أفاد تقرير سري للأمم المتحدة، بأن مرتزقة من جنسيات غربية متعددة، ومرتبطين بشركتين في دبي الإماراتية، شاركوا في هجوم الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، من أجل مساعدته على الاستيلاء على طرابلس، وهو الأمر الذي أكد، حسب التقرير، أن ليبيا "أصبحت ساحة حرب بالوكالة، ونقطة جذبٍ لحاملي السلاح المُستأجرين".
وفق وكالة Bloomberg الأمريكية، الجمعة 15 مايو/أيار 2020، فإن التقرير يقول إن المرتزقة تابعون لشركتي Lancaster 6 DMCC وOpus Capital Asset Limited FZE، وكلتاهما مُسجَّلة في المناطق الحرة بالإمارات العربية المتحدة، وقد سافر المرتزقة إلى ليبيا في يونيو/حزيران 2019 من أجل "عمليةٍ لشركة عسكرية خاصة مُمَوَّلة جيداً"، لدعم حفتر، الذي يقاتل من أجل إزاحة حكومة الوفاق المُعتَرَف بها دولياً.
تمويل حفتر: وجَّهَت شركات Opus وLancaster 6، وموَّلَت عمليةً من أجل إمداد قوات الجنرال المتقاعد بطائرات مروحية، وطائراتٍ مُسيَّرة، وإمكاناتٍ إلكترونية، من خلال شبكةٍ مُعقَّدة من الشركات الوهمية، وفقاً لاثنين من الدبلوماسيين الذين أطلعوا وكالة Bloomberg الأمريكية على محتويات تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة، الذي تمت مشاركته مع لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن في فبراير/شباط. وشارَكَ الدبلوماسيان أيضاً مقتطفاتٍ من التقرير مع الوكالة الأمريكية، فيما رَفَضَ مسؤولو الأمم المتحدة التعليق على التقرير علنياً.
وَصَلَ الفريق، الذي يتألَّف من نحو 20 فرداً تحت قيادة الجنوب إفريقي ستيف لودج، إلى ليبيا في أواخر يونيو/حزيران 2019، وانسحب فجأةً بعد أيامٍ قليلة تاركاً البلد، على متن قاربين إلى مالطا.
يقول مُحقِّقو الأمم المتحدة في التقرير، إنهم لم يتمكَّنوا من تحديد سبب انسحاب الفريق، لكن التفسير الذي قدَّمه محاموهم -بأنهم كانوا يقدِّمون خدماتٍ مُتعلِّقة بالنفط والغاز- لم يكن مُقنِعاً.
في الوقت الذي يرفض فيه لودج التعليق على ذلك، فإن محاميه قال إن الاتهامات المُوجَّهة له في تقرير الأمم المتحدة زائفة.
من موَّل المشروع؟ قال الدبلوماسيان إن التقرير لم يوضح أيَّ حكومةٍ أو وكالة كُلِّفَت بالمشروع، لكن المرتزقة كانوا يدعمون حفتر -الذي تلقَّى دعماً من الإمارات العربية المتحدة ومصر وروسيا- بينما اصطفَّت الحكومات الغربية وراء الحكومة التي تعترف بها الأمم المتحدة على الجانب الآخر.
ليس مطلوباً من مجلس الأمن أن يتَّخِذ إجراءً بناءً على التقرير، لكن بإمكان أعضاء المجلس أن يحيلوا التقرير للتحقيق في بلدانهم.
يترأس شركة Lancaster 6 الطيَّار السابق بسلاح الجو الأسترالي، كريستيان دورانت، الذي عمل لصالح مجموعة Frontier Services حتى عام 2016، وفقاً للموقع الإلكتروني للشركة.
تأسَّسَت هذه المجموعة على يد إريك برينس، الرئيس السابق لشركة Blackwater Worldwide. وليس هناك ما يشير في التقرير إلى أن برينس أو أيَّ شركة أخرى تابعة له كان لهم أيُّ دورٍ في المهمة.
صراع دولي وساحة للعنف: ورغم قِصَر مدتها، تُظهِر عملية الانتشار، كما هو مُوضَّح في تقرير الأمم المتحدة، كيف تصاعدت معركة حفتر من أجل السيطرة على طرابلس إلى صراعٍ دولي من أجل بسط النفوذ على دولةٍ مُقسَّمةٍ تطفو فوق أكبر احتياطاتٍ نفطيةٍ مؤكَّدة في إفريقيا.
