواجس الدخول تحت الوصاية الأمريكية، الثمن السياسي المطلوب لاستثمار الغاز في المساحة اللبنانية وأسعار معالجة الانهيار وتحريك المساعدات الخارجية، وإعادة هيكلة القطاعين المالي والمصرفي، وانهيار طاقم السلطة واحتمال نشوء طاقم جديد، والضغط الدولي لتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بفرض سلطة الدولة، وغير ذلك. إذاً وبحسب عيسى، فإن حزب الله سيتجنَّب أن ينزلق تدريجياً ليفقد فيها زمام المبادرة، مهما كلَّفه ذلك. 

ولذلك، سيمسك بالعصا من منتصفها حسان دياب: يُصرِّف الأعمال، والحريري يُكلَّف ولا يؤلِّف. وبعد 3 نوفمبر/تشرين الثاني، قد يُحسَم الاتجاه وقد يطول الانتظار أكثر ولتمضية الوقت، يتصارع الجميع مع الجميع ويملأون الفراغ.

مصدر دبلوماسي فرنسي لـ"عربي بوست": مستمرون في المبادرة بالتنسيق مع واشنطن

يقول مصدر دبلوماسي فرنسي لـ"عربي بوست" إن باريس ستستمرّ في مبادرتها وستقوم بالضغط على المسؤولين اللبنانيين لتشكيل الحكومة القادمة بسرعة قصوى لتنفيذ أجندة الخطة الفرنسية، وإن الإدارة الفرنسية -بحسب المصدر- لن تتخلّى عن الضغط وتتراجع عن مبادرتها لإنقاذ لبنان، والحلّ الوحيد هو أن تشكّل الحكومة وتتوقف العرقلات والمماطلة، لأن لبنان لم يعد يحتمل ذلك. 

يشدد المصدر على أن فرنسا لن تقوم بالدعوة لمؤتمر مساعدة لبنان وتقوم بحشد المجتمع الدولي لمساعدة لبنان إلا بعد تشكيل حكومةٍ تظهر جديّتها في الإصلاحات وإعادة بناء بيروت أولاً وفوراً دون عرقلة.

يؤكد المصدر أنه وفي حال تم تكليف الرئيس سعد الحريري وتمكن من تشكيل حكومة لتقوم بمهمة الإصلاحات، فهذا مرحب به وترغب به باريس بشكل سريع. 

ويرى المصدر أن الصراعات والمنافسة على الحصص بين القوى السياسية اللبنانية تزيد البلد تدهوراً ومعاناة وتزداد معها آلام الشعب اللبناني، وعلى المسؤولين عدم العرقلة من أجل عدم ضياع الوقت، والتمكن من إنقاذ لبنان، وفرنسا لن توقف الضغط بهذا الاتجاه من أجل الشعب اللبناني.

وبحسب المصدر، فإن باريس وواشنطن متفقتان على مساعدة لبنان وعدم السماح بانهياره لصالح قوى تود ذلك لتحصيل مكاسبها في الساحة اللبنانية، لذا فإن الجانبين على تنسيق مستمر لإنجاز المهمة، لكن المصدر لا ينفي إصرار فريق لبناني على تأجيل ولادة الحكومة إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية حتى يتبين من سيكون ساكن البيت الأبيض وسياساته تجاه المنطقة.

تحميل المزيد