تحولت حياة عدد من المهندسين وحاملي الشهادات الجامعية العليا، رأساً على عقب، بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي خلفتها جائحة فيروس كورونا المستجد، فقد انتقل عدد منهم من المكاتب المكيفة والمريحة، ودراسة ملفات المشاريع، إلى ورشات العمل اليدوي، واضطروا إلى العمل بالفأس والمعدات العادية؛ من أجل كسب قوت يومهم، وذلك وفق تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية، نُشر الخميس 24 سبتمبر/أيلول 2020.
من مهندس إلى فلاح: في ظهيرةٍ حارة بجنوبي الهند، يخترق إيرابا باوغي الأرض بفأسه، وقميصه الأبيض ملتصقٌ بظهره من كثرة العرق. وكل ضربةٍ في التربة تُذكّره بمدى انهيار آماله.
فقبل شهرٍ واحد، كان المهندس (27 عاماً)، يُدقِّق في ملفات المشاريع داخل غرفةٍ مُكيّفة بأحد المصانع على بُعد مئات الكيلومترات. وكانت تلك الوظيفة بمثابة تذكرةٍ للخروج من الفقر لعائلته بالكامل، التي ضحت طيلة سنوات حتى يتمكّن من إتمام دراسته.
الآن عاد إلى قريته التي وُلِدَ بها، مدفوعاً بموجةٍ من الدمار الاقتصادي ضربت الهند إبان الجائحة. ومن أجل البقاء على قيد الحياة، بدأ باوغي في حفر الخنادق ضمن برنامج عملٍ عام.
وإلى جانبه يعمل موظف بنكٍ سابق، وطبيبٌ بيطري، وثلاثة من طلاب ماجستير إدارة الأعمال. وفي نهاية اليوم، يحصل كلٌّ منهم على 3.80 دولار.
"حتى لا نموت جوعاً": قال باوغي وهو ينفض العرق عن جبينه: "لن نحصل على طعامٍ لنأكله إذا لم أعمل. الجوع يُحطّم أي طموح".
مع ترنّح الاقتصاد الهندي في أعقاب واحدةٍ من أكثر حالات الإغلاق العالمية صرامة، ظهر برنامج التوظيف الريفي ليُمثّل شريان حياةٍ لعشرات الملايين ممن فقدوا وظائفهم.
وكان يُفترض بالبرنامج الحكومي -الذي يهدف إلى توفير 100 يوم من العمالة غير الماهرة في المناطق الريفية- أن يُكافح الفقر ويُقلل تقلُّب الأجور الزراعية. لكنّه بات الآن رمزاً لانهيار أحلام الطبقة المتوسطة لدى ملايين الهنود.
إذ يُعَدُّ البرنامج بمثابة الملاذ الأخير لخريجي الجامعات والعمال ذوي الياقات البيضاء السابقين الذين وجدوا أنفسهم من دون شبكة أمانٍ أخرى. إذ تقدَّم 17 مليون مشارك جديد بطلبات الانضمام إلى البرنامج منذ أبريل/نيسان وحتى منتصف سبتمبر/أيلول. وشاركت قرابة 60 مليون أسرة خلال تلك الفترة، وهو رقمٌ أكبر من إجمالي العام الماضي بالكامل، والأعلى في تاريخ البرنامج الممتد منذ 14 عاماً.
أزمة حادة: الحاجة مُلحّة، إذ تراجع الناتج الاقتصادي الهندي بمقدار 24% في الأشهر الثلاثة التي سبقت يونيو/حزيران، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو مُعدّلٌ أسوأ من أي اقتصادٍ كبير آخر.
إبان حالة الإغلاق على مستوى البلاد، فقد أكثر من 120 مليون شخص وظائفهم، وغالبيتهم من القطاع غير الرسمي الضخم في البلاد. وعاد كثير من أولئك العاملين إلى العمل، بدافع الضرورة المُلحَّة، ليتقاضوا في الأغلب رواتب أقل بكثير.
كما تضرَّر الموظفون أيضاً، إذ وجد مسحٌ أجرته شركة Centre for Monitoring Indian Economy، أن 21 مليون شخص من العاملين بأجر فقدوا وظائفهم بين أبريل/نيسان وأغسطس/آب. وكان ذوو المؤهلات المهنية، مثل المهندسين والمعلمين والمحاسبين، من الفئات الأكثر تضرّراً.
بينما قال غيانيندرا كومار غانغوار، الضابط المُشرف على البرنامج في مدينة بيدار: "ما يزال الزخم حول البرنامج مستمراً. ومن المؤسف أنّنا لا نستطيع توفير عملٍ يُناسب مؤهلاتهم".
قصة أخرى: في ممرٍ ضيّق آخر من القرية نفسها يستقر منزل أتيش ميتري (25 عاماً)، حامل درجة الماجستير في إدارة الأعمال، والذي يعمل إلى جوار باوغي.
وقال ميتري: "صُدِمَ أصدقائي حين عرفوا ما أفعله. وقالوا: حصلت على ماجستير إدارة الأعمال لتفعل هذا الآن!".
يتكرر السيناريو نفسه في أجزاء أخرى من البلاد، ففي ولاية تيلانغانا، اضطر شانكارياه كارافولا الذي عمِل مدرساً لمدة 14 عاماً، إلى اللجوء لبرنامج التوظيف الريفي، بعد أن توقّف راتبه إثر إغلاق المدارس في مارس/آذار.
رغم رفع حالة الإغلاق رسمياً في يونيو/حزيران، وتحسُّن معدلات البطالة، ما تزال العديد من المؤشرات الاقتصادية متراجعة.
بينما قالت سودها نارايانان، الاقتصادية من مؤسسة Indira Gandhi Institute of Development Research البحثية في مومباي، إنها تتوقّع أن يظل برنامج العمل الريفي جزءاً أساسياً من شبكة الأمان خلال العامين المقبلين. وأردفت: "إنه بمثابة الخيار الاحتياطي، ولكن لا شيء في الاقتصاد يشير إلى عودة الوظائف بالكامل".
في حين قال باوغي، بصوتٍ يخنقه الأسى: "أصر والدي على أن أُتِمّ دراستي؛ حتى يكون لي مستقبلٌ أفضل منه، لكن الإغلاق قتل أحلامنا".