إلى جانب الشهادات والخبرة، فإنَّ تقدير الذات يؤدي دوراً مهماً لتأسيس حياة مهنية ناجحة. ولكن ماذا لو كان هناك صوت بداخلك يقول لك: "لست بالمهارة المطلوبة أو أنت لا تستحق هذه الترقية"، وإنك حصلت عليها بمحض الصدفة أو الحظ؟ تعرَّف على متلازمة المحتال التي يشعر بسببها الإنسان بأنَّه مخادع ولا يستحق ما وصل إليه من نجاح وإنجاز.
قبل أي شيء، ينبغي أن يكون الإنسان أعظم مشجع لنفسه، وإذا واصلنا الدوران في حلقة مفرغة من الشك الذاتي، فإنَّنا نقلل من قيمتنا الحقيقية، أو في أسوأ الأحوال، نتساءل عما إذا كنَّا حقاً "جديرين كفاية" أو حتى "نمتلك ما يكفى لتحقيق أي إنجاز".
شعور بعدم الاستحقاق
تشير مقالة نُشرت في المجلة الدولية للعلوم السلوكية إلى أن ما يقدَّر بـ70% من الأشخاص يعانون من هذه المتلازمة في مرحلةٍ ما من حياتهم.
وبحسب ما نشرته مجلة Times، تؤثر متلازمة المحتال على جميع أنواع الشخصيات من شتى مشارب الحياة: النساء والرجال والطلاب والأطباء ومديري التسويق والممثلين والمديرين التنفيذيين وغيرهم.
بدورها تقول المديرة التنفيذية لمركز "WOMEN Unlimited" لدعم وتطوير المهارات الدكتورة روزينا راسيوبي، إنَّ الأشخاص المصابين بـ"متلازمة المحتال" لديهم إيمان قوي بأنَّهم مخادعون ولا يستحقون نجاحهم وإنجازهم.
وتضيف لموقع The Ladders: "يتوهم أولئك الذين يعانون من هذه المتلازمة أنَّهم خدعوا كل من صدّق كفاءتهم بطريقةٍ ما. كما يشعرون بأنَّهم ليسوا الشخص الناجح الذي يراه الآخرون".
وبينما قد يساورك هذا الشعور في أي مرحلة من مراحل حياتك المهنية، لكنه على الأرجح يأتي بعد الحصول على ترقية كبيرة أو وظيفة جديدة أو إبرام صفقة هامة أو بعد إجتياز بيئة عمل شديدة السُمّية.
وفقاً للدكتورة روزينا راسيوبي، تختلف أعراض تلك المتلازمة بين الرجال والنساء.
يتبنى الرجال على الأرجح السلوكيات والإجراءات اللازمة للوضع الجديد، من خلال إظهار الجرأة والشجاعة أو الثقة المضاعفة بالنفس.
في المقابل، تفعل المرأة العكس تماماً، إذ تنطوي على نفسها؛ على أمل ألا يكتشف أحد أنَّها غير مناسبة لشغل هذا المنصب.
عوارض متلازمة المحتال
الخبيرة بمتلازمة المحتال فاليري يونغ، ومؤلفة كتاب عن هذا الموضوع تحت عنوان "الأفكار السرية للنساء الناجحات"، حددت أنماطاً لدى الأشخاص الذين يعانون من هذه المتلازمة:
"الكماليون" يعلّون سقف التوقعات لأنفسهم، وحتى لو حققوا 99% من أهدافهم، فسوف يشعرون بالفشل؛ أي خطأ صغير يجعلهم يتساءلون عن كفاءتهم.
"الخبراء" يشعرون بالحاجة إلى معرفة كل معلومة قبل بدء المشروع، والبحث باستمرار عن شهادات أو تدريبات جديدة لتحسين مهاراتهم. لن يتقدموا بطلب للحصول على وظيفة إذا لم يستوفوا جميع المعايير، وقد يترددون في طرح سؤال بالصف أو التحدث في اجتماع بالعمل، لأنهم يخشون أن يبدوا أغبياء لعدم معرفتهم الجواب مسبقاً.
"العبقري الطبيعي" عندما يضطر إلى العمل بجد لإنجاز شيء ما، يعتقد أنه ليس جيداً بما فيه الكفاية. إذ اعتاد اكتساب المهارات بسهولة، وعندما يضطر إلى بذل جهد، يخبره دماغه بأنه دليل احتيال.
"المنفردون" يشعرون بأنه يتعين عليهم إنجاز المهام بمفردهم، وإذا احتاجوا لطلب المساعدة، فإنهم فشلوا أو زعموا أنهم يستطيعون.
"المرأة الخارقة" تدفع نفسها إلى العمل بجدية أكبر ممن حولها؛ لإثبات أنها ليست "محتالة". تشعر بالحاجة إلى النجاح بجميع جوانب الحياة؛ في العمل، كأم، كزوجة، وقد تصاب بالتوتر والإجهاد عندما لا تكون في حالة تحقيق أو إنجاز.
علاج متلازمة المحتال
قد يبدو الأمر كأنه مصدر إزعاج بسيط تستطيع التحكّم فيه، لكن افتقارك إلى الثقة بأدائك وكفاءتك قد يدفع الآخرين إلى التشكيك في قدراتك. لذا، قبل أن تدع "متلازمة المحتال" تفسد حياتك المهنية، اتّبع النصائح الآتية من الخبراء:
1- حدِّد الأفكار السلبية
وغالباً ما يكون عقل المصاب بـ"متلازمة المحتال" مليئاً بالمخاوف أو الأفكار السلبية.