كان حفتر قد شنَّ هجومه على طرابلس منذ عامٍ مضى، لكنه ظلَّ مُتعثِّراً على تخوم العاصمة مذاك الحين، في حين توجَّهَت الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة إلى تركيا من أجل الحصول على مساعداتٍ عسكرية لصدِّ الهجوم.
كان من الممكن أن ينضم المقاولون العسكريون الغربيون، على نحوٍ متزايد، إلى ذلك الحقل المُكتَظ بليبيا، التي غرقت في العنف منذ التمرُّد المدعوم من حلف الناتو الذي أجهَزَ على الزعيم السابق معمر القذافي، مِمَّا أثار مخاوف في أوروبا من أن ليبيا قد تصبح قناةً للمهاجرين والمُتشدِّدين على حدٍّ سواء. وفيما أصبح الصراع أعقد من ذي قبل، جاذباً إليه حكوماتٍ مختلفة، نُشِرَ آلاف من المرتزقة الروس والسوريين والسودانيين في ليبيا؛ من أجل القتال لصالح أطرافٍ مختلفة.
لكن عكس هؤلاء المقاتلين ذوي التجهيزات الضعيفة والأجور الزهيدة، وَعَدَ المرتزقة المُشار إليهم في تقرير الأمم المتحدة، بتنفيذ عمليةٍ مُعقَّدة يمكن أن تمنع شحنات الأسلحة من تركيا إلى حكومة طرابلس باستخدام السفن والمروحيات، وفقاً للدبلوماسيَّين.
يذكر التقرير أن ست مروحيات عسكرية سابقة أُرسلت إلى ليبيا من أجل المشروع الذي وصفه التقرير بعدم الامتثال لقرار حظر الأسلحة المفروض على ليبيا.
يقول التقرير أيضاً، إن العملية دعت إلى "خلية استهداف"، وهي مجموعةٌ مسؤولة عن الطائرات المُسيَّرة، وطائرة مروحية، لكن لم يتمكَّن التقرير من تحديد ما إذا كانت هذه الخطط قد مُرِّرَت بالفعل.
على موقعها الإلكتروني، تقول شركة Lancaster 6 إنها تعمل من أجل "تخفيض العنف"، وتتخصَّص في عمليات "البحث والإنقاذ"، من بين خدماتٍ أخرى تتضمَّن خدمات تقنية بحقول النفط وخدمات استشارات الحوكمة.
ردُّ "المرتزقة": في الجهة المقابلة، اعترض فينس غوردون، المحامي الذي يمثِّل لودج ودورانت، في خطابٍ له، على الاتِّهامات الواردة في التقرير، ونقل عن دورانت قوله: "المزاعم حول النشاط غير القانوني لشركتي Opus وLancaster 6 في ليبيا هي ببساطة ليست واقعية، وتنتشر على أساس خليطٍ من أنصاف الحقائق".
جاء في الخطاب أنهم تعاونوا مع تحقيق الأمم المتحدة وعرضوا أن يجتمعوا مع لجنة الخبراء عدة مرات: "يعتزم عملاؤنا الدفاع بقوةٍ عن أنفسهم ومديريهم ومُوظَّفيهم ضد الاتِّهامات الزائفة والمُضلِّلة".
أما في مالطا، فاتَّهَمَت السلطات مُورِّداً محلياً للأسلحة والخدمات اللوجيستية، وهو جيمس فينيش، بانتهاك العقوبات لإمداده المرتزقة بقاربين، بحسب الصحافة المالطية التي استشهدت ببيانٍ من الشرطة.
قال فينيش لوكالة Bloomberg في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني، إنه تعاقَدَ فقط على القوارب دون طاقم، "لتكون في وضع الاستعداد لأغراضٍ تتعلَّق بالإخلاء".
كما أضاف أيضاً: "لست على درايةٍ بأيِّ شيءٍ خطأ فعله عملاء شركة Opus، أخبرونا بأنهميعملان في مشروعٍ للنفط والغاز، ويتطلَّب منهما المشروع مساراً إضافياً لأغراضٍ تتعلَّق بالإخلاء".
في بيانٍ لشركته، Sovereign Charters، زعم أن 21 متعاقداً، أغلبهم يحملون جوازاتٍ بريطانية وأمريكية وفرنسية وأسترالية وجنوب إفريقية، استأجروا القاربين 90 يوماً، لكنهم عادوا إلى مالطا بعد فترةٍ وجيزة، وسُمِحَ لهم بالسفر.