تعصف جائحة فيروس كورونا المستجد بضواحي مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، على التلال وفي الأحياء الفقيرة التي تديرها عصابات المخدرات، حيث لا تجرؤ الشرطة على الاقتراب دونما غارة مسلَّحة.
في غياب مساعدة الدولة، وبينما تعهَّد رئيس البلاد جايير بولسونارو بسحق المجرمين "مثل الصراصير"، تصدَّرت العصابات المشهد حسب شبكة CNN الأمريكية . ففي الأماكن التي اعتادت فيها بيع المخدرات بحماية نفسها بالسلاح، صارت العصابات الآن تفرض حظر التجول، والالتزام بتدابير التباعد الجسدي، وتوزِّع على الفئات الأكثر عوزاً إعانات غذائية.
يقول رونالدو، وهو عضو بإحدى العصابات، وشأنه شأن معظم الذين تحدَّثت إليهم شبكة CNN الأمريكية، طلب عدم ذكر اسمه أو عرَّف نفسه باسم زائف: "إننا نخشى الفيروس، لا بولسونارو. لا يمكننا تقديم حصر دقيق لأعداد القتلى. ولكن المستشفيات تقتل أكثر مما يفعل البقاء في المنزل والاعتناء بالذات".
أتاحت إحدى عصابات المخدرات وصول شبكة CNN الأمريكية إلى أحد أفقر المجتمعات في ريو دي جانيرو وأكثرها عُزلة للكشف عن الطريقة التي تتعامل بها مع جائحة كوفيد-19. إنها منطقة لا تبلغها منظومة الرعاية الصحّية الحكومية. كان توزيع جل الكحول، والأدوية، والمساعدات النقدية بين أركان المنظومة التي أراد أعضاء العصابة إظهارها هناك. بينما صارت البرازيل تحتل المركز الثاني عالمياً على قائمة إصابات فيروس كورونا المستجد بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتزامن مع تضاعف عدد الحالات في البلاد كل أسبوعين.
تعاون بين الأطباء والمرضى: يقول رونالدو: "الأطباء يساعدون المرضى تطوُّعاً. لكن الذين يمتلكون المال بإمكانهم الحصول على المساعدة، أما الذين لا يملكونه ببساطة، لا يمكنهم الحصول عليها". الرعاية الطبية مُتاحة في ذاك المجتمع، ولكنّ العلاج في المستشفيات نادر.
أشار رونالدو إلى أن المجتمع المحلّي يساهم أحياناً في دفع نفقات دفن الضحايا، وأضاف عضو التشكيل العصابي قائلاً: "كانت تدابير العزل تمضي على ما يرام، ولكن في الوقت الراهن، حتّى رئيس البلاد شخصياً -حسب كلماته- يتجاهلها. ومع ذلك لا يمكننا تخفيف التدابير، فلقد شهدنا الكثير من الموت، ونعرف أن الأمر ليس هيّناً"، ولكنّه قال أيضاً إن فرض الحجر الصحّي على الناس شأن مُعقّد.
صار تجّار المخدرات هناك -وهم شباب يحملون بنادق نصف آلية قديمة ورشاشات من طراز M4s، وربما يحملون مثل رونالدو مسدّس غلوك جرى تعديله ليصير بندقية- على دراية بشأن كوفيد-19 تضاهي درايتهم بالمخدرات، إذ يناقشون عدم جدوى عقار هيدروكسي كلوروكين الذي وافقت الولايات المتحدة على إرساله إلى البرازيل رغم ما أشارت إليه منظّمة الصحّة العالمية من عدم فعاليته وربما خطورته.
تبدو الشوارع مزدحمة في ظل حظر التجوال؛ فرغم إغلاق الحانات، كيّفت الأعمال التجارية نشاطها مع الجائحة.
كانت نيا مُصففة شعر قبل بدء الجائحة، والآن حوَّلت نشاطها إلى إعداد الأقنعة، وتبيع أقنعتها عبر نافذتها الأمامية، مما يُتيح لها البقاء في منزلها. تقدِّم نيا الأقنعة مجاناً للأطفال، فيما تبلغ تكلفة القناع المُعد من ثلاث طبقات للكبار حوالي 10 ريالات (ما يعادل 1.75 دولار أمريكي)، ولكنّها تقول إن تجّار المخدرات يعطونها 15 ريالاً نظير القناع.
الشرطة والعصابة في عراك: لطالما قطعت الجرائم في هذا المجتمع صلته ببقيّة أنحاء ريو دي جانيرو؛ إذ تداهم الشرطة المنطقة بانتظام، كجزءٍ من حملة الرئيس على الأحياء الفقرة. وقد قال إن ضابط الشرطة الذي لا يقتل ليس شُرطياً حقيقياً. ودفع ارتفاع المداهمات القاتلة بغضب المدافعين عن حقوق الإنسان.
شهدت تلك المنطقة الفقيرة أحدث غارة قبل 10 أيام، وأسفرت عن مقتل سبعة أشخاص على الأقل. وثمّة إشارات في كل مكان تُنذر بمجيء غارة أخرى؛ فهناك صخرة كبيرة تسد الطريق، ويتردد صوت المفرقعات من أحد أسطح المباني -محذّراً من شيء غريب، ومن اقتراب الشرطة مرّة أخرى.
يقول دانيال إن تجار المخدرات قد منعوا المطاعم من وضع طاولاتها في الشوارع، وأضاف: "الفيروس تحت السيطرة هُنا، فحتى تجار المخدرات خائفون، ولكن فرض السيطرة على الجميع ليس بالأمر الممكن".
يعلو أزيز الدراجات النارية التي تجوب المكان ذهاباً وإيابا، بعضها يحمل مُسلّحين، والبعض الآخر يحمل فتيات مراهقات يتّجهن إلى الشوارع ليلاً. تعج الشوارع بالحركة، حتّى إنه في بعض الأحيان يبدو الحال وكأن العالم لم يُغلق أبوابه إثر الجائحة.
مع ذلك، يقول السكان إن شوارعهم خاوية إلى حدٍّ ما، إذ اعتادت الحانات الصخب بالموسيقى، وكان تجار المخدرات أكثر انتشاراً.
تعد هذه المناطق مصدر قلق دائم للعاملين في مجال الرعاية الصحية بالتزامن مع تنامي الجائحة، إذ تفتقر الدولة إلى معرفة كيفية انتشار الفيروس في تلك المجتمعات. وفيما يقبع المقيمون هناك في منأى عن أحياء ريو الأكثر ثراءً، مازال بإمكانهم نشر الفيروس.