إذ تشير المدربة المختصة في الإرشاد المهني باتي فرانكو إلى أنَّ مهمة المحترفين مع هؤلاء الأشخاص تتركّز على تهدئة الهواجس الموجودة داخلهم أو ما يُسمى "الوحش الداخلي".
تقول باتي: "تتمثّل الخطوة الأولى في فصل مشاعر القلق عن المخاوف الحقيقية. يوجد داخلنا جميعاً شعور خفي يُعرف في عالم التدريب وعلم النفس بـ(صوت الخوف والشك)".
يخبرك هذا الصوت بأنَّك لست جيداً بما يكفي ولا تستطيع أو لا ينبغي لك فعل أشياء معينة لحماية نفسك من الفشل أو الإحراج.
عندما تستطيع فصل ما هو حقيقي عما يقلقك، قد يسهل عليك تجاهل هذا الصوت، لأنَّك حينها ستعلم أنَّه ليس "أنت"، بل "أفكارك السلبية ومخاوفك".
2- البحث عن موجِّه
يُعد الأشخاص المهنيون ذوو الإمكانات الواعدة أكثر عرضة للمعاناة من "متلازمة المحتال"، وقد يكونون الأكثر عزوفاً عن المجازفة أيضاً.
بالنظر إلى أنَّ هؤلاء الأشخاص -كما تشرح الدكتورة روزينا- يمتلكون تطلعات شخصية كبيرة، فإنَّ أي تحوُّل (حتى لو كان ترقية)، قد يخلق اضطراباً غير متوقع مثل التأثير على إنتاجيتهم وثقتهم بمهاراتهم.
تتمثّل إحدى الطرق الفعالة لإيقاف هذا الانحدار، في إيجاد موجِّه أو معلم (mentor)، ويُفضّل أن يكون من داخل الشركة نفسها.
تقول روزينا: "يوفر الموجّهون بيئة آمنة لاستكشاف الأهداف المهنية وتقييم القدرات ووضع خطط للتطوير".
3- اكتشِف المصدر
وتعتبر باتي فرانكو أنَّك تستطيع البدء في التعامل مع المشكلة بمجرد حصولك على مستوى أعلى من الوعي الذاتي، وفهم السبب الجذري لإصابتك بـ"متلازمة المحتال"، والبحث في أسباب ظهور هذا الوحش بداخلك.
عندما تحضر جلسة تدريب مهني، ستبدأ في استكشاف ما الذي يثير مشاعر الخوف، والشك الذاتي، والافتراضات والمعتقدات المُقيّدة لوعيك بإنجازاتك وقدراتك الحقيقية.
4- فكِّر في الانضمام إلى مجموعة عمل محترفة
تشير الدكتورة روزينا راسيوبي إلى أنَّ "بناء علاقات مع أفراد لديهم خلفيات وظيفية مختلفة ووجهات نظر مهنية تُثني على وجهة نظرك، أمر ضروري".
وأضافت: "يساعد هذا الاطلاع، على إنشاء رؤية كاملة للمسائل التنظيمية ويوفر مورداً قيّماً لجعل مهاراتك وقدراتك تتناسب مع احتياجات العمل المستقبلية وتطويرها".
5- اطلب التقييم
من الجيد أن تسمع "واصِل العمل، أنت تبلي حسناً"، لكن مثل هذه العبارات لا تساعد شخصاً يعاني من "متلازمة المحتال".
بدلاً من ذلك، يتوق هؤلاء الأشخاص إلى سماع أمثلة مُحدّدة لما نجح أو فشل؛ حتى يستطيعوا اكتساب الثقة بمهاراتهم.
في هذا الصدد، تقول الدكتورة روزينا: "عندما لا تتلقى إرشادات فعلية بشأن أدائك، قد تصبح ضحية الافتقار إلى الآراء التقويمية (feedback void)، الأمر الذي لا يساعدك على تحقيق التقدُّم في مسيرتك المهنية. لذا، تأكَّد من انتهاج سلوك استباقي مع مديرك من أجل تنمية مهاراتك وتطوير أدائك الوظيفي".
على سبيل المثال، ينبغي للمهندس الطامح أن يطلب من مديره ما يلي: "أنا مهتم بتطوير مسيرتي المهنية لأصبح مديراً فيما بعد. بناءً على خلفيتي وقدراتي، ما هي برأيك نقاط قوتي التي ستساعدني للاضطلاع بهذا الدور؟ ما هي مجالات التطوير التي ينبغي لي التطرّق إليها؟".
6- استوعِب نقاط ضعفك
على الرغم من أنَّ عديداً من المحترفين يخشون عدم امتلاك جميع المعلومات الكافية للإجابة عن أي سؤال يُطرح عليهم، تقول باتي فرانكو إنَّ "ثمة قوة حقيقية في قول (لا أعرف)".
بالطبع، يمكنك متابعة تلك الجملة بعبارات من نوعية "لكن أبحث في الأمر" أو "سأعود إليك بما تحتاج إلى معرفته".
يُفضَّل أن تستوعب نقاط ضعفك وتعالجها بدلاً من إخفائها. فإذا كنت تفتقر حقاً إلى مهارة أو خبرة معينة، فمن الأفضل عادةً الاعتراف بذلك.
اسعَ دائماً إلى امتلاك المعلومة المطلوبة، لكن بعدها ركِّز على ما ستُقدِّمه لإحداث فارق.