دخل قانون "حماية المدنيين في سوريا"، الذي يعرف باسم "قانون قيصر"، حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران الحالي، ليفرض معادلة جديدة على مسار الأزمة السورية، تهدف إلى زيادة العزلة السياسية التي يعاني منها نظام بشار الأسد.
يفرض القانون نمطاً جديداً يحكم الحصار المالي والاقتصادي ضد النظام، ويعاقب حلفاءه، بغية إجباره على القبول بالحل السياسي على أساس قرار مجلس الأمن 2254.
لكن خطوات عدة مر بها المشروع ليصبح قانوناً قابل النفاذ، تحدَّث عنها لعربي بوست "أسعد حنا" مدير البرامج في المنظمة السورية للطوارئ (SETF)، والتي كانت من بين المنظمات التي دعمت "قيصر" في رحلة وصوله للكونغرس الأمريكي للإدلاء بشهادته، والتي كانت سبباً رئيسياً في تشريع القانون.
مراحل خاضها قيصر وفريقه لتشريع القانون
جمع الشهادات: في المرحلة الأولى عمل الفريق على جمع أكبر عدد من الشهادات الممكنة لأسر الضحايا يقول حنا، والتي أسهمت في دعم الصور التي قدمها قيصر، والتي كانت عبارة عن 50 ألف صورة لـ16 ألف ضحية.
التوثيق: كان عليهم توثيق الشهادات التي جمعوها، لإثبات أمر هام، هو أن الإرهاب الذي يمارسه رجال الأسد ما هو إلا إرهاب دولة، يأتي بتعليمات رسمية ومتسلسلة بداية من القيادة العليا مروراً بالأذرع الأمنية ومراكز الاحتجاز، وليس فعلاً استثنائياً بقوم به ضباط لهم سلطة، أو مسؤولون عن المعتقلين.
حديث شخصي مع أعضاء الكونغرس: بدأ أعضاء من فريق المنظمة الحديث مع أعضاء في الكونغرس الأمريكي بشكل شخصي، ليقنعوهم بضرورة اتخاذ خطوة لحماية المدنيين في سوريا، والضغط على النظام بأي طريقة كانت، عرضنا الصور عليهم، والتي تسببت لهم في صدمة وأثارت تعاطفهم بشكل كبير.
مخاطبات رسمية: استجابة الأعضاء أعطت لهم دافعاً لتكون المخاطبات رسمية، وعليه بدأوا في تكليف الفريق القانوني المختص في المنظمة للتقدم بشكل رسمي للكونغرس، بما لديهم من شهادات وصور "قيصر"، ليتمكنوا من مناقشتها وإطلاع باقي الأعضاء عليها، وبالفعل خرج بعض الأعضاء بنسخة أولى من القانون.
أوباما يعرقل القانون: في أواخر العام 2014 بدأت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بعرقلة سير القانون، بحجة أن ذلك سيضر بعلاقات أمريكا مع روسيا، لأن هناك هدنة باتفاق روسي أمريكي، وأنه إذا فرض الأمريكان عقوبات سيضر ذلك بمصلحة السوريين لأن الهدنة سيتم خرقها.
للمفارقة، والكلام على لسان أسعد، أنه في نفس اليوم الذي صرح فيه أوباما دخلياً بهذا التصريح، خرق الروس الهدنة بإطلاق نار على مدينة إدلب.
عندما كُتب نص القانون كُتب بطابع إنساني لحماية المدنيين والمعتقلين، بما لا يشمل فرض عقوبات على دول أخرى، ولا يشمل قطاع النفط والقطاع العسكري، لكن أوباما اتصل برئيسة مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي قبل أيام من جلسة المجلس للتصويت على القانون، وطلب منها سحب التصويت.
تكرار المحاولة: بعد سحبه كرّرت المنظمات الأهلية المحاولة، على أمل إعادة طرحه للتصويت، في البداية كانت عملية إقرار القانون تجري على أساس "قانون مستقل"، وكان يحظى بالأغلبية الساحقة في مجلس النواب.
راند بول يتدخل: حينها حاول مجدداً السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي راند بول، المعروف بعلاقته مع روسيا ودعمه الرئيس بشار الأسد، تمرير القانون، ولأن هذا النوع من القوانين لا يمر من دون الحصول على تصويت كل أعضاء الكونغرس، تم إيقاف القانون.
3 سنوات من التعطيل: عَطّل بول القانون لمدة 3 سنوات، في تلك الأثناء حاولت المنظمات السورية التواصل مع حقوقيين أمريكيين ومع منظمات أهلية، بهدف إيجاد طريقة لإقرار القانون.
