يروي جويل كارميل، وهو شاب بريطاني، قصة رحلته من جامعات بريطانيا إلى الجيش الإسرائيلي، والتي اكتشف خلالها حقيقة الاحتلال، والممارسات اللاإنسانية للجيش في معاملاته للفلسطينيين، من اعتداءات لفظية وجسدية، إلى تدنيس للمقدسات الإسلامية، وهي الرحلة التي كشفت أيضاً عن زيف الشعارات التي يرفعها جيش الاحتلال، قبل أن يتم تسريحه من الخدمة، ويتم تلقيبه بـ"الجندي المجنون".
وفق تقرير لصحيفة The Business Insider الأمريكية، الأحد 26 يوليو/تموز 2020، فإن جويل أقر بأن الشعار الذي يرفعه الاحتلال الإسرائيلي باعتبار حربه في فلسطين هي دفاعاً عن النفس لمواجهة "الإرهابيين الفلسطينيين"، هي مجرد جانب واحد لما شهده، وأن الجانب الآخر هو إذلال وغرس الخوف في الفلسطينيين.
الهجرة المقدسة: مثل أي مراهق ينشأ في ضواحي شمال لندن، معقل الجالية اليهودية البريطانية، أصبح لدى جويل كارميل شغف وحيد: "الدفاع عن إسرائيل ضد منتقديها".
يقول جويل: "كانت كل الدوائر التي أنتمي إليها مؤسسات صهيونية، من الحركة الشبابية إلى المدرسة والمعبد. والصهيونية لا تعني فقط حق إسرائيل في الوجود، بل الدفاع عن إسرائيل بنشاط".
في عمر الثامنة عشر، ترك جويل جامعته البريطانية من أجل "الهجرة المقدسة" إلى أرض الميعاد، إسرائيل، لينضم بعد وقت قصير إلى الجيش الإسرائيلي.
وقال جويل: "لم يكن ذلك لأني أريد أن أصبح جندياً. أردت أن أكون إسرائيلياً وأفعل ما يفعله أي إسرائيلي مخلص، أردت أن أكون مفيداً".
ولكن لم تكن حياة الجندي تناسب طبيعة جويل.
يقول جويل: "معظم الشباب الإسرائيليين كانوا متحمسين جداً لفكرة حمل السلاح. ولكنني كرهت ذلك، لم أكن أحب رائحة البارود، وكان حمل السلاح يثير أعصابي".
ولكن بفضل أدائه، وقع الاختيار على جويل لتدريب الضباط. وعلم أنه سيلتحق بمكتب تنسيق الحكومة في المناطق البيروقراطي. وهي "حكومة الظل" التي عينتها إسرائيل لحكم الضفة الغربية، التي احتلتها إسرائيل من الأردن في 1967 ويقطنها 2.8 مليون فلسطيني.
حقيقة جيش الاحتلال: يقول جويل: "أردت أن أكون جندياً أخلاقياً. أعتقد أن بإمكاني أن أكون الجندي الذي يقدم للفلسطينيين خدمةً جيدة، خدمةً بابتسامة. ولكني أدركت لاحقاً أن بإمكانك التبسُّم كما تشاء، أو تعطي الأطفال الفلسطينيين الحلوى، ولكن في النهاية ستظل متحكماً في أرواحهم بقوة السلاح".
خلال تدريبه، قال جويل عن شكوكه تجاه الاحتلال بدأت في التشكُّل والتبلور بمشاهد واضحة.
ذات صباح عند نقطة مرور بيت لحم بالضفة الغربية، حيث يتجمَّع العمال الفلسطينيون للدخول إلى إسرائيل، قال جويل إنه شهد مشهداً مزعجاً.
يقول: "يجب أن تكون هناك حتى تشعر بما شعرت به. آلاف الشباب الفلسطينيين متكدسون في أقفاص للوصول إلى نقطة الفحص الأمني. كانوا يجبرونهم على التدافع فوق بعضهم البعض، عندها بدأت أفكر، هناك شيء خاطئ يحدث هنا".
وقال إن لحظة الشك الأخرى التي انتابته كانت في اقتحام شباب الضباط الإسرائيليين لمسجد الحرم الإبراهيمي، في الخليل، جنوب القدس.
عند وصول جويل وزملائه الضباط المتدربين إلى المسجد، صُدم عندما لم يخلعوا أحذيتهم لإبداء أدنى احترام لمعتقدات المسلمين.
وقال: "جبت أنحاء المسجد بحذائي العسكري".
عندما أُسنِدَت إلى جويل تلك المهمة في نقطة الفحص الأمني، كان متحمساً لأنها ستمنحه فرصة تعلم اللغة العربية. ولكن كل حصيلته اللغوية لم تتجاوز بعض الأوامر العسكرية مثل "توقف، ارفع يديك، غادر الغرفة، ادخل الغرفة"، بدون أي سياق اجتماعي، مجرد تعليمات وأوامر.
وبعد عامين، تزايدت شكوك جويل. قال إن الاحتلال الإسرائيلي باعتباره دفاعاً ضد الإرهابيين الفلسطينيين مجرد جانب واحد لما شهده، وإن الجانب الآخر هو إذلال وغرس الخوف في الفلسطينيين.
إنهاء الخدمة: حكى جويل أنه ذات مرة أثناء خروج الجنود من القرية، ألقى بعض الفلسطينيين قنابل طلاء على عرباتهم، وفوجئ بإخراج أحد الجنود سلاحه من النافذة وإطلاقه الرصاص المطاطي بكثافة.
يقول جويل: "في هذه اللحظة أدركت أنني أريد الخروج من الجيش. لم أكن أريد فعل شيء أعتبره غير أخلاقي".
أضاف: "إننا نعاقب أشخاصاً لم يفعلوا أي شيء. نعم هناك إرهاب، بعض الأشخاص يمثلون تهديداً لنا. ولكن الاحتلال هو نظام من العنف المستمر، ينبغي ألا نفاجأ إذا ارتد علينا بعض هذا العنف".
في خطوة جويل التالية خاطر بإمكانية دخول السجن، لأن رفض اتباع الأوامر يعتبر جريمة عسكرية شديدة، ولكنه كان مستعداً لدفع هذا الثمن.
وبعد سلسلة من الاجتماعات مع كبار الضباط والكثير من الصراخ، حُوّل جويل لإنهاء خدمته العسكرية.
الجندي المجنون: وقال جويل: "عندما رحلت أدركت أنني حتى لو كنت رئيس أركان لم يكن بوسعي فعل أي شيء. تأتي التعليمات من الحكومة وما عليك إلا تنفيذها، إنه قرار سياسي".
ولكنه تمكن من تحقيق تغيير غير متوقع، إذ أصبح جويل بعد إنهاء خدمته العسكرية حالة دراسة للضباط المتدربين.
يقول جويل إن هناك محاضرة عنه بعنوان "الجندي المجنون".
وفي النهاية، التحق جويل بالجامعة في القدس وتزوج وأنجب ابنة، والآن يعمل في منظمة "كسر الصمت"، وهي منظمة من قدامى المحاربين الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي أخذوا على عاتقهم كشف واقع الحياة اليومية في المقاطعات المحتلة للجمهور الإسرائيلي".