ضغط ناعم وتغيير في الخطة: مارَسَ بعض أعضاء المنظمات الأهلية وسائل من الضغط الناعم، عن طريق تشكيل "لوبيات" لدعم القرار في الأوساط السياسية، ومن ثم تم تغيير خطة طرح القانون على الكونغرس.
مرروه عن طريق وزارة الدفاع: تم الاتفاق على ضم القانون إلى متن مشروع قانون موازنة وزارة الدفاع، والذي لا يحتاج التصويت عليه إلى موافقة كل أعضاء مجلس الشيوخ، وحظي بموافقة 74 صوتاً.
يقول أسعد لـ"عربي بوست" إن "إقرار القوانين في الحكومة لا يتم هكذا بشكل مفرد، وإنما يتم تمريرها ضمن حزمة من القوانين والقرارات، فإما يتم رفضها أو قبولها بشكل إجمالي، في المرة الأولى التي قدمنا فيها القرار تم رفضه، لكننا حاولنا مرة أخرى، وبذلنا جهدنا ليكون ضمن حزمة قرارات متعلقة بإقرار ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، ليكون من الصعب رفضه.
واجه قيصر أزمة إصرار ترمب على أن يشمل مشروع الموازنة بناء الجدار الحدودي، وتعطلت إمكانية إضافة أي اقتراح، خصوصاً أن مشروع الموازنة لا يمكن رفعه للتوقيع عليه من الرئيس، إلا إذا حصل على موافقة الحزبين وأغلبية أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، وفي النهاية انتصر مشروع القانون، الذي بموجبه فُرضت عقوبات على النظام السوري.
خارج التوقعات
لم يكن يتوقع قيصر أن يخرج قانون باسمه، يفرض عقوبات على النظام السوري وحلفائه، لكنه كان يحاول أن يخرج الصور التي في جَعبته لـ16 ألف ضحية في سجون الأسد، وكما يقول حنا، لم يكونوا يتوقعون شيئاً، لكنهم كانوا يأملون.
صحيح أن العقوبات الدولية لا تُسقط أنظمة الحكم، لكنها تُسهم في إضعافها وإرغامها على تقديم تنازلات في قضايا محددة دون أن تسقطها، وأن المسؤولين الأمريكيين يصرحون جهاراً نهاراً بأن واشنطن ليست بصدد إسقاط نظام الأسد، وإن كانت ترى ضرورة رحيله، وثمة شروط وضعتها واشنطن لرفع العقوبات على أي من المتضررين أبرزها:
– وقف عمليات القصف بالطيران من قِبل النظام أو روسيا للمدنيين.
– التزام القوات السورية والروسية والإيرانية والكيانات المرتبطة بها بوقف قصف المنشآت الطبية والاستشفائية ودور التعليم والمجمعات السكنية أو التجارية.
– وقف القيود التي تضعها القوات السورية والروسية والإيرانية وكل الكيانات المرتبطة بها، على وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق والمدن والقرى المحاصرة، والسماح للمدنيين بحرية الانتقال.
– إطلاق المعتقلين السياسيين المحتجزين قسراً، ومنح المنظمات الدولية لحقوق الإنسان حق الوصول إلى السجون ومراكز الاعتقال في سوريا.
– تأمين العودة الآمنة والطوعية الكريمة للسوريين اللاجئين بسبب الحرب في سوريا.
– محاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا، وتقديمهم إلى العدالة، وتأمين الدخول في عملية المصالحة والحوار.
ما قد يضمن ولو بشكل بسيط طريقة لحماية المدنيين من حلفاء النظام السوري الذين يتواطأون معه لقتل الآلاف من أبناء الشعب لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية.
عن القانون
يهدف قانون قيصر إلى تجاوز التعطيل الروسي المستمر لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالأزمة السورية، من خلال استخدام حق النقض الفيتو ضد جميع المسارات الدولية الساعية إلى إيجاد حل سياسي في سوريا.
إذ أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية 39 شخصاً وكياناً على قائمة العقوبات التي يشملها القانون، ووعدت بفرض المزيد من العقوبات خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، على أفراد وكيانات يدعمون نظام الأسد.
وأوضح المبعوث الأمريكي المكلف بالملف السوري جيمس جيفري، أن المسار السياسي التفاوضي ما زال متاحاً، وأن قانون قيصر يمكن تجميده في حال توقف النظام عن القتل والاعتقال والتهجير، وقدم خطوات عملية في ملف المعتقلين. وهذا ما يجعل القانون فرصة حقيقية لإنقاذ سوريا، والتحرك نحو حل سياسي فعليّ على الأرض.